بقلم : فرانسوا باسيلي
عندما تمتطي حصان الإيمان..وترفع راية العقيدة..وتلوح بسيف التكفير (الليبرالية والعلمانية كفر) فتحقق النصر في "غزوة الصناديق".. إذن أنت في أزهي عصور الدينوقراطية .. وليس الديمقراطية.
الديمقراطية تمنع خلط الدين بالسياسة وتمنع الاحزاب الدينية - والدستور المصري نفسه يمنع ذلك - ولكن في مصر سمح المجلس العسكري بتأسيس أحزاب دينية للاخوان والسلفيين خرقا للدستور، إذن أنت أخذت من الديمقراطية الصناديق فقط ولم تأخذ بقية المنظومة اللازمة للديمقرطية فهنا نحن أمام ديموقراطية عرجاء . .أو علي الأصح دينوقراطية.


قال: الاسلام هو الحل. قلت: البوذية هي الحل. قال معترضا: ولكن لا أحد في مصر أو أي بلد عربي يؤمن بالبوذية ولا حتي يعرف مبادئها! قلت: هذا أفضل جدا، بهذا نبدأ متساويين لنضع سويا قانوننا الانساني المدني الذي يطبق علينا جميعا، وليؤمن كل منا بعد هذا بما يشاء.
هل عرف أحد أي شيء عن برامج كل حزب في الانتخابات المصرية؟ واضح أن هذا لم يكن موجودا ، الإختيار إذن كان علي أساس أنا مع التيار الديني أو ضد التيار الديني (والكثيرون تصوروا أن السؤال هو أنا مع الدين أم اللادين)، وهذا ليس إختيارا سياسيا، ولذلك كان أكبر خطأ قام به المجلس العسكري هو السماح بقيام أحزاب علي أسس دينية رغم أن الدستور المصري يحظر هذا.


غزوة الصناديق مدفوعة من السعودية مالا ورجالا....نموذجا ومثالا...فتوقعوا المزيد من أعلام السعودية ترفع في مصر كما رفعها السلفيون في مظاهراتهم في القاهرة وقنا وغيرها دون كلمة عتاب واحدة من المجلس العسكري المنوط به رفع العلم المصري فوق تراب الوطن.
الكاتب الأستاذ محمد عبد الحكم دياب يقول في القدس العربي: ما يزيد القلق من تقدم السلفيين هو أن هناك من يرى أنهم رصيد للتشدد السعودي والنفوذ القطري والإماراتي والكويتي والباكستاني، وعنوان للتشدد الطائفي والمذهبي (الوهابي تحديدا)، وأثبتوا قوتهم حين نجحوا في الضغط على الإخوان لرفض الدولة المدنية، واستجاب الإخوان فتخلوا عن دعوتهم السابقة إليها، وكانوا قد أقروها في وثائق وقعوها مع القوى السياسية الأخرى.


لم يكن معقولاً تصور أن في بلد تصل فيه الأمية إلي 40%, والإنشغال بالتدين - وليس التدين الحق - يشمل 99% من الناس أن لا يكون أكثر الناجحين هو التيار الديني، الاخوان لهم تاريخ تنظيمي عمره ثمانين عاما بينما أقوى منافسيهم - المصريين الاحرار - عمره أربعة أشهر، لم أكن اتوقع أن يفوز التيار الليبرالي الذي أفضله ولكن مع ذلك كنت ومازلت مؤمنا بضرورة الديمقراطية ويقيني أن المستقبل سيكون لمصر المدنية العصرية فغير هذا هو ضد حركة التاريخ و لن يدوم.
سؤال لحزب النور: كم رشحت من الأقباط بين مرشحيك؟؟ إذا لم ترشح أقباطا فأنت إذن حزب ديني وهذا مخالف للدستور.


