وسيم السيسي
هذا اقتراح لصحيفتى «المصرى اليوم» أن تنشئ بابًا بعنوان «تعلموا من تجاربنا»، ذلك لأنه ليس كالتجربة معلم، لذا قالوا: «تجربة آلمتنى.. تجربة علمتنى»، كما نجد أن الدراما، كالسينما أو المسرح، أعمق أثرًا من مواعظ الكنائس أو الجوامع.
فى سهرة ممتعة مع أ.د. رفعت كامل، اقترحت عليهم أن نضع كتابًا لأولادنا الأطباء، خصوصًا العاملين بالجراحة، يحمل تجاربنا الحلوة والمُرّة، وقلت له: أذكر مثلًا فى بداية عملى بالجراحة، وجدت نسيجًا عضليًا داخل عملية فتق إربى، فقمت باستئصاله، وبعد يومين، وجدت البول يأتى من الجرح! عرفت أن هذا النسيج العضلى كان من جدار المثانة!، عالجت الموقف بقسطرة للمثانة البولية لمدة أسبوعين، وانتهت المشكلة.. تعلمت من يومها ألا أستأصل نسيجًا لا أعرف ما هو!.
ابتسم الدكتور رفعت كامل الكبير- يرحمه الله- وقال هذه بسيطة!. قال لى البروفيسور الإنجليزى «فلان» إنه استأصل ورمًا كبيرًا عائمًا فى بطن مريض، وبعد العملية اكتشف أنه استأصل كبده!، وطبعًا مات المريض.
الرسالة الموجهة لأى جراح فى بداية حياته العملية: لا تستأصل من جسم المريض نسيجًا لا تعرفه!.
تجربة أخرى: أخذت الموافقة على تركيب جهاز تعويضى داخل القضيب بسبب الضعف الجنسى، وبعد العملية ببضعة أسابيع جاءنى المريض يقول: أين الانتصاب؟، حاولت أن أفهمه أن هناك فرقًا بين الانتصاب الطبيعى، والصلابة الدائمة التى يوفرها هذا الجهاز التعويضى، سبّب لى هذا المريض إزعاجًا شديدًا، أصبحت بعدها أجعل المريض يكتب الموافقة بخط يده «هذا هو القانون» أو أحد أقاربه يكتبها له بشهود اثنين، كما أجعله يكتب: «وقد أفهمنى السيد الجراح أن هناك فرقا بين الانتصاب الطبيعى والصلابة الدائمة».
منذ سنوات أردت شراء قطعة أرض من أحدهم، كان صاحب مركز مرموق فى الدولة، ذهبت لأحد أصدقائى أ. د. سعيد أبوطالب، قلت له: ليس لى فى البيع أو الشراء، كيف أتأكد من سلامة الأرض، خصوصًا أن صاحبها سوف يقابلنى غدًا عند رئيس الشؤون العقارية فى دار القضاء العالى، لأنه صديقه حتى يرينى العقد الأزرق الخاص بالأرض!، قال لى دكتور سعيد: «اطلب عمل عقد نهائى لا ابتدائى يتضح لك كل شىء»!.
وفى اللقاء الموعود، رأيت العقد الأزرق وحدود الأرض سليمة، وجاءت القهوة، سألت المدير: هل هناك مانع قانونى من عمل عقد نهائى بدلًا من الابتدائى؟!، وإذا بهذا الرجل صاحب المنصب المرموق يتحول إلى بركان ثائر: أبدًا، هذه عدم ثقة!، قلت له: نعم عدم ثقة فى الظروف، ليست فىَّ أو فيك، لا سمح الله، لماذا لا ننهى الموضوع مادامت أوراقك سليمة وأنا فلوسى جاهزة؟!.. قام ثائرًا، ترك القهوة، وانصرف!. عرفت بعد ذلك أن الأرض لسبعة من الورثة وهم لا يريدون البيع، وهو يريد!.
الدرس المستفاد: ما خاب من استشار، ومن يدقق يجد سلعة أجود.
نستفيد من تجارب الأطباء والمهندسين ورجال السياسة والشرطة والقضاء، ونجمع تجاربهم فى كتب أو كتاب، ولكن حقوق الفكرة محفوظة لصاحبها.
نقلا عن المصرى اليوم