بقلم/ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الآرثوذكسية يوم 23 أبيب من الشهر القبطي الموافق 30 يوليو من الشهر الميلادي بعيد استشهاد القديسة مارينا ؛ علما بان لها عيد آخر يوم 23 هاتور الموافق 2 ديسمبر وهو عيد تكريس كنيستها بمدينة انطاكية .
ولقد أحتلت الشهيدة القديسة مارينا مكانة هامة ومتميزة في قلوب الأقباط حتي أننا لو تتبعنا أسماء البنات التي تسمت علي أسم مارينا في السنوات الأخيرة ؛لتبين لنا الأعداد الكبيرة من العائلات التي أختارت لبناتها هذا الأسم .
ويرجع هذا إلي التأثير الكبير الذي تركته سيرة الشهيدة القديسة مارينا في قلوب الأقباط . أما عن سيرة الشهيدة مارينا ؛فلقد ولدت في مدينة انطاكية بيسيدية في وسط آسيا الصغري في حدود بيسيدية "وهي ما تقابل بلاد تركيا حاليا وهي قطعا غير انطاكية العظمي "بلاد سوريا حاليا " لأبوين وثنيين ؛ ولكنها تعرفت علي الديانة المسيحية من خلال مربية فاضلة كانت تتولي تربيتها خلال مرحلة الطفولة ؛ لقنتها خلالها العديد من الفضائل المسيحية ؛وعندما بلغت الخامسة العشر من العمر توفي والديها ؛ففضلت الشابة مارينا البقاء مع المربية التي تولتها بالمحبة والرعاية ؛ولقد تأثرت القديسة مارينا بروايات القديسين وسير الشهداء التي كانت تقصها عليها المربية مما دفعها إلي إعتناق الإيمان المسيحي ؛ وحدث بعدها أن جاء إلي المدينة والي جديد كان يكره المسيحين جدا ؛وعندما شاهد مارينا بهر جدا بجمالها وأراد أن يتخذها زوجة له ؛ وعندما علم أنها مسيحية استشاط غضبا ؛وأمر الجنود بإحضارها أمامه ؛وحاول أغراءها بالمال للرجوع عن الديانة المسيحية ؛ وعندما رأي اصرارها الشديد وتمسكها بالإيمان المسيحي ؛أمر بتعذيبها وضربها بالسياط علي ظهرها حتي تمزق جسدها وسال دمها علي الأرض ؛ ثم أمر بتمشيط جسدها بالأمشاط الحديدية ؛وفي كل ذلك كان الشعب يصرخ من حولها حاثا أياها أن ترحم جمالها وشبابها وتبخر للأوثان ؛وعندما رأي الوالي ثباتها وأصرارها أمر بطرحها في سجن مظلم ؛وفي أثناء الليل ظهر لها رئيس الملائكة ميخائيل وشفاها من جراحها ؛وفي الصباح عندما حضرت أمام الوالي فوجيء بعدم وجود أي آثر للجراحات والعذابات فأمر أن ينشر جسدها بمنشار حديد ووضعها في السجن ؛وداخل السجن حاولت الشياطين إفزاعها بكل الطرق ؛ولكنها في كل مرة كانت تستعين بأسم الرب إلهها فكانت تفزع منها الشياطين وتهرب .
وفي الصباح حضرت القديسة مارينا أمام الوالي مرة أخري ؛ فأمر بإحضار أناء كبير به ماء مغلي و أن يربطوا يديها ورجليها ويغرقوها فيه ؛فنظرت القديسة إلي السماء وطلبت من الله أن يجعل لها من هذا الماء المغلي معمودية مقدسة ؛ فشاهد الجميع حمامة نزلت من السماء وحلت قيود القديسة ؛وعند ذلك غطست في الماء ثلاث مرات ؛وخرجت منه وهي تسبح الله الذي منحها المعمودية المقدسة ؛وفي تلك الساعة أمن كثيرون بالمسيحية ونالوا أكليل الاستشهاد ؛ فأستشاط الوالي غضبا ؛وأمر بقطع رأسها حتي يتخلص منها نهائيا ؛ فأخذها السياف إلي خارج المدينة ؛ فطلبت منه أن يمنحها ساعة واحدة لكي تصلي لإلهها قبل أن يقوم بقطع رأسها ؛وأثناء الصلاة ظهر لها السيد المسيح مع جمع من الملائكة ؛ وقال لها "كل من يتشفع بجسدك أو عضو من أعضائك من النساء العواقر بأمانة صحيحة فأنهن يحبلن ويلدن الأولاد . كذلك من تشفعت بك وهي في مخاض الطلق فإنها تخلص بسرعة " . وعندما شاهد السياف هذا المنظر أمن هو أيضا بالمسيحية ؛ وبعد ذلك طلبت القديسة مارينا من السياف أن يقوم بقطع رأسها سريعا ؛فرد عليها" لست فاعلا شيئا من ذلك ولا يمكن أن أقتل إنسانة مسيحية" ؛ فـأجابته الشهيدة بشجاعة نادرة "إن أنت لم تصنع ما أمرت به فليس لك معي نصيب في ملكوت السموات " عند ذلك تقدم السياف وهومتردد وصلي للرب قائلا " يارب لا تثبت علي هذه الخطيئة " فقطع رأس الشهيدة وبذلك نالت أكليل الشهادة وتعيد الكنيسة بتذكار استشهادها في 23 أبيب الموافق 30 يولية .
