بمناسبة تذكار استشهادهم في 19 أبيب
إعداد/ ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الارثوذكسيية يوم 19 أبيب الموافق 26 يولية بتذكار استشهاد شهداء مذبحة أسنا ؛ وهي تعتبر واحدة من أشهر شهداء المذابح الجماعية التي شهدتها الكنيسة القبطية علي مر العصور . وقصة استشهادهم كما جاءت في السنكسار تحت يوم 19 أبيب أنه في سنة 19 للشهداء الموافق 303 للميلاد هجم الوالي أريانوس والي أنصنا علي المدينة ؛ ولما سمع الأهالي بهجوم الوالي تجمعوا في الكنيسة حيث كان تذكار أحد قديسي المدينة ؛ ورأس الصلاة بهم أسقف المدينة القديس الأنبا أمونيوس ؛ فوعظهم وثبتهم في الإيمان ؛ وسهروا الليلة كلها في الصلاة والتسبيح ؛ وفي الصباح هجم الوالي أريانوس علي الكنيسة ؛ فصرخوا جميعا " نحن مسيحيون ؛ نؤمن بربنا يسوع المسيح " فأمر الوالي جنوده أن يقتلوهم جميعا بالسيوف والرماح ؛فنالوا جميع أهل القرية أكاليل الشهداء ؛ وبني علي أسمهم دير الشهداء في نفس مكان استشهادهم .
ولقد ذكر عن هذه المذبحة المتنيح الانبا يؤانس أسقف الغربية في موسوعته الخالدة "الاستشهاد في المسيحية " تحت عنوان"مذبحة أسنا" فقال " بعد أن صدرت مراسيم الاضطهاد ديوكلديانوس ؛قام أريانوس والي أنصنا بجولة في الصعيد الأعلي ؛ليشرف بنفسه علي تنفيذ أوامر اضطهاد المسيحين ؛ فتردد علي مدينة أسنا علي ثلاث دفعات ؛ من أشهر شهداء الدفعة الأولي الأم دولاجي وأولادها الأربعة ؛ وفي الدفعة الثانية أستشهد بعض أراخنة المدينة ؛ ولكن الدفعة الثالثة كانت هي الدفعة الكبري والحاسمة ؛ حيث كانت النفوس مستعدة ؛ والشعب معبأ خلف أسقفه الأنبا أمونيوس . ........ فأمر الوالي أريانوس جنوده أن يقتلوا كل من يجدهم من المسيحين في طريقهم ؛ وعندما وصل إلي الكنيسة حيث كان الشعب مجتمع مع أسقفه ؛ رفع الشعب جميعا صوته وقالوا بصوت واحد" نحن مسيحيون مؤمنون بالسيد يسوع المسيح خالق السموات والأرض " فأمر الوالي جنوده بقتلهم جميعا بالسيوف والرماح ؛ ...... فظلوا يقتلوهم حتي أفنوهم ؛ وكانوا آلوفا في عددهم ؛ وكان ذلك في التاسع عشر من أبيب . أما الأسقف الأنبا أمونيوس فلقد استشهد في انصنا بعد أن أخذه الوالي معه (تحتفل الكنيسة القبطية بتذكار استشهاده في يوم 14 كيهك ) . ( المرجع السابق ذكره ؛ الطبعة الخامسة مزيدة ؛ صفحة 256 ) .
ويذكر المؤرخ الكنسي الكبير المرحوم نبيه كامل داود في كتاب " تاريخ المسيحية والرهبنة وأثارهما في أبروشيتي نقادة وقوص ؛ونقادة وأسنا والاقصر وأرمنت " أن أهم المخطوطات التي تتضمن سير شهداء أسنا حسب أقدمية النسخ هي :-
1- المجموعة الأولي للأنبا ضوروتاوس أسقف أسنا :- وتوجد مخطوطات للسيرة بالمتحف القبطي قرن 14 الميلادي ؛ ومخطوط آخر بمكتبة دير السريان العامر ؛ويرجع لعام 1735 م .
