الأقباط متحدون | وبالثوار إحسانا
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٤:٠٤ | السبت ٣ ديسمبر ٢٠١١ | ٢٢ هاتور ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٩٧ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

وبالثوار إحسانا

السبت ٣ ديسمبر ٢٠١١ - ٥٣: ٠١ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: أحمد صبح
لقد كان العالم العربي في حالة غليان ينتظر اللحظة الحاسمة، لكن الدروس علمتنا أن الحرائق الكبيرة بحاجة إلى عنصر أساسي، عنصر الحافز الثوري "الذي يكون في الحالات الطبيعية عود ثقاب صغير أو بقايا لفافة تبغ أو ماس كهربائي أو زجاجة ملقاة تجمع شعاع الشمس في بؤرة بجانب قش يابس يشتعل فتشتعل الغابة كلها".

لذلك، فإن الطاقة العربية لم تكن معطَّلة، بل كانت كامنة وموجودة في كل المجتمعات الإنسانية قبل احتراقها، وظلت متعايشة مع العديد من التناقضات في الجسد العربي لعشرات السنين، ولكن بتأثير الحافز الثوري (حافز عود الثقاب مثله مثل الشهداء محمد البوعزيزي وخالد سعيد) انطلقت طاقتها البركانية الهائلة لتؤكِّد أن النفس العربية- مرة أخرى- غير عاجزة وغير مستكينة وغير جامدة.. إن الوضع كان أشبه بسكون قبل العاصفة، والمسألة كانت مسألة توقيت وليست عجزًا متأصلًا في الذات والذهنية العربية، لذلك فإنني أود أن ألقي الضوء على بعض مشاهد الثورات العربية ومميزاتها:

1- بالرغم من قوة الحركات الإسلامية المعارضة في الساحة العربية، فإن هذه الثورات لم تحركها الحركات الإسلامية، وإن انضمت إليها في آخر المطاف، كما أنها لم تقم بفضل حركات يسارية، وإن تواجدت فيها الكثير من الشخصيات المحسوبة على تياراتها الراديكالية.. إنه جيل ثوري مدني بأتم معنى الكلمة، لم يستشعر شعارات "الإسلام هو الحل" كما تم في "الجزائر" و"مصر" و"تونس" في ثمانينات القرن الماضي، ولم يتبنَّ شعارات من قبيل "الإشتراكية العلمية والعنف الثوري" كما تبناها جيل الستينات والسبعينات في العديد من عواصم الدول العربية، إذ لم تشهد ساحة الثوار رفع أي شعارات دينية. كما يتسم الثوار بأنهم جيل منفتح وغير مؤدلج، لكنه لا يرفض الإسلامية ولا الاشتراكية؛ لأن الأولى تشكل قيمة لديه وهي جزء من هويته الحضارية الحاضرة بقوة في الساحة، لكن لم يعد للإسلام السياسي أدنى بريق لكونه يدرك أكثر من غيره مساويء وسلبيات تجارب الملالي وطالبان وما جرى في "السودان"، كما أن تصوره للثانية يحضر فيه ما جرى في أوروبا الشرقية، لكن ما وقع لا يلغي إطلاقًا اهتماماته بالعدالة الاجتماعية؛ فهو جيل مثقَّف (ثقافته الأبجدية والإلكترونية عالية)، واعٍ تمام الوعي بما علق بهذه التيارات الفكرية والدينية من أدران وأوحال العنف الأصولي واحتكار الشيوعية للحكم باسم الطبقة العاملة.

2- إن جيل الثورة متعلم ومتمرد على الأعراف والقوانين السائدة، متنقل بين سائر النظريات والأفكار دون أن يسقط حبيس إحداها؛ فهو جيل من "الرُحَّل" في كل شىء، صفحات ارتباطاته واهتماماته وشوارع تجواله معلقة في الشبكات الإلكترونية ومتبدلة بشكل متسارع، وهو ما يفسِّر توجسه من الأيديولوجيات التي تروِّج لحقائق مطلقة وثابتة، واختباره لشعارات مفهومة وبسيطة وبراجماتية المحتوى، بالإضافة إلى هذا كله، استطاع هذا الجيل بوعيه السياسي تشخيص مكامن الداء، في غياب الحرية، وانعدام الديموقراطية، وعدم احترام حقوق الإنسان، أما بالنسبة للوسائل المسخَّرة في ثورته، فقد أراد هذا الجيل "ثورة" سلمية عنوانها الساحات العمومية، تُدين العنف ولا توكل مهامًا كالـ "الشعب يريد إسقاط النظام" إلى أحزاب أو أيديولوجيات بعينها، بل إن أدواته التقنية وبلاغته السياسية المستعملة ألغت كل الحواجز الاجتماعية والإقصاء السياسي بين المواطنين- كل المواطنين- من أجل التبادل والتواصل بكل حرية مع المجتمع.

3- لم يرفع هؤلاء الشباب دعاوى أيديولوجية بالمعنى الحصري، ولكنهم وحَّدوها في شعارات براجماتية كـ "ارحل"، و"الشعب يريد إسقاط النظام" أو "كلنا خالد سعيد"- شهيد "الإسكندرية" الذي قتل في التعذيب على يد الأمن-.

