المتأمل فى تاريخ جماعة الإخوان الفاشيّة يدرك على الفور أنه عبارة عن سيناريو متكرر من الكذب والتآمر والفشل الدائم، سيناريو ذات مراحل ثلاث، فى كل مرحلة يتسم الخطاب والسلوك الإخوانى فيها بصفة تميزه من ثلاث (النواح - النباح – الدباح).
المرحلة الأولى: التمسكن- النواح
فى هذه المرحلة، تقدم الجماعة نفسها للمجتمع على أنهم حملة لواء الدين الصحيح، والسلوك القويم، والرسالة السلمية الأخلاقية.
وتنكر الجماعة تمامًا أى هدف أو طموح سياسى لها، رغم حرصها الدائم على إقامة علاقات قوية مع السلطة أو النظام.
فى تلك المرحلة تجد الخطاب والسلوك الإخوانى يتسم بالمسكنة، والنواح وادعاء المظلومية والاضطهاد يستخدمونه لكسب تعاطف الآخرين، ورضاء السلطة عنهم.
المرحلة الثانية: التمكن- النباح
فى تلك المرحلة تستغل الجماعة أى مأزق سياسى أو منعطف تاريخى تمر به البلاد، ليقدموا أنفسهم للطرف القوى فى المعادلة السياسية؛ لرقم صعب فيها، وأنهم قادرون على التأثير فى الجماهير باستخدام ورقة الدين، كصاحب توكيلٍ للدين فى هذا المجتمع.
وفى هذه المرحلة يتسم الخطاب والسلوك الإخوانى بالنباح، حيث علو الصوت، والتهديد والوعيد، والتجريح فى كل الخصوم، والتطاول على الجميع، وادعاء بطولات ومواقف زائفة، للحصول على أكبر مكاسب ممكنة.
وفى كل مرة، كانت الجماعة تُستخدم من قبل ذلك الطرف القوى الذى يدرك نواياها الحقيقية فى الانقضاض على السلطة، وسرعان ما يحدث الصدام مع الجماعة، وتنال جزاء الطامع فيما لا حق له فيه، ولا قدرة له عليه.
المرحلة الثالثة.. الوجه الحقيقى- الدباح
فى الوقت الذى تتصور فيه الجماعة ومريدوها أنهم صاروا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهدافهم السياسية، تعمى أعينهم عما يدبره لهم الطرف الأقوى فى المعادلة السياسية، ثم يجدوا أنفسهم، وقد فقدوا كل شىء.
وعادوا لمرحلة ما قبل الصفر؛ ليتحول الخطاب الإخوانى إلى حالة من الردح، والهجوم على هذا الطرف القوى الذى كان يسبح بحمده ويتودد إليه، ويقدمه للمجتمع على أنه المنقذ والأمل، ويصفه بكل الصفات السيئة، يكيل له جميع التهم وأولها معاداة الإسلام، ومن ثم يبيحون دمه، ووصل بهم الأمر إلى إهدار دم المجتمع بأسره، باعتباره يعيش فى جاهلية وكفر، كما فعل قائدهم المتطرف والإرهابى الأكبر سيد قطب.
وبالفعل، فى العهد الملكى، بدأت قائمة اغتيالات الشخصيات المصرية وكبار رجال الدولة من قبل الجماعة، فبدأت باغتيال أحمد ماهر، رئيس وزراء مصر فى عام 1945، الذى اغتيل فى قاعة البرلمان، ثم المستشار والقاضى أحمد الخازندار 1948م، وبعده بشهور لقى رئيس الوزراء المصرى محمود فهمى النُّقراشى مصرعه، عند ديوان وزارة الدَّاخلية.وحاولوا قتل الرئيس عبدالناصر أكثر من مرة وفشلوا، ولكنهم نجحوا فى قتل الرئيس السادات.
هذه المراحل الثلاث مرت بها الجماعة فى تعاملها مع جميع الأنظمة التى حكمت مصر، سواء العصر الملكى أو الجمهورى (الناصرى – الساداتى – المباركى).
الأمر ذاته تكرر بمراحله الثلاث، مع ثورة 25 يناير 2011:
مرحلة النواح:
الجميع يعرف كم كانت جماعة الإخوان منبطحة أمام نظام مبارك، يكتفون بالمساحة التى يمنحها لهم للتحرك، وكثيرا ما عقد قادة الجماعة صفقات انتخابية وسياسية مع نظام مبارك، وقادتهم كثيرا ما صرحوا بأنهم لا يمانعون إطلاقا فى وراثة جمال مبارك السلطة فى مصر.