أما قصة وصول كفها الطاهر إلي كنيسة السيدة العذراء المغيثة بحارة الروم فهي كما وردت في المخطوطة رقم 95 لاهوت مسلسل 2 لاهوت والمحفوظة بكنيسة السيدة العذراء بحارة الروم . والقصة بإختصار شديد أن أحد الجنود اثناء حصار العدو للمدينة ؛ وجد الكف في أحد الأديرة بجبل الكرمل ببلاد فلسطين ؛ وكان مغطي بالفضة ؛فباعه لأحد تجار المعادن الثمينة وكان مصري الجنسية سافر إلي بلاد فلسطين خصيصا لشراء بعض الفضة . وعاد بها إلي مصر وكان ذلك في عام 1013 للشهداء أي ما يعادل 1297 للميلاد في عهد البابا ثيؤدوسيوس الثاني البطريرك ال 79 في أيام خلافة الناصر محمد بن المنصور بن قلاوون . وعندما عاد بالفضة إلي مصر وضعها في منزله حتي يتسني له بيعها ؛وحدث أنه مرض مرضا شديدا جدا وأوشك علي الوفاة ؛ وذات ليلة وبينما كان يزوره أحد الأصدقاء شاهد الكنز الفضة فطلب منه أن يفتحه ؛ وعندما فتحه وجد أسما مكتوبا بالحروف اليونانية تحت الفضة ؛فقال له يا أخي الحبيب أن هذه الفضة بداخلها عضو من أعضاء القديسين ؛ وأعضاء القديسين لا يليق بها أن تحفظ في البيوت بل يجب أن تودع في أحدي الكنائس .وذكر له أن المرض الذي أصابه بسبب وجود هذا الكف في منزله ؛وذكر له أنه بمجرد إيداع هذا العضو المقدس في الكنيسة سوف يبرأ من مرضه . فلما سمع التاجر هذا القول نذر علي نفسه أنه أن عوفي من مرضه فسوف يهدي هذا العضو إلي كنيسة الملاك ميخائيل بالفهادين (وهي اليوم حارة الجوانية عند باب النصر شمال القاهرة الفاطمية ؛ولقد أندثرت هذه الكنيسة حاليا ) وللوقت أحس التاجر بتحسن كبير وأسترد صحته وعافيته . وعندما أندثرت هذه الكنيسة تم نقل الكف والساعد الأيمن للقديسة الشهيدة مارينا إلي أقرب كنيسة لها وهي كنيسة العذراء المغيثة بحارة الروم . ومازال الكف والساعد الأيمن محفوظا في هذه الكنيسة حتي الآن . وهو يعرض علي جميع الشعب في مناسبتين ؛
المناسبة الأولي هي 23 أبيب الموافق 30 يوليو عيد استشهادها ؛ أما المناسبة الثانية فهي 23 هاتور الموافق 2 ديسمبر عيد تكريس أول كنيسة علي أسمها في مدينة أنطاكية وتستمر الأحتفالات لمدة أسبوع تقريبا . ويتم في هاتين المناسبتين صب الحنوط والأطياب علي الكف مع بعض الألحان والتماجيد المناسبة باللغات القبطية والعربية ؛ويحضرها الألوف من الشعب مسلمين وأقباطا ؛بل من جميع أنحاء أوربا وأمريكا خصوصا النساء العواقر للتبرك من الكف ؛ ويتشفع بها الجميع معتقدين في قوة صلواتها للبركة والشفاء . أما عن كنيسة السيدة العذراء حارة الروم المحفوظ بها الكف والساعد الأيمن . فهي كنيسة أثرية ترجع للقرن السادس الميلادي تقريبا كما كانت مقرا للكرسي البابوي خلال الفترة من عصر البابا متاؤس الرابع البطريرك ال 102 (1660- 1675 م) حتي عصر البابا مرقس الثامن البطريرك ال 108 ( 1797- 1810م )ولقد كتب العلامة المقريزي عن هذه الكنيسة فقال عنها " كنيسة تعرف بالمغيثة