د.عبدالخالق حسين
أغلب الكتاب والمحللين السياسيين يرون أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيشن الحرب على إيران، ومن بين هؤلاء الكتاب الصديق الأستاذ علاء الخطيب في مقاله الموسوم: (هل يريد ترامب الحرب على ايران؟)، جاء فيه: أن "ترامب يريد الحرب فهو على يقين بدونها لن يحصل على فترة رئاسية ثانية، ولن يحصل على تأييد اللوبي اليهودي في امريكا."(1).
أعتقد العكس هو الصحيح، إذ يخبرنا التاريخ القريب، أن الرؤساء الغربيين الذين شنوا حروباً و رغم ما حققوه من انتصارات في تلك الحروب، إلا إنهم خسروا في الانتخابات، مثل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ونستن تشرشل الذي أنتصر في الحرب العالمية الثانية على ألمانيا الهتلرية، والرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، في حرب تحرير الكويت من الغزو الصدامي.
لذلك أعتقد أن دخول ترامب في الحرب على إيران سيقلل من نصيبه في الفوز بالانتخابات القادمة حتى ولو حقق نصراً خاطفاً في الحرب. فترامب أوفر حظاً للفوز في الانتخابات بدون حرب، وذلك لكونه يميني متطرف في وقت تشهد الدول الغربية، وخاصة أمريكا، تصاعد موجة اليمين المتطرف، وأغلب الظن أن ترامب سيفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة بسبب شعبويته، والعزف على وتر (أمريكا أولاً)، وما حققه من مكاسب اقتصادية آنية، وموقفه المتشدد من الهجرة، وإلغائه الاتفاق النووي مع إيران من طرف واحد. وإذا ما خسر في الانتخابات القادمة وجاء بديله خصمه من الحزب الديمقراطي، فسيقلب المعادلة رأساً على عقب في أغلب السياسات التي اتخذها ترامب، وخاصة إعادة العمل بالإتفاق النووي مع إيران. وهذا ضد مصلحة إسرائيل واللوبي الصهيوني في أمريكا. كذلك الشعب الأمريكي، وكبقية شعوب العالم، ليس مع الحرب، لا مع إيران ولا مع غيرها. وهذه الحقيقة يعرفها ترامب جيداً، لذلك يحاول قدر الإمكان تجنب الحرب، رغم تعرضه لضغوط من قبل لوبيات و مؤسسات عسكرية وشركات مصانع الأسلحة، تطالبه بشن حرب على إيران كما أعلن في تصريح سابق، رابط الفيدو في الهامش.(2)
إلا أن هناك مخاطر إنفجار الحرب بالخطأ دون إرادة ترامب أو إيران، كما حصل في حادث يوم الخميس 20 حزيران/ يونيو الجاري، عندما قامت القوات الإيرانية بإسقاط طائرة تجسسية أمريكية بدون طيار في أجوائها الإقليمية في مضيق هرمز، حيث أفادت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين رفيعين في البيت الأبيض أن الرئيس دونالد ترامب أقر تنفيذ ضربات عسكرية ضد أهداف إيرانية كرد على إسقاط الطائرة لكنه تراجع عن قراره فجر الجمعة لحظة تنفيذها.(3 و4)
وقد حاول ترامب إيجاد العذر عن تراجعه السريع لحظة التنفيذ، إذ قال أن إسقاط الطائرة المسيرة ربما كان بقرار بعض الجنرالات الإيرانيين الميدانيين وليس بأوامر مباشرة من القيادة العليا للدولة الإيرانية! وأنه أي ترامب لا يريد أن يقتل 150 عسكري إيراني مقابل إسقاط إيران طائرة بدون طيار. أما الإعلام الرسمي الإيراني فقد صرح بأن الطائرة قد خرقت سيادة الدولة الإيرانية، وأن إيران مستعدة للدفاع عن أراضيها ومياهها وأجوائها بكل الوسائل المتاحة وبأي ثمن.
والجدير بالذكر في هذه المناسبة، أن أمريكا أسقطت طائرة نقل جوي مدني إيرانية تنقل 290 راكباً (طاقم الرحلة و مسافرين)، عام 1988، أيام الحرب العراقية-الإيرانية، حيث كانت أمريكا منحازة إلى صدام حسين في تلك الحرب العبثية، ما تسبب بمقتل جميع الركاب (290 شخصا)، وغرقت في مياه الخليج.
فالحالة هذه نجد من السخف والتهور أن تشن أمريكا حرباً مدمرة على إيران بسبب إسقاط الأخيرة طائرة تجسسية مسيرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هو لماذا أصدر ترامب قراره بضرب أهداف إيرانية، ثم أسرع بإلغائه لحظة تنفيذه؟
الجواب هو، أن ترامب ألغى القرار لأنه يعرف جيداً أن إيران ليست كالعراق في عهد صدام، فإيران منذ نهاية الحرب العراقية-الإيرانية، أعطت الأولوية إلى تقوية وسائلها الدفاعية والهجومية إلى أقصى حد ممكن بما فيه برنامجها النووي، وربما إيران الآن تمتلك السلاح النووي.
كذلك أرسلت إيران بإسقاطها الطائرة الأمريكية المسيرة، رسالة إلى الأمريكان أنها تمتلك التكنولوجية الحربية المتطورة. كما و يعرف ترامب، ومعه الإدارة الأمريكية، أن الحرب مع إيران ستشمل المنطقة كلها بما فيها إسرائيل، وستلحق أشد الأضرار بمصالحها، ومصالح حلفائها في المنطقة، فلإيران أذرع قوية مثل حزب الله اللبناني، والحوثيين في اليمن، ومليشيات شيعية موالية لها في العراق.
لذلك لا يريد ترامب إشعال حرب مدمرة للمنطقة تكون أمريكا وأصدقائها خاسرة أيضاً. وهناك من يصف ترامب بأنه (أوباما في ثوب ذئب)، في إشارة إلى أن أوباما كان ضد الحروب، وكذلك ترامب رغم مظهره بأنه يدعو إلى الحروب.
ولكن في نفس الوقت يرى ترامب نفسه في ورطة عندما ألغى الاتفاق النووي الدولي من جانب واحد مع إيران وبدون أي مبرر قانوني، فقط لإرضاء إسرائيل واللوبي اليهودي في واشنطن، لذلك يحاول الآن أن يضغط على القيادة الإيرانية للمجيء إلى مائدة المفاوضات ليتوصل معهم إلى حل مرض يحمي به ماء وجهه. ولهذا السبب أعتقد أنه ربما أوامر ترامب للقوات الأمريكية المتواجدة في الخليج بضرب أهداف إيرانية، ثم الإسراع بإلغاء القرار في فجر يوم الجمعة لحظة التنفيذ، ما هي إلا مسرحية يراد بها حرب الأعصاب، عسى ولعل إقناع إيران أن تقبل بالتفاوض. ولكن القيادة الإيرانية بحكم أيديولوجيتها الدينية ليست بمزاجية التفاوض.
وما يجدر ذكره أن حذر أعضاء بارزون في الحزب الديمقراطي الأمريكي الرئيس دونالد ترامب من مخاطر "الانجرار" إلى حرب مع إيران. وقال تشاك شومر زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ إن "الرئيس ربما لا يعتزم الذهاب إلى الحرب، لكننا قلقون من أن ينجر هو والإدارة إلى حرب".
وبناءً على كل ما سبق، نعتقد أنه لا إيران ولا أمريكا تريد الحرب، والمطالبون بالحرب هم: إسرائيل، واللوبي اليهودي في أمريكا، والسعودية ودولة الإمارات. وهؤلاء سوف لن يكونوا بمنجى من أضرار هذه الحرب فيما لو اندلعت عن قصد من الإدارة الأمريكية أو بطريق الخطأ.