عادل نعمان
عن مقالاتك حول تحرير العقول فى «المصرى اليوم»، دعنا أولا نُزِل خط الرعب الوهمى الذى يحاصر ويحبس عقولنا، وبعدها نخط بالقلم أول نقطة هندسية لبناءات الحرية، فلا حرية تذكر فى ظل هذا الهلع والذعر والرعب والفزع من سوء المنقلب والمصير إذا خرجنا عن صراط المشايخ وحكايات الرواة وأحجبة الدجالين، أو أعملنا العقل لنفرز ونتفحص ونتجنب، أو أنكرنا أو استبشعنا أحكاما، أو استهجنا رواية تخالف فطرتنا وضمائرنا سجلوها لحسابهم، وتحتاج إلى المراجعة وإعادة الضبط أو حتى النسخ والحذف، من أول خطوة نخطوها فى الحياة، حتى الأخيرة قبل المغادرة. موت الفكر يا سيدى زحف سنوات وسنوات على جانب واحد بين سطور ومدقات ودروب الخرافات وخبل الأساطير، وحكايات أمنا الغولة، التى كممت الأفواه، وقمعت الحريات، وحجبت الحقيقة عن العقول، وحرمتها متعة التفكير والفرز والاختيار، وحاصرتها فى مرويات وحكايات وطرائف وأعاجيب الرواة والقصاصين والحكائين ما أنزل الله بها من سلطان، لم ينج منها أحد حتى الآن، واستسلم لها العامة والخاصة، وتوافقت مع الأمزجة النفسية لمرضى التاريخ وأسرى علل السلف والتلف، فوجدوا فيها الملجأ والملاذ والمهرب، وواحة للكسل والتنبلة، وهروبا من العمل ومتاعب العلم، وجد البحث والتقصى، ورفعوا لها الرايات البيضاء خوفا وطمعا،
فما تركه السلف على مصاطب الانتظار، وساحات الغنائم، وزنازين الجلد والسلخ والشى، قد كان ومازال قيدا على حرية المسلم، وحاجزا ومانعا وحائلا عن التدبر والتفكر، هذا المسلم الذى عطل عقله وفكره وخاف وارتعب استسلم فى نهاية المطاف، ورضى وقنع واستجاب لتركها فى رقبة عالم ربما يكون جاهلا فلا غنم ولا كسب،أرأيت سجنا أكبر من هذا السجن، وقيدا مؤلما وداميا أمضى من هذا القيد؟ هل تشعر بالتفسخ والصراع الداخلى عند المسلم، بين فطرة سوية وتراث بغى بين سطوره، بين قيم تتطور وترتقى وأخرى ثابتة على جهلها وعنفها وبدائيتها وصحراويتها كمن يطارد ذئبا فى البرارى حتى الآن. وما رأيك فيما قاله مشايخهم حول «الفكر» يقول شيخ الوهابية «إن الكفر والفكر كلاهما واحد، فحروفهما واحدة» أليس هذا بعجيب؟ أمة بلا فكر، من يقودها إلا السماعون والدجالون والحواة والجهلاء؟ أسمعت عن هذا من قبل حين يقول شيخ الإسلام بن تيمية «من تمنطق فقد تزندق» أمة بلا منطق من يدبر أمرها إلا الوضاعون والمنافقون والكذابون؟ أما الرعب الأكبر فهو تحريض العوام والدهماء على خلق الله، سيف البسطاء والجهلاء مرفوع على رقاب العباد ليل نهار، هنا حديث ضعيف موضوع عن النبى، عن تغيير المنكر باليد، أى يد، جاهل أو عالم، طيب أو شقى أو بلطجى، فالأمر جاء على العموم وليس الخصوص «من رأى منكم»، وهو تكليف للجميع أن يكون الإصلاح والتقويم بأيديهم، دون إذن الحاكم أو حكم قضائى، أو بيد الدولة وسلطانها، هذا كسر لشوكة القانون، ورد لهيبة الدولة، وطغيان لأحقاد الحاقدين، وعدوى لأمراض النفوس، وهيمنة لأصحاب الغل والحسد، فيرفع هؤلاء سيف الأمر بالمعروف فى وجوه الخصوم والمخالفين فى الرأى والمعارضين للمذهب، وتطول بالطبع أصحاب الأديان الأخرى، فتعم الفوضى، وتتغلب الأحقاد، ويميل الميزان إلى القوة الغاشمة الباطلة، حتى جاءنا علامة من الأزهر فى يوم أغبر هو الشيخ الغزالى، ليشهد عن مقتل المفكر الكبير فرج فودة، ويجيز للفرد العادى إقامة الحدود بنفسه، يقتل ويصلب ويقطع ويجلد ويبتر ويحرق ويشوى إذا امتنع الحاكم أو حال دون تنفيذها، ولم تكن جريمة القاتل سوى افتئاته على السلطة، عشنا حتى الآن أسرى هذه الفوضى، خفنا وارتعبنا وبتنا ليالينا بلا نوم، ننتظر إما إشراقة الصباح أو نهاية العمر على يد بلطجى أو حاقد، هل هذا الجو الخانق المرعب المخيف بيئة صالحة لتحرير العقول؟ إنها ياسيدى بيئة حاجبة مانعة للتفكير داعمة للقهر والجبر والكبت.
لو كنا ياسيدى كالدواب لهان علينا الأمر، وبرطعنا ما شئنا ونجونا فى الدنيا والآخرة، إلا أن الله قد خلق لنا عقولا نعقل بها، وضمائر نراجع ونتراجع بها، ومأمورون أن نفكر ونتدبر وأن نرحم ونتراحم، دون العقل يسقط التكليف والرشد والعبادة، وهؤلاء هم المعفيون والفائزون والناجون من الحساب، والحساب على الاختيار والاصطفاء والتمييز، العقل وسيلتنا، والحرية أدواته، يسقط التكليف والحساب ياسيدى عن العبد المجبر المكره المقهور كما يبطل زواج وطلاق المكره، لا حساب ولا عقاب دون حرية الاختيار، وأحد أدوات القهر هو تراثنا المخيف، أما عن ضمائرنا فلم تكن أسعد حالا من عقولنا، صدئت كما صدئت عقولنا بل أضل، حرية العقول تبدأ من الثورة على الظالم، أى ظالم كان. تحياتى عزيزى نيوتن
نقلا عن المصرى اليوم