وحين اندلعت الثورة التونسية، وأيدها الشباب المصرى، وبدأت الدعوات بين الشباب للخروج يوم 25 يناير 2011 ضد سياسات وزارة داخلية حبيب العادلى، كانوا أول من اعترضوا على تلك الدعوات، ودعوا أنصارهم لعدم المشاركة.
مرحلة النباح:
بعيدا عن سرد الظروف والأسباب التى مكنت جماعة الإخوان الفاشية من سرقة ثورة 25 يناير 2011، فما إن تمكنت الجماعة من تحقيق حلمها الأبدى، وهدفها الرئيس بالوصول للسلطة فى مصر، حتى بدأت تنفذ خطة للخلود فى حكم مصر، من خلال إقصاء الجميع، وقمع المعارضين لدرجة القتل، حتى المتعاطفين معهم، وأنصارهم من باقى تيارات الإسلام السياسى، لم تسلم من نباحهم، وبطشهم، وتنصلوا من كل وعودهم- كعادتهم- للشعب المصرى وللقوى السياسية جميعها.
جنون الشهوة نحو السلطة أفقدهم الفطنة ورؤية الهاوية التى يسوقهم غباؤهم وطمعهم إليها، وظنوا أن دعم المصريين أو تعاطفهم معهم فى وقت من الأوقات كان لدرجة كبيرة نكاية فى نظام مبارك ليس إلا.
وتصورت الجماعة الفاشية أن ذلك الموقف من المصريين تأييد سياسى لهم، ولم يدركوا أن المصريين متدينون بطبعهم منذ عصر الدولة الفرعونية القديمة إلى الآن، وأن الدين مكون رئيسٌ فى عقل ووجدان وثقافة المصرى، ونقطة ضعفه وقوته الرئيسية؛ فهو سرعان ما يتعاطف مع من يتحدث باسم الدين ويدعمه، ولكن ما إن يكتشف متاجرته به للوصول إلى مآرب أخرى؛ خاصة السياسة - التى ينظرها لها المصرى بعين الريبة دائما- يتحول إلى خصم لدود له.
وبالفعل سرعان ما اكتشف المصريون بوعيهم الفطرى والحضارى زيف وكذب هذه الجماعة، وأطاح بهم- بدعم جيشهم الوطنى- إلى (مزبلة التاريخ) دون رجعة.
ولعل الخسارة الأفدح فى تاريخ الجماعة أنها خسرت حاضنتها الشعبية فى مصر، التى طالما كانت بمثابة قبلة حية للجماعة، فكثيرا ما تعرضت الجماعة لضربات شديدة على المستوى التنظيمى، ولكنها للمرة الأولى منذ نشأتها، تتعرض لهزة عنيفة على المستوى الفكرى زلزل قواعدها على مستوى العالم، وهدد بقاءها ذاته، وهذا فى رأيى أكبر إنجاز حققته ثورتا 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013.
مرحلة الدباح:
لا جدال أن هذه الخسارة غير المسبوقة والصدمة التى تعرضت لها الجماعة وأعوانها وداعموها، وعلى رأسهم ذلك العثمانلى المهووس بوهم إحياء الإمبراطورية العثمانية، والذى أصابه الخبل السياسى بعد أن قضى على وهمه شعب وجيش مصر فى 30 يونيو 2013، وذلك الحاكم الصغير الشأن، الذى سولت له وفرة بلاده المالية أنه يمكن أن يحتل دور مصر الريادى والقيادى فى المنظومة العربية، فكانت صفعة 30 يونيو 2013 محبطة لآماله للأبد.
بالإضافة إلى إفشال المخطط الغربى - الصهيونى الرامى لتسليم قيادة المنطقة لتيار الإسلام السياسى الذى تقوده الجماعة الفاشية، ومن ثم تسليم قيادها لأصحاب هذه المخطط.
كل هذا جعل هذا الحلف الشيطانى يكشف عن وجهه الحقيقى، فخلعت الجماعة للمرة الأولى قناع السلمية، ليظهر قناع الدباح الإرهابى، وأطلقت فى أعوانها من إرهابيى العالم نفير الحرب على مصر وشعبها، وتعاونوا مع كل الحاقدين والكارهين لمصر.
هذا هو خطاب وسلوك جماعة الإخوان الإرهابية، عبر تاريخها لا يخرج فى وصفه عن (النّواح.. النّباح.. الدّباح).
نقلا عن المصرى اليوم