2- المجموعة الثانية للأنبا يؤانس أسقف أسيوط (قرن 15 م ) :- وتوجد مخطوطة ترجع لعام 1520 م بالمكتبة الوطنية بباريس ؛ ومخطوط رثاء لشهداء أسنا مخطوط رقم 780 . أما المخطوطات الخاصة بسيرهم بمكتبة الفاتيكان فهي : 1547م مخطوط رقم 587 عربي .
3- المجموعة الثالثة للأنبا بولس أسقف أسيوط وابو تيج ومنفلوط (قرن 15 الميلادي ) ؛فتوجد بمكتبة دير الانبا انطونيوس مخطوط رقم 87 تاريخ ؛ وميمر شهداء أسنا وضعه الأنبا بولس وتاريخ نساخته 1362 ش . كما يوجد بالمكتبة البطريركية بالأزبكية مخطوط رقم 638 مسلسل /24 تاريخ (جراف 545 ) والميمر نشره الدكتور انطون خاطر في كتاب من مطبعوعات الآباء الفرنسيسكان – القدس 1981 .
ومن الطبعات الحديثة ذكر الاستاذ نبيه كتاب "عظة الأحفاد في تاريخ الشهداء الأمجاد ؛عني بجمعه وتنقيحه فانوس ميخائيل وميخائيل موسي ؛وطبع بمطبة اليقظة بالفجالة بمصر عام 1923 . وهناك أيضا شهداء مدينة إسنا النص العربي مع ترجمة فرنسية للدكتور أنطون خاطر ؛الناشر مركز دراسات شرقية مسيحية للآباء الفرنسيسكان بالقاهرة – طبع بمطبعة الفرنسيسكان بالقدس عام 1981 . ( لمزيد من التفصيل راجع الكتاب السابق ذكره : الصفحات من 94 – 96 ) .
أما عن دير الشهداء بأسنا ؛ فلقد كتب عنه الرحالة الشهير فانسليب ( 1635- 1679 ) في كتابه "تقرير الحالة الحاضرة لمصر 1671م " حيث قال " في مدينة أسنا التي يسميها العامة أسوان ؛والتي تقع تحت مدار السرطان ؛ مكان القديسن الشهداء ؛وكانوا يحكون لي أن هناك تسعين قصبة من المدينة ملطخة كلها بدماء الشهداء " ( المرجع السابق ذكره ؛ تاليف فانسليب : ترجمة وديع عوض ؛ تقديم محمد عفيفي ؛ المشروع القومي للترجمة ؛ المجلس الأعلي للثقافة ؛ الكتاب رقم 1005 ؛ 2006 ؛ صفحة 159 ) .
كما جاء ذكره عرضا في التقرير الذي وضعه علماء الحملة الفرنسية علي مصر عام 1809 ؛ تحت أسم إسنا حيث جاء فيها " بجوار إسنا وعلي بعد 3 كم من الجنوب يوجد دير به كنيسة مستعملة في زمان الحملة الفرنسية وتم بها مذبحة اسنا الشهيرة ايام دقلديانوس " ( تاريخ أبو المكارم :- عن ما كتبه الأجانب والمؤرخون عن الكنائس والأديرة ؛ الجزء الرابع ؛ صفحة 136 ) .
