فى مثل هذا اليوم 30يونيو1815م..
سامح جميل
تم توقيع المعاهدة مع الجزائر في 30 يونيو 1815، بين الولايات المتحدة الأمريكية و"الساحل البربري" لمدينة الجزائر، والذي كان شكليًا جزءًا من الإمبراطورية العثمانية. وكما تنص المعاهدة في المادة الأولى:
يجب أن نستخلص من هذه المعاهدة سلامًا عالميًّا راسخًا ومتينًا وصداقة بين الرئيس والمواطنين في الولايات المتحدة الأمريكية من جانب، والداي (لقب حاكم الجزائر) والرعية في مدة وصايته على الجزائر في الساحل البربري من جانب آخر، وهو السلام الناتج عن الموافقة الحرة من كلا الطرفين وبناء على شروط الدول الأكثر تفضيلاً؛ وإذا منح أي طرف منهما مستقبلاً لأي دولة أي مصلحة خاصة أو امتياز في الملاحة أو التجارة فيسري هذا الأمر فورًا على الطرف الآخر ولها الحق في منح هذا الامتياز لأي دولة أخرى بحُرية؛ ولكن عندما يكون المنح مشروطًا، فيجب أن يكون في خيار توافق من خلاله الأطراف المتعاقدة على هذه الشروط أو تغيرها أو ترفضها وبطريقة تكون تقدم أفضل مساعدة لمصالح كل منهما.
صدقت عليها الولايات المتحدة في 26 ديسمبر 1815......
سعت الولايات المتحدة الأمريكية الى عقد معاهدة مع الجزائر التي كانت اقوى النيابات العثمانية آنذاك حفاظاً على سلامة السفن التجارية الأمريكية في البحر المتوسط. فبعد انتصارهم على الإسبان وعقد معاهدة معهم عام 1783م، أُتيح للجزائريين التحرك بحرية أكبر في البحر المتوسط و المحيط الأطلنطي بعدما فُتح أمامهم مضيق جبل طارق، فاستولى الجزائريون على سفينتين أمريكيتين عام 1785 وزادت حصيلتهم من الأسرى الأمريكيين.
أرسلت الولايات المتحدة مندوبا عام 1786 يدعى جون لامب فدخل في مفاوضات مع الداي محمد باشا فوافق الأمريكيون على دفع مبلغ عشرة آلاف دولار مع أن الداي كان قد طالب ب59464 دولار.
ورغم غلق البرتغال لمضيق جبل طارق أمام البحرية الجزائرية و تقديم الحكومة البرتغالية الحماية للسفن الأمريكية إلا أن السفن الجزائرية استطاعت الإستيلاء على 11 سفينة أمريكية في عام 1793 وبلغ عدد الأسرى الأمريكيين 150 أسيرا. وقد أدى هذا الى إحداث إثارة كبيرة في الولايات المتحدة وبذلت المساعي من أجل حل هذه المسألة. فأقر الكونجرس في عام 1794 إنشاء اسطول مكون من 6 سفن أمريكية لاستخدامها ضد الإعتدءات المعادية في البحر المتوسط . ورغم إقرار أسلوب القوة الا أن وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الجديد ادمون راندلوف اضطر لتخصيص مبلغ 800 ألف دولار لتحقيق السلام وتخليص الأسرى لدى الجزائر.
وفي عام 1795 سافر المندوب الأمريكي جوزيف دونالدسون إلى الجزائر للإتفاق على عقد معاهدة "الصداقة و السلام" بين الولايات المتحدة و الجزائر في 5 سبتمبر 1795 . و تم الإمضاء على المعاهدة رغم تحريض بريطانيا للداي على الإستمرار ضد النشاط التجاري الأمريكي من أجل القضاء عليه من ناحية، وتحجيم دور فرنسا من ناحية أخرى.
أما أهم مواد المعاهدة فهي أن تدفع الولايات المتحدة للجزائر إتاوة سنوية مقدارها 12 ألف من الذهب الجزائري مع إمكانية أن يتم الدفع عينيا، كأن يقوم الجانب الأمريكي بإعطاء الجزائر ما تحتاجه من معدات بحرية، و سواري السفن ولوازمها من حبال ، وأخشاب فضلا عن بعض المدافع والبارود على أن يتم حساب أثمانها من الأتاوة السنوية، وفي حالة الزيادة أو النقصان يتم التعويض.