بحارة الروم علي أسم "السيدة مريم" وليس لليعاقبة بالقاهرة سوي هاتين الكنيستين "( تاريخ الأقباط للعلامة المقريزي ؛تحقيق عبد المجيد دياب ؛دار الفضيلة ؛ص193 ) أما الرحالة فانسليب ( 1635-1679 ) فقال عنها " في حارة الروم أي شارع اليونانيين ؛كنيسة السيدة العذراء ؛وهي مخصصة لسكن البطاركة " ( تقرير الحالة الحاضرة ؛ترجمة وديع عوض ؛المشروع القومي للترجمة ؛الكتاب رقم 1005 ؛ص 152 ) وقال عنها علي مبارك في موسوعته الشهيرة "الخطط التوفيقية " " كنيسة الروم وهي داخل عطفة البطريق بحارة الروم " ( الخطط التوفيقية الجديدة ؛ مكتبة الأسرة 2008 ؛الجزء السادس ؛ 208 ) كما قدم لها العالم الانجليزي ألفريد بتلر شرحا تفصيليا في كتابه الشهير "الكنائس القبطية القديمة في مصر " (ترجمة إبراهيم سلامة إبراهيم ؛مراجعة وتقديم نيافة الأنبا غريغوريوس ؛سلسلة الألف كتاب الثاني ؛الكتاب رقم 130 ؛الصفحات من 234 – 238 ) كذلك كان لكنيسة السيدة العذراء حارة الروم دورا كبيرا في الكفاح الوطني ؛فأثناء الحربين العالميتين الأولي والثانية لجأ سكان حي الغورية (أقباطا ومسلمين ) إلي فناء الكنيسة لكي يحتموا فيها من الغارات الجوية ؛وعندما أغلقت سلطات الاحتلال البريطاني أبواب الأزهر الشريف في وجه الثوار ؛دعا كاهن الكنيسة وقتها ويدعي " القمص بولس غبريال " شيوخ الأزهر وقادة الحركة الوطنية ففتح لهم الكنيسة لتكون مكان لإجتماعهم ؛
ولطالما عقدت فيها الإجتماعات الوطنية التي توحدت فيها كلمة المصريين جميعا علي مقاومة الاحتلال البريطاني ؛ ولقد ارتبط القمص بولس غبريال بصداقة حميمية مع شيخ الأزهر وقتها ؛حتي أن فضيلة شيخ الأزهر سمي وليدته الجديدة "كوكب "علي أسم أبنة "القمص بولس غبريال " ؛وتمر الأيام وتصبح "كوكب" أبنة شيخ الأزهر زوجة لفضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف الأسبق . ثم توفي القمص بولس غبريال في عام 1943 ؛وجاء بعده أبنه "القمص غبريال بولس غبرياال (1921 – 1976 ) ليرث عنه حب الكفاح الوطني ؛فعندما كان الرئيس الراحل محمد أنور السادات هاربا من سلطات الاحتلال البريطاني ؛قام القمص غبريال بإستضافة الرئيس الراحل داخل الكنيسة لحمايته من مطاردة سلطات الاحتلال له ؛ وتمر الأيام وعندما يصير الرئيس السادات رئيسا للجمهورية ؛يذهب وفد من الكنيسة القبطية الآرثوذكسية لتهنئة الرئيس بقيادة قداسة البابا كيرلس السادس البطريرك الراحل ؛ وعندما أبصر الرئيس السادات القمص غبريال بولس ضمن الوفد القبطي تعانقا عناقا حارا طويلا متذكرين الأيام الماضية . كماكانت كنيسة العذراء حارة الروم أول من قامت بتهنئة قادة ثورة يوليو 1952 ؛فدعا القمص غبرياال بولس قادة الثورة لحضور احتفال حفل عيد النيروز في 11 سبتمبر 1952 بالكنيسة وحضر الجميع الاحتفال وعلي رأسهم اللواء محمد نجيب والرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات .