سليمان شفيق
هل تؤدي النزاعات الاثنية الي حرب اهلية جديدة ؟
دخلت اثيوبيا منحني عنف جديد قد يؤدي بها الي حرب اهلية جديدة ، وتوالت احداث العنف خلال السنتين الاخيرتين ، حيث أعلنت متحدثة باسم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد صباح امس الأحد مقتل رئيس أركان الجيش سياري ميكونين ورئيس ولاية أمهرة، ثاني أكبر الولايات من حيث عدد السكان في البلاد، في محاولة انقلاب عسكري بالولاية تعكس عدم الاستقرار السياسي الذي يعيشه هذا البلد الواقع في القرن الأفريقي حيث يحاول رئيس الوزراء آبي أحمد القيام بإصلاحات
وقالت المتحدثة للصحافة إن "فرقة قتل" يقودها رئيس الأمن في أمهرة (شمال غرب) اقتحمت اجتماعا بعد ظهراول امس السبت، فأصابت رئيس الولاية أمباشو ميكونين إصابة قاتلة وجرحت مسؤولاً كبيراً آخر، ثمّ بعد قليل قتل رئيس هيئة الأركان الجنرال سياري ميكونين من قبل حرسه الشخصي، في عملية وصفتها المتحدثة بأنها "هجوم منسق".
ونشبت هذه الاضطرابات الأخيرة في ولاية أمهرة، وهي واحدة من الولايات التسع ذات الحكم الذاتي في البلاد، حينما اقتحم مسلحون قادهم رئيس أمن الولاية اجتماعاً لمسؤولين كبار بعد ظهر السبت، وفق ما أكد مكتب رئيس الوزراء أمس الأحد.
وقدمت المتحدثة باسم الحكومة بيلنيه سيوم مزيدا من التفاصيل للصحافة قائلة إن حاكم ولاية أمهرة أمباشو ميكونين ومسؤول كبير آخر "أصيبا بجروح خطرة قبل أن يتوفيا متأثرين بجروحهما" التي أصيبا بها في هجوم قاده رئيس الأمن في ولاية أمهرة أسامينو تسيغي. وأشارت المتحدثة إلى "محاولة انقلاب" في الولاية. وأضافت المتحدثة "بعد ساعات من ذلك، وفي هجوم منسق على ما يبدو، قتل رئيس هيئة الأركان الجنرال سياري ميكونين بيد حارسه الشخصي في منزله" في العاصمة أديس أبابا. وقتل جنرال متقاعد كان يزور رئيس هيئة الأركان أيضاً في العملية.
وأوقف الحارس الشخصي الذي أطلق النار، لكن رئيس أمن ولاية أمهرة أسامينو تسيغي تمكن منة،وقطعت خدمة الإنترنت في كافة أنحاء البلاد منذ مساء السبت. وكانت هذه الخدمة مقطوعة غالبية الوقت الأسبوع الماضي. وقال صحفي في العاصمة المحلية لولاية أمهرة بحر دار لوكالة فرانس برس إن إطلاق نار بدأ مساء في المدينة ثم تواصل لساعات بعد ذلك قبل أن يتوقف.
وأصدرت السفارة الأمريكية في إثيوبيا سلسلة تحذيرات للرعايا الأمريكيين المقيمين في البلد بعد ورود معلومات عن حصول إطلاق نار في العاصمة أديس أبابا ووقوع أعمال عنف في بحر دار. واعتبر المحللين أن هذه الأحداث الأخيرة تعكس مدى خطورة الأزمة التي تشهدها إثيوبيا حيث أدت محاولات رئيس الوزراء إضعاف قبضة أسلافه الحديدية والقيام بإصلاحات إلى موجة من الاضطرابات.
ولاية أمهرة وعمق الازمة :
ورأى وليام دافيسون المحلل من مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية أن "هذه الأحداث المأساوية تثبت للأسف عمق الأزمة السياسية في إثيوبيا"، وأضاف "من المهم الآن ألا يزيد اللاعبون على الساحة الوطنية من عدم الاستقرار بالرد بطريقة عنيفة أو محاولة استغلال الوضع لأهدافهم السياسية الخاصة".
