"الصلاة خير من النوم.. الصلاة خير من النوم".. بصوت عذب رفع مؤذن مسجد قريب من مكتب تابع لإدارة الطرق والمنافذ بطريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي أذان صلاة الفجر، يستيقظ القابعون في مقر خدمة تأمين أحد أشهر الطرق في بر مصر، لأداء الصلاة لكن أحدهم لم يدر بأنها ستكون الأخيرة قبل أن يلحق بالرفيق الأعلى.
الثالثة والنصف فجرا، فرغ المصلون من صلاة الجماعة، يعود الرائد خالد شبل الضابط بإدارة تنفيذ الأحكام التابعة لمديرية أمن الجيزة، إلى مقر خدمته مطالبا زملاءه باليقظة التامة. يعمد بعدها إلى تلاوة أذكار الصباح في طقوس يومية ثم نشر أدعية دينية عبر صفحته الشخصية على فيسبوك.
مع شروق الشمس بدت الأجواء طبيعية، تحسن نسبي في حالة الطقس، ينتظم أفراد خدمة تأمين الطريق الصحراوي "كمين بوابات الرسوم" كل في موقعه، لكن حالة الهدوء تبددت مع صوت عجلات سيارة نقل ثقيل تقترب بسرعة جنونية من المبنى الشرطي. اصطدمت السيارة بالكمين مقتحمة جدار المبنى من أحد الأركان.
دقائق معدودة، وانقلب المكان رأسا على عقب. اندلع حريق في مقدمة سيارة نقل محملة بأطنان من الأسمنت، وسيارة إسعاف كانت متوقفة بجوار المكتب الشرطي. تصاعدت أعمدة من الدخان الكثيف تجمع على إثرها قائدو السيارات المارة بالقرب من الكمين لتقديم المساعدة.
أبلغ المارة الشرطة.
فور تلقي البلاغ، انطلقت قوة أمنية من قطاع أكتوبر مدعومة بسيارات إطفاء وفريق إنقاذ بري تابع للإدارة العامة للحماية المدنية تحت إشراف اللواء دكتور مصطفى شحاتة مساعد وزير الداخلية لأمن الجيزة، الذي تابع تطورات الحادث عبر جهاز اللاسلكي لحظة بلحظة.
وقف رجال الشرطة مشدوهين، تسمر بعضهم في مكانه فاقدا القدرة على النطق للحظات محاولين استيعاب ما رصدته أعينهم للتو، اقتحمت السيارة النقل مكتب الشرطة فتهشم الجزء الأمامي منها فضلا عن اشتعال النيران في سيارة إسعاف، لكن كانت هناك طامة كبرى بانتظارهم: زميلهم الرائد شبل في رحاب ربه.
عانى الضابط بإصابات بالغة؛ إذ كان في مكانه داخل الكمين لحظة ارتطام السيارة بالمبنى.
وتمكن رجال الحمية المدنية بالجيزة من إخماد الحريق ومنع امتداده إلى جنبات المبنى التابع لإدارة الطرق والمنافذ، في الوقت الذي جرى نقل السائق المتسبب في الحادث وقائد سيارة الإسعاف ومرافقه إلى المستشفى للعلاج، ونقل جثمان الضابط إلى مستشفى الشرطة بالعجوزة لإنهاء إجراءات دفنه.
انتشر الخبر كالنار في الهشيم بين ضباط الشرطة العاملين في مديرية أمن الجيزة. تنافس الضباط فيما بينهم على سرد مواقف جميلة لا تنس جمعتهم مع "الضابط الجدع" -كما لقبه أحد زملائه. حرص آخرون على نشر صورة حديثة له يظهر خلالها مبتسما مرفقة بأدعية ورسائل رثاء. تزامن ذلك توافد قيادات أمنية على المستشفى للوقوف على إجراءات الدفن.
ثورة حب وعرفان انطلقت عبر صفحات ضباط الشرطة التي اتشحت غالبيتها بالسواد حزنا على وفاة زميلهم، الأمر الذى بدا جليا في حضور عدد كبير منهم لمراسم دفنه بالمقابر الواقعة بطريق الفيوم في نطاق مدينة السادس من أكتوبر.
تخرج الرائد "شبل" في كلية الشرطة عام 2004. وبدأ حياته المهنية بمديرية أمن الجيزة؛ فهو "ابن الجيزة" وشغل عدة مناصب طوال عمله في إدارات متنوعة بالمديرية تنوعت ما بين قسم مكافحة النشل ومكافحة جرائم النصب وإدارتي الطرق والمنافذ وتنفيذ الأحكام. وهو متزوج ولديه من الأطفال ثلاث: ولدان وبنت.
يوضح أحد الضباط-طلب عدم نشر اسمه- أن الرائد شبل كان يتمتع بحب واحترام الجميع منذ التحاقه بالعمل الشرطي، يتذكر مزاملته 4 سنوات طوال فترة الدراسة بكلية الشرطة. "كان قلبه حاسس، يقول الضابط وهو يشير إلى آخر ما نشره شبل على حسابه على فيسبوك: "يارب أنزل علينا لطفك أينما ذهبنا ويسر لنا الخير كلما طلبنا وأرزقنا من حيث لا نحتسب".