بقلم : فيفيان فايز

جرت آخر إنتخابات برلمانية قبل الثورة يوم الأحد 28 نوفمبر من العام الماضى، أى منذ عام واحد بالتمام والكمال من أول إنتخابات برلمانية بعد الثورة. فى المرتين ذهبت للإدلاء بصوتى. سجلت خواطرى بعد إنتخابات العام الماضى وأعرضها فيما يلى دون زيادة أو نقصان:

"بدأت رحلتى مع الانتخابات قبلها بيومين حيث اكتشفت أننى قد فقدت بطاقتى الانتخابية. استخرجت بدل فاقد. استنكر المقربون بشدة ذهابى بمفردى الى قسم الشرطة لاستخراج البطاقة. يا للهول! هل نحن فى القرن الحادى والعشرين؟

صباح يوم الانتخابات قررت أن أذهب فى الصباح الباكر؛ فهذا ما أفعله دائماّ عند التعامل مع الجهات الحكومية والبنوك تحاشياّ للزحام والطوابير؛ أضف الى ذلك أننى لدى قناعة بأن البلطجية والفتوات لا يستيقظون فى الصباح الباكر وأنا لا أريد أن أصاب برصاصة أو طوبة طائشة فلدى طفلين صغيرين يحتاجين الى ولن ينتفعا شيئاّ اذا أصبحت امهما "شهيدة الانتخاب".

تركت منزلى فى الثامنة والربع. الشوارع شبه خالية من المارة وهناك سيولة فى المرور على غير العادة فى مثل هذا الوقت من صباح أيام الآحاد. وصلت الى المقر الانتخابى. هناك صبى على باب المدرسة يوزع دعاية انتخابية لاحدى مرشحات الكوتة. قرأت الورقة وساورنى احساس أنه لاحدى مرشحات "المحظورة". ليس هناك من يتعرض للصبى (مما يثبت صحة نظريتى). الكل يعاملنى بمنتهى اللطف والأدب والذوق. كشف أحد الموظفين على اسمى على الكمبيوتر وأخبرنى برقم اللجنة. اصطحبنى أحد الموظفين الى باب اللجنة بنفسه. كان جميع من فى اللجنة يتناول افطاراّ بدا أنه فاخراّ.
"اتفضلى يا أستاذة"
"شكراّ بالهناء والشفاء"

قمت بالادلاء بصوتى خلف الستارة وألقيت بالورقتين فى الصندوقين الشفافين وغادرت. عدت وقد غمرنى احساس عميق بالفخر والاعتزاز بنفسى لقيامى بواجبى كمواطنة صالحة.

قابلت بعضاّ من الأقارب والأصدقاء وحادثت الكثير منهم تليفونياّ. كان سؤال الساعة هو "هل انتخبت؟" فى نهاية ذلك اليوم كانت الحصيلة واحدصفر. كنت الوحيدة التى ذهبت للادلاء بصوتها. هل أنا الوحيدة الوطنية أم الوحيدة الساذجة؟ لست أدرى. أصابتنى رصاصات وطوب السخرية. قال أحدهم وهورجل أعمال حين سألته اذا كان قد ذهب للانتخاب "لا حصلت ولا ها تحصل!" الشعور بالاختلاف غير مريح. قمت بعمل عادى جداّ فأصبت به ،فماذا عن السيدة هدى شعراوى أو روزاليوسف أو مارى كوينى أو غيرهن ممن قمن بأعمال كانت فعلاّ مختلفة عن غيرهن من النساء فى عصرهن.

لم ينجح من اخترت فى الانتخابات بل نجح النائب عن دائرتى فى البرلمان طيلة ما يزيد عن عشرين عاماّ ماضية والآن سوف ينوب عننا لمدة خمس سنين قادمة. لا أعلم اذا كانت مرات الترشح للمجالس النيابية فى الخارج تحدد بعدد معين من المرات مثل فترات الرئاسة.

انتهت العملية الانتخابية فى دائرتى. أخرجت البطاقة الانتخابية من حقيبة يدى لأضعها فى مكان أمين حتى يحين موعد الانتخابات القادمة.
" ما هذا المكتوب على ظهرها؟"
يعاقب وفقاّ لأحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 بشأن تنظيم مباشرة الحقوق السياسية بالغرامة لمن يتخلف عن ابداء الرأى فى الانتخابات أو الاستفتاء (مادة 40 ).

لم أتمالك نفسى من الضحك."

إنتهت خواطرى عن يوم إنتخابات العام الماضى. الفرق كبير بل وشاسع ولا يحتاج الى تعليق. ولكننى أشعر أن الصورة الأولى وحدها تكفى للرد على المتشائمين القائلين بأننا لم نحقق شيئا وأن الإنتخابات الحالية كانت هزلية. ألا يرى هؤلاء الفارق؟ ألا يرون الفارق فى المشاركة والفارق فى الإصرار والفارق فى حرية الدعاية فى الإعلام والفارق فى إختلاف الوجوه؟ إن النائب السابق الذى ظل جاثما على أنفاسنا لما يزيد عن عشرين عاما هو الأن خلف القضبان.

نعم، هناك تجاوزات . نعم، هناك تزوير. نعم، سوف تأتى نتائج الإنتخابات الحالية بما لا يشتهى الكثير من الناخبين الحقيقيين الذين صوتوا عن وعى وإدراك وفهم.

أيا كانت نتيجة الإنتخابات الحالية فهى ليست النهاية. إنها مجرد البداية. ولا يسعنى إلا أن أذكر وأحييى شباب مصر بل وكل شاب وشابة ورجل وسيدة وطفل وطفلة ممن فقدوا حياتهم أثناء عملية التغيير.