سليمان شفيق
وتمضى الكنيسة فى مسيرتها الديمقراطية والروحية، وتستمر الخلافات وبعد نياحة البابا كيرلس الخامس صار الأنبا يؤنس قائم مقام بطريرك، وبعد أن أصدر الملك فؤاد ملك مصر قرارا بتعيين الأنبا يؤنس مطران البحيرة والمنوفية وكيل الكرازة المرقسية القبطية الأرثوذكسية تم تجليس البابا يؤنس التاسع عشر فى 7 ديسمبر سنة 1928 طبقا لانتخابات التى أجريت فى ذلك الوقت، وشكك فيها كثيرون ورفعت 8 قضايا من العلمانيين ضده حتى تنيح فى1942 .
من يؤنس إلى مكاريوس الثالث.. ويستمر الخلاف:
تبوأ الكرسى البابوى مطران أسيوط الأنبا مكاريوس (الراهب عبدالمسيح من دير الأنبا بيشوى)، ولعب الأنبا مكاريوس أدوارا وطنية وحداثية كبرى ذلك أنه عقد مؤتمرا قبطيا عظيما فى مدينة أسيوط سنة 1910 رغم الاعتراضات التى قامت فى سبيله ولم يكتف بذلك بل قدم للبابا كيرلس الخامس فى أول سنة 1920. رسالة عن المطالب الإصلاحية الملية بالاشتراك مع زميله الأنبا ثاوفيلس أسقف منفلوط وأبنوب وقتئذ مما دل على عظم كفاءته ورغبته فى إعلاء كلمة الحق.
ولما تنيَّح البابا كيرلس الخامس فى سنة 1928 ، رشحه الشعب للكرسى البطريركى لتحقيق مطالب الإصلاح ولكن حالت الظروف وقتئذ دون تحقيق ذلك ولما تنيَّح البابا يؤنس التاسع عشر سمحت العناية الإلهية أن يتبوأ الأنبا مكاريوس العرش المرقسى ورسم بطريركا على الكرازة المرقسية فى يوم الأحد 13 فبراير سنة 1944.
وبعد أن تبوأ كرسى البطريركية أصدر فى 22 فبراير سنة 1944 . وثيقة تاريخية غرضها الأساسى إصلاح الأديرة وترقية رهبانها علميا وروحيا وأمر بمحاسبة نظارها ورؤسائها وقد أدى هذا الأمر إلى انقسام كبير بين المجمع المقدس والمجلس الملى العام،وفى 7 يونية سنة 1944 ، قدم المجمع المقدس مذكرة إلى البابا البطريرك وإلى وزير العدل بالاعتراض على مشروع الأحوال الشخصية للطوائف غير الإسلامية لأنه يهدم قانونا من قوانين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كما أنه يمس سرين من أسرارها المقدسة وهما سر الزواج وسر الكهنوت وهما من أركان الدين والعبادة.
وقد استمر النزاع وتعذر التوفيق بين المجمع والمجلس وفشلت المحاولات التى قام بها البابا لإزالة سوء التفاهم وأصر المجلس على تدخله فى غير اختصاصه. بل فيما هو من صميم اختصاص المجمع المقدس. حتى اضطر البابا إلى هجر العاصمة مقر كرسيه والاعتكاف فى حلوان ثم الالتجاء إلى الأديرة الشرقية بصحبة الآباء المطارنة وبعد أن استقر فى دير أنطونيوس قصد دير أنبا بولا وقد كان لهذه الحوادث المؤلمة ضجة كبيرة فى جميع الأوساط واهتز لها كل غيور على الكنيسة.
ولما علم رئيس الوزراء بهجرة البابا إلى الدير عمل على عودته مكرما إلى كرسيه فكلل عمله بالنجاح ورفع المجلس الملى إلى البابا كتابا يلتمس فيه عودته حتى يتسنى تصريف شؤون الكنيسة والتضافر على السير فى طريق الإصلاح المنشود وبعد ذلك عاد البابا من الدير فاستقبله الشعب استقبالا حافلا.
وانعقد المجمع المقدس برئاسته وأصدر فى أول يناير سنة 1945، واتخذ بعض القرارات منها:
تمثيل كنيسة أثيوبيا فى المجمع الإسكندرى - تبادل البعثات بين مصر وأثيوبيا وإنشاء معهد إكليريكى بأثيوبيا - قصر الطلاق على علة الزنا - وضع قانون للأحوال الشخصية - جعل لائحة ترشيح وانتخاب البطريرك متفقة مع القوانين الكنسية وتقاليدها - إنشاء كلية لاهوتية للرهبان - تشكيل لجنة دائمة لفحص الكتب الدينية والطقسية - المحافظة على مال الوقف وحسن سير العمل بالديوان البطريركى - تنفيذ قانون الرهبنة الصادر فى 3 يونية سنة 1937 بكل دقة، واستدعاء الرهبان المقيمين خارج أديرتهم - إنشاء سجل فى كل كنيسة يقيد فيه أفراد كل عائلة قبطية، وآخر يقيد فيه أسماء المعمدين والمرتقين إلى رتبة الشماسية والمنتقلين.وفى يوم 6 يونية سنة 1945.
حل فى القاهرة بطريرك روسيا فأوفد البابا مكاريوس وفدا من الآباء المطارنة لاستقباله ثم تبادلا الزيارات الودية.
وبعد ذلك اشتد الخلاف بين قداسة البابا والمجلس الملى العام مرة أخرى ولم يحل هذا الخلاف دون تولى البابا أمر الدفاع عن كيان أمته وقوانين الكنيسة خصوصا قانون الأحوال الشخصية للطوائف غير الإسلامية. فرفع رؤساء الطوائف غير الإسلامية بالقطر المصرى وعلى رأسهم بطريرك الأقباط الأرثوذكس بتاريخ 30 مايو سنة 1945.. مذكرة إلى وزارة العدل بالاعتراض على القانون الخاص بتنظيم المحاكم الطائفية للأحوال الشخصية وأخرى إلى مجلس الشيوخ والنواب فى 25 يونية سنة 1945.. تحوى الاعتراضات التى يجب الالتفات إليها حتى يصبح موافقا لأحوالهم وتقاليد عائلاتهم.
وكان البابا يشكو ضعفا شديدا ألم به فى الأسبوعين الأخيرين من حياته اضطره لأن يلازم قصره معتكفا وتوفى 31 أغسطس سنة1945 .