بقلم:يوسف سيدهم
من الأمور المريحة والتي تدعو للتفاؤل أن نريد وعي المجتمع بالمعايير البيئية وإدراكه للممارسات والسلوكيات التي نتبعها في حياتنا ومدي إضرارها بالبشر وبالكائنات وبالنبات وبالطبيعة في بلادنا… فالعالم كله أصبح راصدا لما يحدق بعالمنا من أخطار علي المدي القصير وعلي المستقبل البعيد من جراء تلك الممارسات والسلوكيات ولا تتوقف الدراسات والتقارير والمؤتمرات التي تحذر من هذه الأخطار وتدعوا للتصدي لها وعلاجها.
القضية التي طفت علي السطح في الآونة الأخيرة وتنالوتها أقلام متعددة بالرصد والتحليل, حتي أن حكومتنا أولتها اهتماما خاصا دعاها لأن تتقدم بمشروع قانون بشأنها إلي مجلس النواب هي قضية النفايات البلاستيكية الناتجة عن شيوع استخدام مادة البلاستيك في مجالات عديدة من حياتنا دون امتلاكنا لسياسات أو خطط للحد من خطورتها أول لإعادة تدويرها حتي تراكمت واستفحلت وكادت تخرج عن حدود السيطرة… الأمر الذي اقتضي البحث عن تشريع يحد من الإنفلات في استخدامات البلاستيك وتنظيم كيفية التخلص الآمن من نفاياته بإعادة التدوير.
قبل أن أخوض فيما يقلقني بشأن هذه القضية دعوني أولا أشارككم في بعض ما تتناقله التقارير والدراسات والأنباء عن مدي استفحال كارثة نفايات البلاستيك, فنحن يبدوا أننا نستهين بأكياس وعبوات ومنتجات البلاستيك التي نلقي بها في القمامة بصفة يومية والتي تتراكم وتفاقم دون أن ندرك مدي خطورتها حتي نفاجأ بها تتجمع في أكوام هائلة تغطي مساحات شاسعة تعكس وضعا مخيفا توضح العجز عن التعامل معها أو التخلص منها.
فالتقارير نتحدث عن انتشار رهيب لنفايات البلاستيك في مجمعات القمامة وعلي الشواطيء في الأماكن الساحلية, وبينما جهود الفرز تتولي تجنيب النفايات الخاضعة لإعادة التدوير مثل الورق والكرتون والخشب والزجاج ـ وحتي النفايات العضوية تتعامل معها فتقذفها الرياح وتجذبها تيارات المد والجذر في البحار والمحيطات وتتلاعب بها الأمواج, وكنا نعتقد حتي وقت قريب أن تلك النفايات وزنها خفيف وتظل طافية علي صفحة الماء في تجمعات هائلة, لكن ما تم رصده مؤخرا وجسد مقدار الدمار الذي تحيقه بالبيئة هو أن التيارات البحرية تؤدي بشكل ما إلي انضغاط النفايات البلاستيكية الطافية وتحولها إلي كتل ثقيلة تغرق نحو القاع حيث تلتهمها الأسماك والحيتانوالكائنات البحرية فتؤدي إلي اختناقها وموتها, الأمر الذي يمثل كارثة طبيعية وبيئية بجميع المقاييس.
وبالرغم من التنوع الكبير جدا لمنتجات البلاستيك في حياتنا, تتجمع وتتركز أصابع الإتهام لتشير إلي الأكياس البلاستيك باعتبارها المتهم الأول في كارثة النفايات البلاستيكية, وترتفع الأحداث داعية للحد من استخدام الأكياس البلاستيك في التغليف والتعبئة نحو السيطرة علي هذا الوضع البائس… ولاأمر يبدو غريبا وبعيد المنال للكافة من فرض سطوة العبوات والأكياس البلاستيك علي حياتهم وتعاملاتهم وممارساتهم, لكن ما يزال الكثيرين منا الذين ينتمون إلي المراحل العمرية المتقدمة يذكرون جيدا عصر ما قبل البلاستيك حين سادت العبوات والأكياس الورقية والكرتونية, بل الأكثر من هذا حين كانت كل ربة منزل تجع إلي السوق معها شنطة جلد أو قماش تضع فيها ما تتسوقه… تلك ظواهر وعادات انكمشت وتآكلت باحتياج الأكياس البلاستيك للسوق, لكن دعوني أسجل أنه آن الآوان لاستدعائها مرة أخري في معرض تصدينا لكارثة نفايات البلاستيك ولسنا وحدنا في ذلك بل سبقتنا إليه كافة الدول المتقدمة التي انتهجت سياسات جادة وصارمة للحد من الأكياس البلاستيك تراوحت بين فرض رسم يدفعه المستهلك مقابل كل كيس بلاستيك توضع فيه مشترياته إلي استبدال الأكياس البلاستيك بالأكياس الورق إلي تشجيع حمل المشترين لحقيبة التسوق الخاصة بهم.
هذه هي أبعاد المشكلة وبعض سبل العلاج… لكنني أعدد إلي ما يقلقني عند التصدي لها هنا في مصر خاصة وإنني أسلفت أنها منظورة أمام مجلس النواب في صورة مشروع قانون مقدم من الحكومة… فمن السهل إصدار تشريعات تحد أو تمنع تداول الأكياس البلاستيك بدعوي حماية البيئة والسيطرة علي أضرار النفايات البلاستيكية, لكن ماذا نحن فاعلين في شأن صناعة ضخمة مستقرة توفر فرص عمل لملايين منالمصريين هي صناعة الأكياس البلاستيك وسائر الكوادر المرتبطة بها والتي ترزق من ورائها في مراحل التصميم والإعداد والإنتاج والتوزيع؟… هل لدينا احصائيات واضحة لحجم هذه الصناعة والعاملين فيها؟… هل لدينا رؤية جادة لكيفية إتباع سياسة تحويلية لإعادة توطين تلكل اصناعة وإعادة تسكين العاملين فيها؟… إن الإقلاع عن استخدام الأكياس البلاستيك مهما كانت الحاجة الماسة لها ومهما كانت الدوافع البيئية وراءها, لا يمكن أن تنجح دون إعادة تأهيل هذه الصناعة الضخمة وإعادة توجيه وتدريب العاملين فيها نحو منتج بديل يسد حاجة السوق ويمكن تدويره ولا يخلف أضرارا كارثية علي البيئة أو سوق الإستثمار أو فرص العمل