ولقد كتب عنه المتنيح الانبا صموئيل أسقف شبين القناطر في موسوعة " الكنائس والأديرة من الجيزة إلي أسوان " تحت عنوان "دير الشهداء غرب اسنا " وتحت رقم (183 ) فقال عنه "يقع هذا الدير علي مسافة 5 كم جنوب غرب اسنا ويصل اله عادة عن طريق مدق متفرع من الطريق الرئيسي الغربي إلي أدفو . ويوجد بالدير كنيستان قديمة وحديثة :الكنيسة الحديثة من 12 قبة :ثلاث للهياكل وتسعة للحصن وبها بعض الأيقونات القديمة وترجع للقرن 18 /19 .والكنيسة القديمة تتكون من هيكل أوسط مربع كبير قسم حاليا إلي هيكل وخورس خلفه وعلي جانبيه حجرتان أما صحن الكنيسة فيتكون من مربعين فوقهما قبتان وعلي جانبيهما رواقان بقباب منخفضة .في وسط الحصن يوجد أنبل صغير للوعظ وقد أضيف لهذه المباني التي ترجع للقرن 11 / 12 هيكلان في الجانب البحري .ويعتبر هذا الدير هو مكان استشهاد كل شعب أسنا مع أسقفهم الانبا امونيوس عند زيارة اريانوس للمدينة وقد ذكر فانسلبيب (1672 ) هذا الدير ( المرجع السابق ذكره :- صفحة 76 ؛ 77 ) .
ولقد قدم الدكتور عادل فخري وكيل معهد الدراسات القبطية ورئيس قسم الاثار به ؛ دراسة مفصلة عن الدير من الناحية التاريخية والأثرية ؛ وذلك في كتاب "تاريخ المسيحية والرهبنة وآثارهما في ابروشيتي نقادة وقوص واسنا والاقصر وارمنت ؛ ولقد جاء في الكتاب تحت عنوان "دير الشهداء " حيث قال " يقع الدير علي بعد حوالي 6 كم جنوب غرب مدينة أسنا بين الزراعات والجبل بمنطقة الحاجر ؛ والجبل له اسم قديم هو جبل الصالحين (أغاثون باليونانية ) حيث جاء ذكره بهذا الأسم في سير شهداء أسنا باللغة القبطية ؛ وكذلك في نص قديم لدورثؤوس أسقف أسنا في القرن الرابع في مديح لهؤلاء الشهداء . والدير محاط بسور مما يشير إلي نوع الرهبنة التي كانت به وهي الرهبنة الباخوموية ؛ ويطلق أيضا علي الدير "دير مانويس " نسبة إلي القديس أمونيوس أسقف أسنا الشهيد ؛ وقد رسم هذا الأسقف علي يد البابا بطرس خاتم الشهداء ؛إلا أن الدير لا يحوي جسده ؛فقد دفن في منطقة أنصنا . ويبدو أن الدير أقيم في الموضع الي تمت فيه شهادة شهداء أسنا ؛ حيث جاء ذلك في المديح الذي وضعه يوحنا أسقف أسيوط وابو تيج عن شهداء أسنا في القرن الثالث عشر ؛ وأقدم مباني الدير تعود إلي القرن الحادي عشر ؛ إلا أن وجود العديد من شواهد القبور اليونانية في المقابر المجاورة تشير إلي قدم المكان ..... ومن الرحالة الأجانب الذين زاروا الدير الاب بروتيه والاب فرانسوا عام 1668 والاب فانسليب عام 1677 م الذي قام بنسخ النصوص الجدارية . وفي عام 1730 -1732 قام الطبيب جرانجر N. Granger بزيارة الدير وذكر أن هناك راهبين يعيشان به ؛ ثم زار الدير بعد ذلك بوكوك R .Pococke عام 1743 – 1745 ؛ثم تشير تقارير الحملة الفرنسية إلي أن التدمير الحادث بالدير كان نتيجة لاعتداءات المماليك ؛ ثم مع بداية القرن العشرين توالت زيارة كثير من الأجانب الدارسين .
أما عن عمارة الدير ؛ يذكر الدكتور عادل فخري أن الدير في مجمله مستطيل الشكل ومحاط بسور من الطوب اللبن ؛ ومدخله الحالي من الجهة الشمالية . وهناك نجد الكنيسة القديمة ؛والمباني الملحقة بها ؛ وإلي جنوب هذا الشارع نجد الكنيسة الحديثة التي بنيت عام 1901 . والكنيسة القديمة مدشنة علي أسم الشهيد الانبا أمونيوس ولها ثلاثة أروقة :الرواق الأوسط مكون من مربعين لهما قباب ؛والرواقين الأخريين يكونان مع الخورس ما يشبه الممشي الذي يحيط بالجناح الأوسط . وإلي الشرق يوجد الهيكل ؛وله غرفتان ملققتان تفتحان علي الخورس .
