الأقباط متحدون | عادل حمودة يكتب : من يتستر على قتلة الأقباط فى مجزرة ماسبيرو؟
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٤:٣٨ | الثلاثاء ٢٢ نوفمبر ٢٠١١ | ١١ هاتور ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٨٦ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

عادل حمودة يكتب : من يتستر على قتلة الأقباط فى مجزرة ماسبيرو؟

الفجر | الاثنين ٢١ نوفمبر ٢٠١١ - ٠٤: ١٠ م +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

الطوائف المسيحية تتوحد فى صلاة الخوف من جبهة التيارات الإسلامية
بعد ساعات قليلة من أحداث ماسبيرو الدامية تسابقت المراكب الشراعية الراسية على شاطئ النيل هناك فى تغطية سطحها بحبال متشابكة من اللمبات الكهربائية الملونة.. دون أن تنسى مكبرات الصوت الصاخبة التى تذيع أغانى سخيفة هابطة.. ومع باعة السميط والكشرى وحمص الشام تحول المكان إلى مولد شعبى.. وكأنه لم يكن مسرحا لجريمة قتل ودهس جماعية بشعة انتهت بمجزرة طائفية.. كسرت ظهر الوطن.

كانت ذروة الأحداث يوم الأحد 9 أكتوبر الماضى حين سقط غارقين فى دمائهم 28 قتيلا و321 جريحا فى مأساة شكلت «نقطة تحول فارقة» هددت وحدة الوطن وشرخت سر تفرده وسحبت من مخزونه الحضارى.. وهى عبارات مستوحاة من التقرير المهم الذى صدر عن لجنة تقصى الحقائق التى رأستها منى ذو الفقار وضمت 13 عضوا من المجلس القومى لحقوق الإنسان.. بجانب 23 باحثا من لجنة الشكاوى فى المجلس.

والتقرير شديد الخطورة.. فريد فى جرأته وصراحته وشجاعته بدرجة لم يصل إليها تقرير مشابه من قبل.. فهو يشهد بالحق دون خوف من السلطة العسكرية التى وجه إليها أصابع الاتهام.. ودون مجاملة لجهاز الإعلام الرسمى الذى وصفه بالتضليل والتحريض واستعداء المسلمين على المسيحيين بما يوصف بالقتل على الهوية الدينية.

لكن.. رغم خطورة التقرير لم يتوقف أحد عنده طويلا.. لم يضغط أحد لتنفيذ توصياته الداعمة للوحدة الوطنية.. وهو ما جعل الطوائف المسيحية المختلفة تتوحد معا فى صلاة جماعية فى ذكرى «الأربعين» على أرضية دينية مشتركة ربما تواجه بها نفسيا توحد التيارات الإسلامية المثيرة للخوف من مستقبل مظلم.. وهو ما يعنى تمزق المجتمع لأسباب عقائدية لا سياسية.. مما يزيد من فرص الحرب الأهلية.. الطائفية لو وجدت من يشعل الفتيل.

إن الكنائس المسيحية الثلاث بينها خلافات مذهبية عريضة لكنها تناستها أمام شعورها بمستقبل مظلم فى البلاد.. فالتقت فى يوم «الرجوع إلى الله» كى تعلن للجانب الآخر أنها لن تترك الساحة ينفرد بها.. فالوطن ملك الجميع.

والحقيقة أن فشل سلطات البلاد الحاكمة فى التخفيف من متاعب المسيحيين وحسم قضية بناء كنائسهم لسنوات طوال كان السبب المباشر وراء ما جرى فى ماسبيرو.

والمؤكد أن الأحداث بدأت بمظاهرة سلمية ضمت 50 ألف مواطن قبطى ومسلم، وسارت أكثر من 6 كيلومترات من شبرا إلى ماسبيرو.. ورفعت شعارات تطالب بالمساواة فى بناء دور العبادة «يا طنطاوى ليه مش سامع.. الكنيسة زى الجامع».. وشعارات تندد بالشرطة العسكرية وتؤيد الدولة المدنية « مصر دولة مدنية مش إمارة إسلامية».. وعبر البعض عن رغبته فى الموت تحت الصليب الذى رفعه.. «شهيد تحت الطلب».

وعند نفق شبرا تعرضت المظاهرة للقذف بالحجارة من أعلى النفق من مدنيين مجهولين قادمين من السبتية وهم يرددون «إسلامية إسلامية» على صوت طلقات الرصاص.. وسيول الحجارة.. وضربات السيوف والجنازير.

وسنلاحظ أن المجهولين هم المجرمون المخفيون الدائمون فى هذا الحادث وفى غيره من حوادث سابقة (يوم تكريم الشهداء فى مسرح البالون ويوم مبارة الأهلى وكيما أسوان فى استاد القاهرة ويوم جمعة الغضب أمام السفارة الإسرائيلية).. ويثير المجهولون علامات استفهام سياسية وأمنية عن هويتهم ومصادر تمويلهم وعلاقاتهم بقوى الثورة المضادة.. وسكوت السلطات عنهم سواء عن جهل أو تواطؤ.. لا أحد طوال الشهور اللاحقة على الثورة اهتم فى الكشف عنهم.. ووضع يد العدالة عليهم.. وهو ما يعنى أن السيناريو سيتكرر مرات متعددة.. قادمة.

إن «المجهولين» هم الذين أطلقوا النار فى أحداث ماسبيرو على قوات الجيش وعلى المتظاهرين فى وقت واحد.. فكانت الفتنة التى وضعت الجانبين وجها لوجه.. فقد تصورت قوات الشرطة العسكرية أن المتظاهرين هم الذين يطلقون النار وهم الذين أشعلوا النار فى مركباتها.. فراحت ترد عليهم برصاص غير قاتل.. «الفشنك».. وإن تورطت فيما عرف بدهس الضحايا بسياراتها ليسقط 18 قتيلا وجريحا تحت عجلاتها.

ولعب الطابور الخامس دوره فى الشائعات التى زادت من حجم المأساة.. فانتشرت شائعة أن المسيحيين يقتلون جنود الجيش.. وانتشرت شائعة أخرى بأن الأقباط يحرقون المصاحف.. فخرجت مجموعات مدنية مجهولة (أيضا) لمواجهة المتظاهرين بالسيوف والمطاوى والسنج والسكاكين لم تتردد فى الاعتداء على كل مسيحى يصادفها دون تمييز.. وهم يهتفون «النصارى فين الجيش والشعب إيد واحدة».. وقال أحدهم: «مش انتوا اللى جايين تقتلوا الجيش إحنا اللى هنقتلكم».. وحدث ذلك «على مرأى ومسمع من قوات الجيش والأمن المركزى» التى أسعدها ذلك على ما يبدو.


المثير للدهشة أن هذه الأحداث وقعت أمام مبنى التليفزيون الحكومى بين نشرتى أخبار السادسة والتاسعة.. وكان متوقعا أن يستغل وزير الإعلام القادم من صحافة المعارضة (أسامة هيكل) هذه الفرصة ليستعيد التليفزيون موضوعيته وسمعته التى فقدها فى تغطية أحداث الثورة.. لكن.. ما حدث كان مؤسفا ومؤلما ومجرما.. فقر مهنى.. عجز تقنى.. وتناول طائفى.. فقد راح محرروه ومذيعوه يحرضون المسلمين على الأقباط بدعوى أنهم يرشقون جنود الجيش بالحجارة وزجاجات المولوتوف ويحرقون السيارات.. وتوالت الأخبار عن شهداء الجيش دون ذكر لضحايا الجانب الآخر.. وبدا الأمر وكأن هناك ثورة قبطية تجتاح مصر على عكس الحقيقة.. وهو ما ضاعف من حمية جماعات سلفية وصل عددها إلى خمسة آلاف شخص تجمعوا من أجل الذهاب إلى ماسبيرو لتصفية المسيحيين وحدث بالفعل قتل عشوائى بعد التعرف على الهوية الدينية.. والغريب أن لا أحد عوقب بجريمة التحريض وهى جريمة منصوص عليها فى القانون.

والحقيقة أن أحداث ماسبيرو كانت ذروة المأساة القبطية فى مصر.. فمنذ عام 1970 وكنائسهم تتعرض للتخريب والحرق.. ومحال الذهب التى يمتلكونها تتعرض للسطو المسلح من قبل التنظيمات الإسلامية المسلحة.. بجانب تكفير معلن من جماعات سلفية.. راحت تدوس صورة البابا شنودة فى مظاهرات مفتعلة بتحريض من جهاز أمن الدولة السابق لتسليم قبطيات بدعوى إسلامهن.

وتكاد لا توجد محافظة فى مصر لم تتعرض فيها الكنائس للاعتداء.. أخميم.. الخانكة.. الزاوية الحمراء.. أبوقرصاص.. ديروط.. صنبو.. الكشح.. الإسكندرية.. المنيا.. نجع حمادى.. وغيرها.. وما ضاعف من حجم الكارثة أن مسلسل الهجوم على الكنائس لم يتوقف بعد ثورة 25 يناير.. ولم يتطوع أحد من ورثة حكم مبارك فى حسم المشكلة المزمنة.. وبقى قانون دور العبادة الموحد.. أو قواعد بناء الكنائس فى ذمة الله.

وفى غياب الأمن وزيادة التعصب الدينى برز خطاب دينى متشدد من قيادات تنتمى لفصائل متنوعة للإسلام السياسى.. اختلفت فيما بينها عقائديا.. واتفقت على المواجهة المسيحية.. فكان من الطبيعى أن تتشكل على الجانب الآخر قوى تدافع عن جنسيتها وعقيدتها ومصالحها.. مثل اتحاد شباب ماسبيرو الذى نظم مظاهرة يوم الأحداث الأخيرة التى انتهت بضربات موجعة على ظهر العمود الفقرى للوطن.. وبفضيحة حضارية شوهت سمعته فى أنحاء الكرة الأرضية.

لقد شهدت أحداث ماسبيرو انتهاكا لحق الحياة بإطلاق النار على الرأس والصدر فيما يوصف بجرائم القتل العمد.. واستخدمت ذخيرة حية فى فض التظاهر من قبل قوى مجهولة لم يفكر أحد فى تعقبها وكشفها.. واستخدمت مركبات عسكرية فى تفريق المتظاهرين انتهت بالدهس والموت تحت العجلات.. فى سابقة لم تحدث من قبل وضعت الجيش فى حرج شديد لم يستطع تجاوزه حتى الآن.. وسمحت الشرطة العسكرية بعبور بلطجية يرددون شعارات طائفية للاعتداء على أبرياء بسبب ديانتهم المسيحية.. يضاف إلى ذلك إتلاف ممتلكات عامة وخاصة أكدت عجز القوات المسئولة عن حمايتها.

واللافت للنظر أن النيابة العسكرية هى التى تولت التحقيق فى الحادث وهو ما يشكك فى موضوعيتها باعتبار أنها تمثل القوات المسلحة التى كانت طرفا متهما فيه.. وكان المناسب وضع التحقيق بيد لجنة قضائية مستقلة حتى تستبعد شبهة عدم الحياد.

ولو كان التحريض جريمة حسب قانون العقوبات، فإن التقرير أوصى بفتح تحقيق جنائى للمسئولين فى التليفزيون من الوزير إلى الخفير.. وتجنب ذلك نوعا من التسيب الذى يجعل الجانى يفر بما ارتكب.. ويشجعه على تكراره.. ويضع ريشة فوق رأس مسئول حكومى كان يجب ضرب المثل به قبل غيره.

وأخيرا يطالب التقرير الدولة بصرف تعويضات للشهداء والضحايا وتحمل نفقات استكمال المصابين بجانب ترضية المضارين بتدمير سياراتهم.

وفى ختام هذا التقرير فإن لجنة تقصى الحقائق ترى أن الأحداث الجسيمة بقدر ما تطرح من تحديات فإنها تفتح المجال لفرص الإصلاح الجذرى.. فقد نبهت أحداث ماسبيرو بما لا يدع مجالا للشك أن سياسة التراخى والإرجاء فى إقرار إجراءات لحل جذرى للأحداث الطائفية وسياسة تجزئة الحل أصبحت غير مجدية وأنه قد آن الآوان لاتخاذ إجراءات جدية وفورية للتفاعل مع هذه القضية على نحو يكفل حقوق مواطنة متساوية للجميع وإعمال حاسم لسيادة القانون وتفاعل جاد مع جذور المشكلة بأوجاعها الثقافية والاجتماعية والسياسية.

لكن.. كل هذا الكلام ظل حبرا على ورق.. مجرد تقرير والسلام.. فلا جهة سيادية واحدة سمعت أو قرأت أو استوعبت ما فيه.. بل على العكس زادت النعرات الطائفية السلفية والجهادية لتكون أرضية فوز فى الانتخابات التشريعية القريبة.. دون أن يتدخل أحد لتطبيق القانون الذى يمنع الدعاية بعبارات دينية.. وهو بالقطع ما حرض الجانب المسيحى على التوحد معا لمواجهة التحالف الإسلامى المضاد.. فكان قداس المقطم الشهير.. ورغم أنه كان دعوة إلى الله بحماية الوطن فإنه ودون قصد واجه الطائفية بطائفية.. بما يهدد إشعال النار فى الحطب الجاف بأصغر عود كبريت.. وهذا هو الخطر الأعظم على مصر




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.
تقييم الموضوع :