وحدث تأخير من قبل الولايات المتحدة في إرسال ما تم الإتفاق عليه مع الجزائر فظن الداي أن الأمريكيين غير جادين في تنفيذ المعاهدة. و أبلغ المندوبين الأمريكيين بضرورة المغادرة خلال أيام وإذا لم يتم التسليم خلال شهر فسيلغي المعاهدة ويعلن الحرب. فلجأ المندوبان الى أحد كبار التجار اليهود من آل بكري للتوسط لدي الداي لزيادة المهلة بعد أن حاولوا استمالة الداي بالوعد بإهداء سفينة إلى ابنته. فوافق الداي على زيادة المهلة إلى ثلاثة أشهر فقط. و وعدت الولايات المتحدة بإرسال اللازم في صيف عام 1797. و في عام 1800م وصلت السفينة الأمريكية جورج واشنطن الى الجزائر تحمل الإتاوة السنوية.
استمرت العلاقة بين الجزائر و الولايات المتحدة تسير في ظل معاهدة 1795 م رغم حدوث بعض التوتر بسبب التأخر في إرسال الإتاوة الى الجزائر، أو المعدات الحربية، والذي وصل في بعض الأحيان إلى التهديد والإستيلاء على السفن الأمريكية. وقد إزداد الأمر سوءا عند اندلاع الحرب الأمريكية البريطانية عام (1812 – 1814) الأمر الذي أدى الى توقف التجارة الأمريكية البحرية في البحر المتوسط.
وبعد انتهاء الحرب الأمريكية البريطانية قررت الولايات المتحدة حل مسألة الجزائر بصفة نهائية حيث كانت متأكدة من أنها ستجبر الجزائر على الرضوخ لمطالبها بسبب تدهور الأوضاع الداخلية في الجزائر نتيجة للصراع بين الدايات والإنكشارية فضلا عن أن الولايات المتحدة حاولت الإستفادة من قرارات مؤتمر فيينا عام 1815 م والذي قررت فيه الدول الأوروبية إنهاء الإعتدءات على السفن في البحر المتوسط. فأعلن الرئيس الأمريكي جيمس ماديسون في عام 1815م الحرب على الجزائر وتم إعداد اسطولين لهذا الغرض.
و بدأت الحرب بين الطرفين في ظل ظروف غير متكافئة، وانتهت بإنتصار الأسطول الأمريكي، وجرت المفاوضات لعقد المعاهدة في 30 يونيو 1815م بناء على الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة من أهمها عدم دفع الأمركيين إتاوة سنوية للجزائر. ووافق الداي عمر باشا مقابل رد السفينتين الجزائريتين التي لم تعودا الى الميناء بعد اعتدأت الأمريكيين عليهما، وأثناء ذلك كانت الأمور تتطور لصالح الولايات المتحدة حيث قام الأسطول الهولندي – البريطاني بقصف مدينة الجزائر عام 1816م وإجبارها على قبول مطالب بريطانيا مما زعزع من مكانة الجزائر. وأخذ الأسطول الأمريكي يظهر أمام سواحلها مستغلا الهزيمة، ولم يكن لدى الداي قوة تمكنه من مقاومة الأسطول الأمريكي، ولهذا اضطر الى عقد معاهدة مع الولايات المتحدة طبقا لشروطها في 22 ديسمبر 1816م ومن أهم موادها عدم دفع الأمريكيين أية أتاوة للجزائر اعتبارا من ذلك التاريخ، وعدم إعادة السفينتين الجزائريتين.
وبعد توقيع هذه المعاهدة لم يحدث بين الولايات المتحدة والجزائر أية أحداث ذات أهمية، ولعل ذلك يعود إى ازدياد تدهور الأوضاع الداخلية للجزائر مما مكن الولايات المتحدة من زيادة تدعيم وجودها في البحر المتوسط.!!