حمدي رزق
ذكرنى القاضى الجليل بحكم فريد، صفحة منيرة من كتاب «فقه المواطنة»، صك المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، حكماً قضائياً فريداً بمنح الكنيسة حصانة المسجد.
ربما هو الحكم الأول من نوعه على مستوى دول العالم الذى يحظر بيع الكنائس أو هدمها وأوجب ترميمها أيا كانت ملتها، حرصًا على قدسية الأديان وحرية العقيدة، ومنح الكنيسة ذات حصانة المسجد، تأسيسا على أن دور العبادة متى أقيمت فيها الصلاة انتقلت من ملكية العباد إلى ملكية رب العباد، ولا ترد عليها تصرفات البشر، ولا يجوز تغيير الأغراض الدينية إلى دنيوية.
تجمعت لهذا الحكم كل أسباب العظمة المصرية، جاء مؤيدا لقرار الحكومة المصرية برفض هدم كنيسة بمحافظة البحيرة اشتراها أحد المواطنين من الأروام الأرثوذكس اليونانيين الجنسية، ووقفت الحكومة أمام القضاء رفضا لهدم كنيسة، ويتداخل البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية (الأرثوذكس)، باعتباره رمزا دينيا للديانة المسيحية للحفاظ على الكنيسة أيا كانت الطائفة أو الملة التى تنتمى إليها.
ويمتن المشرع المصرى الحكم بإصداره لاحقا قانونا متسقا مع الحكم، مقررا ذات القاعدة التى أنشأها القاضى الجليل وحظر التعامل بالبيع أو الشراء على الكنائس، فأصبحت الكنائس فى مصر محمية عقائدية من القاضى والمشرع المصريين.
حكم الدكتور خفاجى من كتاب «فقه المواطنة» المحفوظ فى القلوب، ويوفر حماية وحصانة لكنائس إخوتنا، ويؤسس لوضعية مستقرة لكنائسنا، الكنائس مصرية أيا كانت ملتها، ولطالما على أرض مصر استوجب حمايتها من البيع والشراء والهدم، بل وإقامتها إذا أصابها ما يضيرها، ملزماً الدولة ببناء الكنائس وصيانتها وتأهيلها للعبادة.
حكم القاضى المستنير ليس ببعيد عن دولة المواطنة فى تجليها، حيث الكنيسة جوار المسجد، وقريب جدًا من قانون بناء الكنائس الذى نجح فى توفيق أوضاع ما يزيد على الألف كنيسة فى عامه الأول، ويستحث الخطى نحو الألف الثانية، أملا فى إنجاز هذا الملف الذى لم تقربه حكومة قبل ثورة 30 يونيو، التى تستحق بحق وصف ثورة شعب مصر فى وجه الاستعلاء الطائفى.
معلوم القاضى لا يمدح ولا يذم، ولكن استثناء يمدح هنا، ويثمن صنيعه، ونقف إجلالا واحتراما أمام استنارته، نفخر أن يكون بين ظهرانينا قاض جليل مؤمن بالمواطنة الحقة، حكم صدر قبل ثلاث سنوات (28 مارس 2016)، والحكم فى خلاصته مرجع لمن يراجع صفحات المواطنة فى بلد استهدفت فيه المواطنة استهدافا مروعا طوال عقود، فجاء الحكم بشرى، وكما يقول الشاعر: «وغدًا ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولّى».
نقلا عن المصرى اليوم