فى مثل هذا اليوم 23 يوليو 1970م..
سامح جميل
مصر (في عهد جمال عبد الناصر) تعلن قبولها بمبادرة روجرز (نسبة إلى وزير خارجية أمريكي) لحل الصراع العربي الإسرائيلي..
مبادرة روجرز، هى مبادرة قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وليام روجرز وزير الخارجية الأمريكي في عهد ريتشارد نيكسون، وقد جاءت هذه المبادرة لعمل فترة وقف إطلاق النار بين القوات الإسرائيلية والقوات المصرية. أول ما ظهرت المبادرة كانت مشروع حل أمريكي للصراع الإسرائيلي-العربي في 9 ديسمبر 1969. عبدالناصر لم يرد، واسرائيل - كيسنجر - تأخرت بالرفض. ثم أعلنها روجرز كمبادرة بصفة رسمية في 19 يونيو 1970 وكانت من شقين: وقف اطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر، وتطبيق القرار 242 عبر مهمة يارنج. عبد الناصر قبلها، وإسرائيل - كيسنجر - رفضتها..
جاءت مبادرة روجرز بعد ان تبين ان الهزيمة رغم مرارتها وقسوتها لم تجبر العرب على رفع اعلام الاستسلام البيضاء، وانما تواصل القتال تعبيرا عن رفض الهزيمة، وكان شهر سبتمبر هو البداية الحقيقية لعودة القتال عندما قامت معركة بالمدفعية في منطقة القنطرة خسر فيها الاسرائيليون حوالي 80 قتيلا و 250 جريحا مما جعل يوثانت أمين عام الأمم المتحدة في ذلك الوقت يطلب من (أودبول) كبير المراقبين الدوليين قطع اجازته والعودة فورا الى القاهرة، وفي 25 اكتوبر، أغرقت البحرية المصرية المدمرة الاسرائيلية (إيلات).
ورغم صدور قرار مجلس الامن في 25 نوفمبر عام 1967 بوقف اطلاق النار، فقد قال جمال عبد الناصر ان ما يفعله الاسرائيليون في الارض المحتلة يؤكد انهم لن يخرجوا منها الا اذا اجبروا على ذلك، وقال قولته المشهورة (إن ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة)، وهكذا تواصل القتال وتصاعد حتى دخل حرب الاستنزاف التي كثفت فيها اسرائيل غاراتها الجوية بغية اصابة النظام بالشلل كما صرحت رئيسة الوزراء (جولدا مائير)، ووضحت في نفس الوقت روح المقاومة والبسالة المعبرة عن الاصرار على تحرير الوطن وزادت خسائر اسرائيل بشكل ملحوظ دفع جولدامائير الى القول ان «كتائب الصواريخ المصرية كعش الغراب كلما دمرنا احداها نبتت بدلها اخرى» ودفعت أبا إيبان وزير الخارجية الى القول «لقد بدأ الطيران الاسرائيلي يتآكل».
كانت الولايات المتحدة هي التي طرحت هذه المبادرة، لإيقاف القتال مدة ثلاثة أشهر، نتيجة المعارك الجوية التي دارت بين القوات المسلحة المصرية والقوات الإسرائيلية المعادية، وأسقط فيها طائرات حديثة جداً -أمريكية الصنع- تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي. وأيضاً وقوع إسرائيل في مأزق عسكري داخلي كبير جداً، بسبب الخسائر البشرية اليومية في صفوف قواته المسلحة.
وافقت مصر بقيادة جمال عبد الناصر على هذه المبادرة ، ومن ثم الأردن بقيادة الملك حسين. لكن منظمة التحرير الفلسطينية رفضت الالتزام بها.في البداية قابلت القاهرة تصريح روجرز بالصمت التام وبغير تعليق يظهر الرفض أو القبول أما اسرائيل فقد بادرت الى رفض مبادرة روجرز.
ثم أعلن جمال عبد الناصر قبوله لمبادرة روجرز يوم 23 يوليو في العيد الثامن عشر للثورة وتفجرت ردود الفعل في أنحاء العالم فقد كان الاعلان مفاجئا بعد فترة صمت امتدت اكثر من شهر، والظاهرة التي يجب الوقوف عندها طويلا هي خروج الاسرائيليين الى الشوارع في مظاهرات ترقص وتبتهج فقد انتهت بالنسبة لهم حرب الاستنزاف التي أرهقتهم نفسيا وماديا وكبدتهم خسائر كثيرة في الارواح. انقذ قبول المبادرة الاسرائيليين من تكرار ما حدث في ذلك اليوم الذي اطلقوا عليه اسم (السبت الحزين) عندما وقعت احدى دورياتهم في كمين للقوات المصرية المتسللة في سيناء، وقتل 40 جنديا، وعاد المصريون باثنين من الاسرى، رقص الاسرائيليون تصورا منهم ان المبادرة هي خطوة أولى نحو السلام فعلا، وهكذا كانت قناعة الرأي العالمي أيضا.
وقال ناحوم جولدمان أن قبول مبادرة روجرز خطوة هائلة للسلام من جانب عبد الناصر وان على الحكومة الاسرائيلية ان تلتقي معه في منتصف الطريق، ومع ذلك تحطم الائتلاف الحكومي الاسرائيلي بانسحاب ستة وزراء من حزب «جاحال»، وفي مقدمتهم مناحم بيجن.
المثير ان قبول المبادرة كانت له انعكاسات مختلفة من الجانب العربي، واندفعت بعض القوى الفلسطينية الى اتهام الذين قبلوها بالخيانة، الامر الذي ادى الى اصدار أمر بوقف اذاعة صوت فلسطين التي كانت تبث من القاهرة يوم 29 يوليو عام 1970. ووضعت المبادرة موضع التنفيذ في الساعة الواحدة من صباح السبت 8 أغسطس (آب) عام 1970 لمدة 90 يوما.
ولم يمتد العمر بجمال عبد الناصر حتى نهاية المدة المحددة لوقف اطلاق النار ولم تجد مبادرة روجرز فرصتها لتوضع موضع التنفيذ. وبعد وفاة جمال عبد الناصر تجدد وقف اطلاق النار لمدة ثلاث سنوات وشهرين حتى قامت حرب اكتوبر المجيدة عام 1973 وكان وليام روجرز قد ترك منصبه عام 1971...!!