لا يخيفني أن يتواجد الاخوان بقوة في مجلس الشعب، الآن عليهم مسؤلية الانجاز، فإذا اندفعوا وراء عاطفتهم التي تركز علي ما تلبس المرأة وما يكتب المبدع ومسابقات الجمال وما يشرب الناس أو ما يأكلون (الهوس بالجنس أو إسلامية..إسلامية..) فلن يحققوا شيئا لمصر وستتفاقم مشاكل الناس وسيلفظهم الناخبون في الدورة التالية.
الاخوان و السلفيون كانوا في سيطرة تامة علي الشارع المصري في الثلاثين سنة الماضية - تحجيب وتنقيب نساء مصر نموذجا - بسبب فشل وفساد نظام الرئيس المخلوع مبارك، فلن يخسر المصريون الليبراليون إجتماعيا من نتيجة الإنتخابات أكثر مما خسروا فعلا، وكان ما يساعد التيار الاسلامي وقوفهم في موقع المعارض المظلوم من الحاكم الظالم الفاشل، ولكن حين يكونون هم الفاعل الأكبر في السياسة والحكم لابد إما أن يقفزوا بمصر إلي الأمام إقتصاديا واجتماعيا وحضاريا أو يخسروا الجولة القادمة وإذا حاولوا الخروج علي الديمقراطية سيخرج الشباب ضدهم كما خرجوا ضد الرئيس المخلوع وعندها تتحرر مصر نهائياً من التسلط الديني.

قبل أشهر من إغتياله قال فرج فوده أو بما معناه ... عندما يحكم الإسلاميون سينكشفون أمام المخدوعين بهم و سيخرجون يطالبونهم بدولة مدنية ... خلي الشعوب تتجرع كأس الإستبداد الإسلامي لفتره و بعدها ستتعلم .... و إن كانوا يتعلمون ببطئ شديد.
الأسلوب الذي مارس به المصريون حقهم الإنتخابي هو دليل آخر علي مدي تحضر هذا الشعب العظيم الذي يعود إلي سابق مجده مع أول بادرة للديمقراطية..فلنشكر ثوار التحرير الذين وفرت شجاعتهم وتضحياتهم في 25 يناير وإلي اليوم هذا الحدث التاريخي.
التشدد الديني ليس فقط يقسم مصر دينيا ولكن أيضاً يعوق تقدمها..كانت مصر أقوى كثيرا داخلياً وخارجياً في الخمسينات والستينات في العهد الناصري عندما كان مشروعها الأساسي وطنيا قوميا وليس دينيا، وهذا أيضاً هو سبب تقدم الغرب منذ عصر النهضة.


أنا أفكر - وأعبر عن أفكاري بحرية في مجتمعي - إذن أنا موجود. الدولة الدينية لا تسمح بحرية الفكر فلا فكر يعلو علي النص المقدس كما يفسره الحاكم- الداعية، ولهذا ينحسر الفكر والابداع والفن والحريات عامة، ويتقزم الانسان نفسه ويصبح عبدا لله وللحاكم- الداعية في نفس الوقت، فتصغر وتهون وتهان نفس الانسان ويضمر قامة وإبداعا وإنتاجا، فيتراجع المجتمع حضاريا إلي أن يخرج من التاريخ.
الدولة المدنية تخرج المتسلطين بإسم الدين من الساحة السياسية وتقدم لجميع المواطنين دولة ومجتمعاً حراً حديثا غير مكبل بأثقال الماضي يتمتع فيه الكل بثمار المواطنة في مساواة دون تفتيش في عقائد الناس وضمائرهم، هم أحرار فيما يعتقدون ويفكرون ويفعلون بلا حسيب يأمرهم أو ينهاهم سوى القانون الذي اختاروه معاً في حرية ومساواه، لهذا نجحت الدولة المدنية في القفز بمجتمعاتها قفزات حضارية هائلة تحسدها عليها أنماط الدول الدينية والتسلطية القليلة الباقية في العالم اليوم.


مصر إذن أمام خيار مصيري بعد ثورة 25 يناير سيحدد مستقبلها بقية هذا القرن.