وتقع ولاية أمهرة في الأراضي المرتفعة الشمالية في إثيوبيا وهي موطن الإتنية التي تحمل الاسم نفسه، كما أنها مسقط رأس العديد من أباطرة البلاد، ومصدر اللغة الوطنية الأمهرية. وتعدّ إتنية الأمهرة ثاني أكبر مجموعة إتنية في البلاد بعد الأورومو. وكانت كلاهما على أمد عامين في طليعة تظاهرات مناهضة للحكومة أدت إلى استقالة رئيس الوزراء السابق هايلي مريام ديسالين
ووصل آبي أحمد وهو من إتنية الأورومو إلى السلطة في أبريل 2018. وتلقى الثناء على سلسلة جهود قام بها لإصلاح البلاد التي لم تعرف في السابق إلا الحكم السلطوي للأباطرة والديكتاتوريين. ونفذ آبي إصلاحات اقتصادية وسمح للمجموعات المنشقة بالعودة إلى البلاد، كما سعى للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان وأوقف عشرات المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين
وعقد أيضاً اتفاق سلام مع إريتريا المجاورة، العدو القديم لإثيوبيا، غير أن إضعاف القبضة الحديدية التي كانت تمسك بالبلاد تسبب بانطلاق موجة من الاضطرابات
صراعات اثنية ودينية مختلطة :
ويقسّم دستور إثيوبيا لعام 1995، الذي أعدته "الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية" بعدما أطاحت بالمجلس العسكري (ديرغ) عام 1991، البلاد إلى تسع ولاية ذات حكم ذاتي، تتبع حدودها تمركز الجماعات الإتنية، و"الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية" نفسها هي ائتلاف بين أربعة أطراف من أوروميا وأمهرة وتيغراي ومنطقة الأمم الجنوبية.
ويرى مراقبون أن خطط آبي تنظيم انتخابات في عام 2020 أثارت اضطرابات في السياسة المحلية حيث تتنافس أحزاب محلية أخرى على السلطة مع "الجبهة الثورية". كما شهدت البلاد ارتفاعاً في النزعة القومية الإتنية.
وانفجرت أيضاً الاضطرابات الإتنية القديمة بين نحو 80 مجموعة إتنية في البلاد التي تتواجه غالباً حول استغلال الأراضي ومواردها في ثاني أكثر بلد مأهول في أفريقيا
ونزح نحو مليون شخص على خلفية مواجهات إتنية، يرجعها المحللون لأسباب عدة، بينها إضعاف حكم ائتلاف "الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية" ومحاولة جماعات مختلفة استغلال الفرص الناتجة عن الانتقال السياسي
وفي مناطق أخرى، قتل العشرات في الأشهر الأخيرة في مواجهات بين مقيمين في شمال ولايتي بنيشنقول قماز وأمهرة. وفي عام 2018، أطلق سراح رئيس الأمن أسامينو تسيغي المتهم بأنه خلف الاعتداء في أمهرة، حيث كان مسجوناً منذ عام 2009 لمشاركته في إعداد انقلاب مجموعة "غينبوت 7" المعارضة المسلحة. ويصفه المحلل وليام دافيسون بانه من المتشددين لإتنية أمهرة
وتأتي محاولة الانقلاب بعد عام من تفجير قنبلة في تجمع، كان يلقي خلاله آبي خطاباً، قتل فيه شخصان.