4- تحوَّل هؤلاء الشباب إلى وسائل التعبير والتقنيات الجديدة، حيث أتقنوا فنون الدعاية، والدعاية المضادة، وأسقطوا الآلة الإعلامية للأنظمة العربية بعد أن تحوَّلوا إلى مراسلين، ومصورين، ومذيعين، يتبادلون الأخبار، ويصوغون البيانات، ويوزِّعون المنشورات، ويتواصلون بسرعة البرق، مما دفع الأنظمة إلى نهج سلوكها القديم من منع وقطع وحظر وتكميم الأفواه، وهو سلوك أثبت أن هذه الأنظمة عاجزة عن استيعاب الوضع إيجابيًا، ولديها الكثير مما تخفيه.

5- أسقطت الثورات العربية فرضية الأحزاب الشمولية العربية بأن جوهر الصراع يقوم على الصراع حول السلطة، واحتكار الحقيقة، وتغييب المشاركة السياسية لأوسع فئات الشعب، فضلًا عن القضاء على الحركات السياسية الأخرى، أو تدجين باقي الحركات السياسية لكي تدور في فلكها وتقتات من موائدها، حتى أصبح المواطنون في ملك الدولة، عوضًا أن تكون الدولة في ملك مواطنيها. والحال أنه بدعوة الشباب للجميع بالمشاركة، وفتح الانتساب أمام جميع تيارات الرأي داخل لجانها من أجل الحرية والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان ودولة القانون، تجاوز به مفهوم الطليعة الثورية عبر توسيع شبكات العصيان المدني، مما يجعل من فعل الشباب تمثلًا صحيحًا لشعارات الحداثة السياسية، ناهيك عن أنه اختار التفاعل السلمي ومنهجية الحوار والتوافق بين كل ميادين "التحرير".

6- تخَلى الشباب العربي عن كل مادأبت عليه الحوانيت السياسية الحزبية المكبَّلة بأوهام أيديولوجية وزعامات وهمية؛ فالدولة إذا أرادت أن تحظى بقبول الجميع، عليها أن تكون في خدمة مواطنيها، وتساوى بينهم، وليست طرفًا ضد إحدى فئاتها أومكوناتها. فهي ليست دولة رعية أو دولة حزب أو فئة، في منظورهم لها كوسيط بين مكونات المجتمع، إنها فعلًا لغة سياسية تقطع- بكل تأكيد- نظرية السياسة بوصفها احتكارًا للسلطة ولوسائل الإكراه، أو صراع لكل ضد الكل، وصراع الأنا مع الآخر (غياب نظرية المؤامرة)، إذ بهذه البلاغة الجديدة تخلى الشباب العربي عما دأبت عليه الحوانيت السياسية الحزبية المكبَّلة بأوهام أيديولوجية وزعامات وهمية.

7- أسقط شباب الثورات العريبة فرضية أن الحركات الإسلامية هي الحركات الوحيدة التي يمكنها إسقاط الأنظمة الديكتاتورية؛ حيث استطاعت الحركات الشبابية أن تستثير فئات عمرية أخرى، وأن تحشد مساندة من أوسع الشرائح الاجتماعية والمهنية والقطاعية بما فيها قاعدة الحركات الإسلامية، بحيث كان وقودها المجتمع المدني ممثلًا في تعدديته واختلافاته وتناقضاته وانشطاراته، ومن دون تأييدها ولا بدون إذنها، ولا تبني شعاراتها، هذا في الوقت الذي تفاعل الشباب فيه مع الحركات الإسلامية تفاعلًا إيجابيًا، وابتعدوا كليًا عن منطق الصدام معها الذي كانت تروِّج له الأنظمة الديكتاتورية، علمًا بأن هذه الأخيرة لم تكن في وقت من الأوقات علمانية، بل وظفت العلمانية للتقرُّب من الغرب، والقضاء على الحركات الإسلامية، وإحكام قبضتها على الساحة السياسية.

8- أوجدت الثورات العربية تحولات جنينية في طور النمو، لعل أهمها إدماج الحركات الإسلامية في ميادين الساحات والباحات عبر حوارات شيقة ورشيقة، ومن ثم مهَّدت لقبولها داخل النسيج السياسي العربي الوليد بوصفها حركات مدنية لها الحق في إنشاء أحزاب سياسية، لذلك اختارت الحركات الإسلامية التحوُّل على عجل إلى أحزاب سياسية مدنية؛ إيمانًا منها بسلبية وقوع الدولة في قبضة رجال الدين أو وقوع رجال الدين في قبضة الدولة، لذلك هي الآن تحتكم إلى الشعب أيًا كانت اختياراته أو توجهاته.

9- لم ترفض الثورات العربية المؤسسات الوطنية، كالجيش والقضاء والنقابات، حفاظًا على مكتسبات الدولة الحديثة، وتواصلًا مع هذه المؤسسات.
10- استطاع شباب الثورات العربية أن يقضي على فكرة الزعيم الأوحد والفكرة الواحدة، بل قام بإنشاء لجان وائتلافات غير مركزية تتمتع بالمصداقية.
11- أثبت هؤلاء الشباب أنه يتحلى بالمسئولية في رفضه الإنجرار إلى العنف، كما في حالة "مصر" و"تونس" و"ليبيا" قبل التدخل الأجنبي، مما يعني أنه شباب متعلم يحمل أفكارًا برجماتية بعيدة عن صدامية شعارات "الصراع الطبقي" و"العنف الثوري" و"الجهاد الإسلامي".

شعب "مصر" العظيم، ليس بالفاضل في نفسه من ينكر الفضل على أهله، أقول ذلك وأنا أرى المشهد يتشكَّل أمامي في صورة الشجرة التي غرس الثوار بذرَتها فاستظل بها غيرُهم، فبالثوار إحسانًا، ولا تنسوا الفضل بينكم.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :