لحظات فارقة يفقد معها الإنسان أدميته، يتحول إلى ذئب بشري يبحث عن إشباع غرائزه، يضحى جُل همه العثور على فريسة سهلة المنال ينقض عليها كحيوان مفترس لكن خطة شابين أوقعت بفتاة مُعاقة ذهنية انتهت بسيناريو مأساوي، عقاب سماوي هبط على أرض الجيزة للأول كغريق على ضفاف النيل والثاني خلف القضبان ينتظر مصيره.
السادسة والنصف صباحا، أجواء هادئة تسود شارع البحر الأعظم الشهير المطل على كورنيش النيل بمحافظة الجيزة، حركة المارة تكاد تكون معدومة يقطع حالة الصمت صوت عجلات السيارات على فترات بينما تتجول فتاة بملابس رثة وملامح أنهكها التعب النفسي والجسدي على حد سواء لا تعرف وجهتها ولا تدر ما بخأ لها القدر.
على بعد خطوات من مشتل مطل على النيل، يجلس "محمد" وصديقه "عبدالغني" يفحصان المارة، تقع أنظار أحدهما على الفتاة بينما اختمرت في مخيلته فكرة شيطانية ليطلب من صديقه مرافقته لإنجاز مهمة سريعة لم يستوعبها الأخير.
بخطوات حثيثة اقترب صاحب الـ33 سنة من الفتاة، بينما يسيل لعابه كما لو أنه مقبل على تناول وجبة دسمة، بادر بسؤالها عن وجهتها فحملت إجابتها خبرا سارا له وصديقه لدى تلعثمها في الرد، فاصطحباها إلى المشتل.
على شاطئ جزيرة القرصاية، تصادف وقوف أحد الأشخاص في طريقه إلى عمله، تنامى إلى مسامعه صوت صراخ فتاة تستغيث "إلحقوني"، فأخطر شرطة النجدة دون تردد.
داخل قسم شرطة الجيزة كان النقيب عمر مبارك معاون المباحث يستعد لمغادرة مكتبه بعد نوبتجية طويلة قضاها متنقلا بين فحص البلاغات الواردة لـ"الإستيفا" وقضايا قيد التحقيق لكن إشارة عبر جهاز اللاسلكي القابع أمامه بوجود استغاثة من فتاة بشارع البحر الأعظم.
انطلق الضابط الشاب يرافقه ضابط نظام على رأس قوة أمنية إلى محل البلاغ، وما أن وصلت سيارة الشرطة لاحظت القوات قفز شابين في نهر النيل بينما يشير أحد الأشخاص "هما دولا يا بيه".
اقترب النقيب "مبارك" من الفتاة فأخبرته بكلمات غير مفهومة بينما أفصح المبلغ عن كواليس ما جرى للتو: "كانوا بيتغصبوها وهي صرخت فبلغت النجدة".
بالعودة إلى قسم شرطة الجيزة وصل المقدم مصطفى كمال رئيس وحدة المباحث مكتبه للتو بعد إبلاغه بالواقعة، وجه بسرعة البحث عن الشابين بالتنسيق مع قوات الإنقاذ بالجيزة بقيادة العقيد حازم الرفاعي.
العقاب السماوي لم يتأخر، غرق أحد المشكو في حقهما، وانتشلت القوات جثته، وتبين أنه يُدعى "محمد.ق" 33 سنة، بينما نجا الثاني وهرب عبر الجهة المقابلة، ليتم نقل جثمان المتوفى إلى المشرحة تحت تصرف النيابة العامة.
أحكم خلالها رجال الشرطة قبضتهم على مداخل ومخارج جزيرة بين البحرين بعد ورود معلومات سرية باختباء المتهم هناك بعيدا عن أعين الشرطة المنتشرة على شاطئ شارع البحر الأعظم.
في أقل من ساعتين تمكن المقدم مصطفى كمال ومعاونه الرائد هشام فتحي من ضبط المتهم الهارب في أثناء اختبائه بمنطقة الزراعات "الهيش" وتبين بالفحص أنه يدعى "عبدالغني" 30 سنة، مسجل خطر وهارب من قضايا مختلفة.
اقتادت القوات المتهم إلى ديوان القسم للتحقيق، فأدلى باعترافات تفصيلية لما جرى صبيحة اليوم المشؤوم، مشيرًا إلى أنه في أثناء تواجده والمتوفى على شاطئ الجزيرة، لاحظا تعثر خطوات الفتاة وكأنها تائهة لا تدري وجهتها، فاقتربا منها حيث اكتشفا أنها تعاني من إعاقة ذهنية.
"أنا معملتش حاجة، أنا كنت براقب الطريق بس".. يضيف المتهم أن صديقه اصطحب الفتاة إلى مشتل، وأجبرها على خلع ملابسها تحت تهديد سلاح أبيض "كزلك"، واعتدى عليها جنسيا قرابة 15 دقيقة.
انتظر "عبدالغني" شارة صديقه معلنة دوره في الجريمة، لكن صوت سارينة سيارة الشرطة اضطرهما للهرب: "شوفنا عربية البوكس جرينا ونطينا في المية.. أنا طلعت الناحية التانية وصاحبي غرق".
حالة من الصمت انتابت الفتاة صاحبة الـ20 ربيعًا، التي بدت مشدوهة الذهن بعدما خارت قواها من هول الموقف، ولم يحصل رجال المباحث أو النيابة العامة على تفاصيل ما جرى على لسان الفتاة التي التزمت الصمت منذ لحظة وصولها القسم، ليصف أحد رجال الشرطة حالتها: "ما حدش عارف ياخد منها كلمة".
تحفظت قوات الشرطة على الفتاة مجهولة الهوية بمفردها داخل غرفة بعيدة عن الحجز الخاص بالسيدات حرصا على سلامتها، ونظرًا لمرورها بأزمة نفسية من الواقعة تمهيدًا لعرضها على مصلحة الطب الشرعي لبيان تعرضها لاعتداء جنسي من عدمه.