التعددية الدينية واثرها في الصراع
نعود الي التعددية الدينية في اثيوبيا : وطبقاً لآخر إحصاءٍ وطني للسكان 2007 ،يشكل المسيحيون 66.5% مِنْ سكانِ البلادِ (43.5 % أرثوذكسي أثيوبي، 19.3% طوائف أخرى كبروتستانت وكاثوليك)، مسلمون 30.9%، وممارسو المعتقداتِ التقليديةِ 2.6% ـ كتابَ حقائق وكالة المخابرات المركزيةِالامريكية ــ. المسيحية أرثوزكسية لَها تاريخ طويلة في إثيوبيا تَعُودُ إلى القرن الأولِ، ولها حضور مهيمن في وسط وشمال إثيوبيا، والبروتستانتية لَها وجود كبير في جنوب وغرب إثيوبيا. هناك أيضا مجموعة قديمة صغيرة مِنْ اليهود، (يسمون ب بيت إسرائيل)، يَعِيشُون في شمال غرب إثيوبيا، مع ذلك أكثرهم هاجرَ إلى إسرائيل في العقود الأخيرة للقرنِ العشرين كجزء مِنْ مهماتِ الإنقاذِ التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية، عملية موسى والعملية سليمان يَعتبٍر بَعْض العلماءِ الإسرائيليينَ واليهودِ هؤلاء اليهود الأثيوبيينِ بأنهم القبيلة الإسرائيلية المفقودة، وبدأ الاسلام في اثيوبيا 615 م ، ويصل عدد المسلمين الي 25 مليون ويعد الديانة الثانية بعد المسيحية .
اما عن التعدد القبلي والعرقي فالقومية الأمهرية: تنتشر في شمال البلاد، تقدر نسبتها بـ 25%، حكمت البلاد لعقود، ومن أبرز السياسيين الذين ينتمون إليها الإمبراطورهايليسيلاسي، وقبله الإمبراطور مينيليك (1889-1913)، وبعده نظام “ديرج” لمينغيستوهايلي مريم هيمنت هذه القومية على جميع القوميات الأخرى وجعلوا لغتهم لغة البلاد الرسمية، استعادت السلطة من التجريين الذين يقطنون ولاية تجرى بوصول مينيليك الثانى إلى الحكم عام 1889 ، والأمهرية هي لغة جمهورية إثيوبيا الفدرالية الديمقراطية، حيث تعتمد في المراسلات الرسمية، وهي لغة الجيش الإثيوبي ولغة الماركات التجارية وغيرها.
القومية الصومالية: تقدر نسبة هذه القومية بنحو 6.2%، ويقطن سكانها في إقليم أوغادين الذي يعرف بالإقليم الخامس بحسب التقسيم الإداري الإثيوبي، وقد ضُمَّ إلى إثيوبيا منذ عام 1954.. تنتمي الغالبية العظمى من السكان إلى الأعراق الصومالية، وخاصة قبيلة الأوغادين إحدى قبائل الدارود، كما توجد فيه جماعات الدناكل، وهناك جالية عربية استقرت في المنطقة واختلطت بالسكان منذ عهد قديم. طائفة تيغراي: تقطن منطقة صغيرة تقع على حدود البلاد الشمالية مع إرتيريا، تشكل نحو 6.1% من سكان إثيوبيا، ورغم ذلك فهي العرقية التي تحكم إثيوبيا منذ تولي ميليسزيناوي السلطة عام 1991. وتسيطر تيغراي على قوات الجيش، إذ إن نسبة 99% من ضباط قوات الدفاع الوطني من هذه الطائفة، ونسبة 97% منهم من نفس القرية، فيما عدا رئيس الوزراء المستقيل، هيلاميريامديسيلين الذي ينتمي إلى طائفة “وولايتا” التي تشكل معظم سكان منطقة الأمم والجنسيات والشعوب الجنوبية.
ولم يكن لعرقية التيغراي تأثير على الحياة السياسية، لكونهم لا يشكلون حجما سكانيا يحسب له، غير أن بروز “الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي” بزعامة زيناوي عام 1989، قلب المشهد السياسي في البلاد، حيث تولى زعامة البلاد من عام 1991 حتى وفاته 2012. ولازالت الخيوط الاثنية والقبلية تتشابك وتدفع لمزيد من العنف المنتظر .