أما عن الرسوم الجدارية الموجودة بالدير ؛ يوجد رسمان فوق بعضهما ؛الرسم الأعلي للسيد المسيح جالسا علي مقعد دون ظهر داخل هالة ؛ويده اليمني تستند علي كتاب مربع الشكل (الإنجيل) جلدته مزخرفة بصليب وأسفل المنظر السابق تصوير للسيدة العذراء حاملة السيد المسيح وعلي جانبيها رؤساء الملائكة ميخائيل وغبريال مكللين وحاملين رمز الكرة الأرضية( ؛ويمسك رئيس الملائكة ميخائيل في يده اليمني عصا طويلة تنتهي بصليب ؛بينما يعلق الملاك غبريال سيفا علي جانبه ( أنظر الصورتين في الصور المرفقة بالمقالة ) .
أما عن النصوص الجدارية داخل الدير ؛يذكر الدكتور عادل نص بالقرب من رأس الحصان للشهيد مارجرجس جاء فيه " اذكروني بالمحبة يا أبائي وأخوتي ؛حتي كلما ذكرني أحد يقول :بمحبته ليرحمه الرب أنا جورج ابن المتوفي تيتي وثيؤدورا ( لمزيد من التفاصيل –راجع الكتاب السابق ذكره ؛الصفحات من 468- 474 ) .
ولقد قام العالم الانجليزي سومرز كلارك Somers Clarke ( 1841 – 1926 ) بزيارة الدير ورسمه من الناحية الهندسية في القرن العشرين ؛ كما قام المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بدراسة
بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1- السنكسار القبطي تحت يوم 19 أبيب .
2- نيافة الأنبا يؤانس أسقف الغربية الراحل :- الاستشهاد في المسيحية ؛ الطبعة الخامسة ؛ صفحة 256 .
3- نيافة الانبا صوئيل :- تاريخ أبو المكارم ؛ تقرير عن ما كتبه الأجانب والمؤرخون عن الكنائس والأديرة ؛ الجزء الرابع ؛ صفحة 136 ) .
4- جوفاني ميكليه فانسليب :- تقرير الحالة الحاضرة لمصر 1671 ؛ ترجمة وديع عوض ؛ تقديم محمد عفيفي ؛ المجلس الأعلي للثقافة ؛ المشروع القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم 1005 ؛ 2006 ؛ صفحة 159 .
5- نيافة الأنبا صموئيل : الدليل إلي الكنائس والأديرة القديمة من الجيزة إلي أسوان ؛ قسم العمارة القبطية بمعهد الدراسات القبطية ؛ صفحتي 76 ؛77 .
6- نبيه كامل داود ؛عادل فخري صادق :- تاريخ المسيحية والرهبنة وآثارهما في أبروشيتي نقادة وقوص واسنا والاقصر وارمنت ؛مؤسسة القديس مرقص لدراسات التاريخ القبطي ؛سلسلة تاريخ أبروشيات مصر وآثارها القبطية – رقم 4 ؛ الطبعة الأولي 2008 ؛ الصفحات من ( 468- 474 ) .
7- طلعت أيوب أرمانيوس :- دير الشهداء بأسنا ؛دير الشهداء بجبل أغاثون – أسنا ؛الطبعة الثانية ؛أبريل 2006 .
8- إيمان العماري :- تقرير عن دير الشهداء بالفيديو والصور منشور علي صفحة جريدة البوابة بتاريخ 29 ديسمبر 2014 ؛موقع علي شبكة الانترنت .
9- تعرف علي دير الأنبا أمونيوس المعروف بدير الشهداء بأسنا ؛شباب مطرانية الأقصر إجتماعية ثقافية ؛ موقع علي شبكة الانترنت .