فاطمة ناعوت
في يونيو عام ٢٠١٦، دُعيتُ إلى مؤتمر بعنوان (مستقبل الأقليات في مصر)، بدعوة من المهندس المصرى إسكندر شلبى، رئيس (منظمة التضامن) بواشنطن. وعلمتُ أن أسماءً مصرية وطنية محترمة مشاركة، وأن المؤتمر لدعم الأقباط وقضايا العدالة والمواطنة التي تشغلنى، فوافقتُ على السفر. أعددتُ ورقتى البحثية بعنوان: (هل الأقباط في مصر أقليةٌ؟)، وهنا علينا التمييز بين المعنى المعجمى والاصطلاحى لمفردة (أقباط). المعجمى: «جميع المصريين»، الاصطلاحى الدارج: «مسيحيو مصر». وفى ورقتى البحثية نفيتُ أن يكون المسيحيون في مصر «أقلية»، لأن «الأقلية» مصطلحٌ «سياسى»، وليس مصطلحًا «عدديًّا». «الأقلية» تُطلق على «الوافدين» وليس على «المواطنين». فنقول: (الأقلية المصرية في أمريكا، أو الأقلية الأمريكية في مصر. ولكن كيف نقول: الأقلية المصرية في مصر؟!). مسيحيو مصر ليسوا أقليةً، ولو كان عددهم عشرين مليون مواطن، أو مواطنًا واحدًا. قبل إلقاء كلمتى، لاحظتُ وجود العَلَم الأمريكى على المنصّة وعدم وجود العلم المصرى، رغم أن المؤتمر يخصُّ مصريين، وأقامه مصريون! سألتُ عن العلم المصرى، وعلّقتُ كلمتى حتى يأتوا به. بعد إلقاء كلمتى فوجئت بشخص يبرز من بين الحضور ويهاجمنى: (كلامك غلط يا أستاذة. إحنا أقلية مسيحية. والدولة المصرية تضطهدنا. وأنت عميلة للأمن المصرى وووو) ابتسمتُ قائلةً: (اضطهادُ الدولة لطائفة ما يعنى أن يُنَصَّ على ذلك في الدستور والقانون. وأن تمارسَ الدولةُ تمييزًا عَقَديًّا فتمنع مثلًا بناء الكنائس، أو ترفضَ تسجيلَ مواليد مسيحيين، أو تمنع تجنيدهم في الجيش، وغير ذلك من وجوه التمييز. وشىءٌ من هذا لا يحدث في مصر. الدولة تبنى الكنائس التي هدمها الإرهابُ. رئيس الدولة يدخل الكاتدرائية في الأعياد، ويُعيّن المسيحيين في الحكومة والمناصب العليا. الدستورُ المصرى يكفل المساواة بين جميع المواطنين. وهذا لا ينفى تعرّض الأقباط لأزمات طائفية طاحنة يفتعلها تيار الإسلام السياسى المتطرّف. وعلّنى أحدُ المواجهين لذلك التيار التكفيرىّ الظلامى الذي تواجهه الدولة وكل قوى التنوير. لكن كل هذا لا يعنى أن المسيحيين «أقلية مُضطهدة» بأمر الدولة المصرية!). ولمَّا استمر الشخصُ في الجدل والشخصنة ولى عنق الحقائق، ابتسمتُ قائلة: (حضرتك بتفكرنى ببعض المصريين في أمريكا، يعلقون على سياراتهم «شارات المعوقين الزرقاء»؛ حتى يصفّوا سياراتهم في أماكن المعوقين! وبعيدًا عن خِسّة ذاك السلوك، لكن الكوميديا هي أن «سليمًا معافى» يقبل بأن يسرق حق «عليل مأزوم»، رغم تمتعه بكامل الصحة! فأنت «مواطنٌ أصيل» كاملُ الأهلية، تطالب بحق «ضيف وافد» ناقص الأهلية؟! تبقى مواطن وعاوز حق لاجئ؟!)، وأنهيتُ كلمتى بأن: (مصر هي الأولَى بحماية حقوق أبنائها، وليس أمريكا)، وعزّزتُ رأيى بالاستشهاد بآراء قداسة البابا شنودة الثالث، رحمه الله، وقداسة البابا تواضروس الثانى. وكلاهما رفض وصف أقباط مصر بالأقلية. (وبالمناسبة هذا عينُ ما أكده الرئيس عبدالفتاح السيسى في مؤتمر ميونيخ ٢٠١٩). بعد انتهاء كلمتى في المؤتمر، صعد إلى المنصّة مهندس نجيب ساويروس وأيّد الفكرة، مؤكدًا أن المسيحى المصرى مواطنٌ أصيل كامل الأهلية، وليس أقلية وافدة.
قبل يومٍ من إطلاق المؤتمر، اتصل بى شخصٌ من المنظمين، وطلب أن أرافق وفدًا مصريًّا أمريكيًّا لمكتب الخارجية الأمريكية بواشنطن. لماذا؟ قال لى: (حتى تطالبى معنا «بتدويل» قضية الأقباط، و«تدويل» قضيتك بالمرة). ضحكتُ وقلتُ: (تريدون أن تتدخل أمريكا في الشأن المصرى من بوابة الأقباط وبوابتى؟! حسنًا، لا الأقباط ولا أنا نقبل أن نكون «خنجرًا في ظهر مصر». لا الأقباط ولا أنا في خصومة مع مصر لكى نلجأ إلى الخارجية الأمريكية أو الخارجية المريخية). ورفضتُ مرافقتهم. وسجلت هذا في عمودى بجريدة (المصرى اليوم) بتاريخ (الاثنين/ ٨ أغسطس ٢٠١٦)، بعنوان (خنجرٌ في ظهر مصر! )، كما سجّلت جميع أفكارى التي طرحتُها على منصّة المؤتمر في مقالات منشورة بعناوين: (هل الأقباطُ أقلية في مصر؟| ١١ يونيو ٢٠١٦)، (مدنية أم دينية؟ | ١٨ يونيو ٢٠١٦)، (هل أنت معوّق؟ | ٢٤ يونيو ٢٠١٦). منذ انتهاء المؤتمر وحتى اليوم، وذلك الشخص يسبُّنى على صفحات السوشيال ميديا ويتهمنى بالعمالة لصالح الدولة المصرية!. وعلى هذا، سيكون كلُّ من يؤمن بحقوق المواطنة الكاملة للأقباط بوصفهم «مواطنين أصلاء» لا «أقليةً لاجئة» مُتهمًا بالعمالة لصالح «وطنه مصر»!. وما أجملها من تهمةٍ، إن كانت تهمةً!. ولم أكن أدرى أن موقفى «الوطنى» الداعمَ للأقباط، وموقفى الوطنى الداعم لبلدى مصر، سوف يكون له ذلك الثمن الباهظ الذي أدفعه منذ ٢٠١٦ وحتى اليوم. حسنًا. فإن لم يكن مسيحيو مصر أقليةً، فمن هم الأقلية؟ هذا ما سأوضحه بإذن الله يوم الاثنين في عمودى القادم هنا. وحتى حينها يبقى: «الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن».
نقلا عن المصرى اليوم