طارق الشناوي
سواء كنت فى القاهرة أو الرباط أو تونس، فإن السؤال سوف يتردد بلهجة مختلفة وبمفردات ربما أيضا مغايرة، إلا أنها تحمل بالضبط نفس المعنى، وهكذا وجدت سائق تاكسى فى مهرجان (المنارات) يفضفض معى عندما علم أنى جئت من مصر لكى أتابع المهرجان، فهو يسأل عن جدوى الفن، وهل الإنسان بحاجة إليه، فهو يردد مثل الآخرين أن الله خلق الإنسان فقط لكى يقيم الطقوس الدينية مستندين لقراءة قاصرة لتلك الآية فى القرآن الكريم (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، متجاهلين أن العمل عبادة والفن الجميل تبلغ ذروته عندما نردد (الله الله)، كثيرا ما جهرنا بصوت جماعى (الله الله يا ست) أو عندما نشاهد لوحة أو باليه أو نستمع إلى سيمفونية أو عندما يحرز محمد صلاح هدفا!!
فى العديد من الدول العربية ومع اختلاف فقط فى الدرجة تجد هؤلاء الذين يرفعون فى وجوهنا فتوى الشيخ محمد الغزالى المتزمت الذى يصفه البعض عنوة ولا أدرى كيف بالمستنير، وذلك عندما سألوه عن الغناء قال (أسمع أم كلثوم وهى تغنى أنا الشعب أنا الشعب، ولا أستمع إلى عبدالوهاب وهو يردد ليلنا خمر، صوت أم كلثوم ليس عورة، عبدالوهاب هو العورة)، لا يا شيخ، طيب عندما تقول أم كلثوم (خدنى لحنانك خدنى) تصبح عورة وعندما يقول عبدالوهاب (أخى جاوز الظالمون المدى) تزول عنه صفة العورة، ما هذه السطحية التى يتعاملون بها من نصفهم برجال الدين، وكيف لهم أن يوجهوا الإنسان الذى خلقه الله من مشاعر تنفعل بكل ما هو جميل، فلقد وهب الله عددا من عبادة القدرة على منح البشر هذا الوميض الساحر من الإبداع، كما أنه منح باقى البشر القدرة على التماهى مع الإبداع.
الشيخ الشعراوى باعتباره المرجعية التى يرفض البعض أى محاولة للتعامل معه كبشر، من الممكن أن يخطئ ويصيب، يستعيدون قوله (حلاله حلال، حرامه حرام) أى أن الغناء عاطفى حرام فلو قالت امرأة حتى لزوجها بحبك فإن الجهر بالحب معصية والعياذ بالله، بينما الحلال فقط فى الغناء الوطنى والدينى، وأحيانا يضرب المثل بالكأس تضع فيه الماء إذن بالهناء والشفاء، تضع فيه الخمر فسوف ينتظرك العذاب والجحيم وبئس المصير.
لا تتعجبوا من مثل هذه الأحاديث التى صارت تحتل الصدارة وتلاحقك فى العديد من الدول العربية، وأينما وليت وجهك، من المهم أن تُدرك كيف تواجه الخطر، وتملك أدوات التعامل معه، وأول الأسلحة هو الحرص على إقامة المهرجانات فى موعدها، وهكذا جاء الرهان على إقامة مهرجان (المنارات) فى طبعته الثانية فهو أحد أهم أسلحة المقاومة، برغم التفجيرات التى سبقت انطلاقه بأيام قلائل، وبلا أى تردد لبى الجميع الدعوة، وتزاحم الجمهور على كل الشواطئ التونسية، حيث إن المهرجان يتجاوز المدينة ليطل على كل حدود تونس مع البحر المتوسط.
وهو ما يجعلنا نتساءل: أين سينما الشاطئ فى بلدنا؟ لدينا مهرجان (الإسكندرية) عمره 40 عاما والجونة عامان، مع الأسف لم نفكر فى استثمار سينما الشاطئ بما لها من خصوصية، فهى ولا شك تستطيع جذب شريحة مختلفة من الجمهور، مثلما يحرصون فى مهرجان (كان) على إقامة عروض يومية بسينما الشاطئ، السينما تواجه القنبلة فى كل مكان فى دار العرض وعلى شاطئ البحر!!
نقلا عن المصرى اليوم