بقلم : د/ عدلي انيس
استاذ بجامعة القاهرة
"حزب الحرية والعدالة ضد الحرية والعدالة"
"الحرية" مفهوم واضح لا يحتاج الى الكثير من الشرح والتفلسف، والحرية هى اعظم ما وهب الخالق للإنسان، فقد كان الله قادر"ا على أن يخلق البشر على صورة الملائكة، أو يخلقهم فاعلون للخير فقط، نافرون من عمل الشر، ولكن عدالة الله اقتضت أن يهب الإنسان حرية الاختيار بين الخير والشر، وبين الصالح والطالح، بين ملذات الدنيا وبين جزاء الآخرة. وعدالة الله هنا في إنه يعطي الإنسان الحرية حتى يكون هناك مبررًا ليحاسبه عندما يُقيم "الميزان". فإذا كانت هذه عدالة الله وحكمته فكيف يعطي بشر ايًّا ما كان لنفسه سلطة ليحكم على الناس ماذا يفعلون ويرتدون ويقولون، وكيف يقومون ويجلسون، و..و..و. أي يعطي لنفسه الحق في سلب ما وهبه الله للبشر.
وإذا كان حزب الحرية والعدالة قد استقى مبادئه من مبادئ رسخها الله سبحانه وتعالى، واتخذ من الميزان رمزًا لتحقيق ذلك فعليه أن يطبق ذلك على نفسه اولاً، قبل أن يطلب من الآخرين تطبيقه، والواقع انه يطلب من الآخرين عمل ما لا يقوم هو بعمله، وسأوضح في السطور التالية ما يثبت ذلك.
اولاً : إذا كان حزب الحرية والعدالة ينادي بالعدالة فعليه ألا يختلف مع ساويرس، الذي يعد تصريحه في المحطة الكندية طلب للعدالة- اذا كان قد صرح بالفعل-؛ أي العدالة في جلب تمويل من الخارج لمساعدة القوى الليبرالية؛ أي طلب العدالة والمساواة مع التيارات الدينية التى تتلقى هى الأخرى مساعدات من الخارج – كما يعلن وإذا استدل على ذلك – وإذا كان ذلك غير صحيح فليثبت لنا الذراع السياسي لجماعة الأخوان بالوثائق من أين تنفق ببذخ على الانتخابات في هذه الأيام، والعاقل يقارن ما انفقه حزب الأخوان وبين ما انفقته كل الأحزاب والقوى السياسية بما فيها الكتلة، والتساؤل من أين لكم كل هذه الأموال التى استخدمتوها في إنشاء مقرات في كل المحافظات والأحياء، هذا خلاف مقرات الجماعة وشُعبها في كل منطقة على ارض الوطن، واستخدمتوها في توزيع اللحوم والمواد الغذائية و"الخير" على البسطاء والفقراء منذ قيام الثورة وحتى يومنا هذا.
ولا يعني حديثي هذا إنني أوافق على تعاطي أموال من الخارج للتيار الديني او الليبرالي، إلا أن "المساواة في الظلم عدل" فطلب ساويرس من الغرب هو طلب لتحقيق العدالة فلماذا يرفض حزب العدالة تحقيق العدالة، وكذلك يرفض استخدام "الميزان" في قياس المواقف المتشابهة، فإذا ثبت قبول الأخوان لمساعدات من الخارج فعليهم ايضًأ – عملاً بالميزان – الاعتذار للشعب المصري لأنهم يطلبون الاعتذار عن نية العمل، فلماذا لا يعتذرون عن العمل ذاته، ولتحقيق العدالة اطالب بانتداب لجنة من الجهاز المركزي للمحاسبات لتقييم انفاق حزب الحرية والعدالة -وغيره من الأحزاب- لنعرف مقداره ومصدره وهل تعدى انفاقهم على الدعاية الانتخابية المبلغ المحظور تعديه أم لا، وإن كان قد حدث فلماذا لا يحاسبون؟ الا تخضع شركات رجال الاعمال ومنهم ساويرس للمحاسبة ودفع ضرائب يستفيد بها الشعب والوطن بشكل قانوني ومن خلال قناة شرعية.
ثانيا: ليس من العدالة قلب الحقائق، وليس من العدالة أن من يأمرون الناس بالمعروف ينسون انفسهم، وقد صرح الدكتور محمد البلتاجي الأمين العام لحزب الحرية والعدالة والذي يقول فيه " أن ساويرس يسعى لتمزيق البلد على أساس طائفي" واقول له عفوا يا دكتور فساويرس لم يجاهد في غزوة الصناديق، ولم يصرح بأن "نعم" تعنى دخول الجنة وأن لا سيختارها الكافر، ولم يقول لا تختاروا الكتلة الكافرة، ولم يُسيِّر ميكروباصات لنقل الناخبين إلى مقار اللجان، ولم يرسل شباب الكتلة أمام اللجان ومعهم لاب توب لتعريف الناخبين بأرقام اللجان وكتابة ذلك على ورقة دعاية لمرشحي الحزب، ولم يخرق ساويرس فترة الصمت الانتخابي، ولم يرفع علم دولة عربية في ميدان التحرير( منهل الحرية الحقيقية ).
والواقع ان من فعل كل ذلك هو الذي يستقوى بالشرق وربما بالغرب وبقية الجهات الاصلية والفرعية، وهو الذي يريد تمزيق الأمة بين مسلم ومسيحي، وبين مؤمن وكافر، وبين ملائكة وعلمانيين. والنتيجة أن الناس ذهبوا الى الصناديق للدفاع عن الاسلام وليس لاختيار حزب سياسي، بعدما تملكهم الخوف على دينهم وهويتهم من هول ما تقولون وما تصرحون به. الأمر الذي ألغى دور كل الأحزاب السياسية وسقوط معظم القوائم، ولم يسلم من هذا قائمة الثورة مستمرة التى ساندها كثيرون من اصحاب الثورة الحقيقيين، بل وسقوط معظم المرشحين المستقلين ليصبح المشهد تنافس حزب الحرية والعدالة مع حزب النور، اليس هذا دليل على صحة ما اقوله. فهل الحرية تعنى الاستقطاب، وهل العدالة تعنى قلب الحقائق والاستحواذ على معظم مقاعد البرلمان، أية عدالة هذه؟ وما نوع تلك الحرية؟
واختم حديثي هذا بالدعاء لأرواح الشهداء الذين سالت دمائهم من اجل الحرية والعدالة وليس من اجل حزب الحرية والعدالة، من اجل ان تكون بلادنا متقدمة ومنصورة وليس لتحويل المحظورة الى محظوظة. وختاما اقتبس مقولة أيوب " وعلى الله اجعل أمري"