أثناء اصطحابى ابنتى «مريم» فى زيارة لمتحف الطفل للإبداع فى «مصر الجديدة»، لفت انتباهى وجود مجموعة من الفتيات أعمارهن متقاربة وبصحبتهن شابتان فى العشرينيات، سألت فتاة: هل هن عائلة واحدة أم أصدقاء؟، فأخبرتنى بأنهن طالبات فى «مدارس الأحد» وأنهن يقمن بزيارة المتحف ضمن نشاط المدرسة.. وكنت أعرف من «مريم» وهى طالبة فى مدرسة الميرديديو أن صديقاتها المسيحيات يذهبن كل يوم جمعة إلى «مدراس الأحد» التابعة لكنيستهن، وأنهن يشتركن فى أنشطة فنية ورياضية متنوعة مثل الغناء، العزف على الآلات الموسيقية، إلقاء الشعر، الخطابة، الكتابة، الرسم، وأشغال فنية، ألعاب رياضية مختلفة كالسلة وكرة القدم،.. إلخ، وأنهن يذهبن لحضور عروض مسرحية وسينمائية وزيارات للآثار والمتاحف المصرية، تبعًا لبرنامج متكامل، إضافة إلى التربية الروحية ودراسة تعاليم الإنجيل، وأن النشاطات تضم الفتيان والفتيات دون فصل. وقد حمدت لمدارس الأحد وللكنيسة المصرية هذا الدور المهم فى التنمية الثقافية والفنية لأطفالنا وشبابنا، فهذه التربية المنفتحة على المحيط الخارجى الذى يعيش فيه الأطفال والتعرف على معالم حضارتنا ومتابعة العروض الفنية تخلق إنسانًا يتمتع بحس وطنى عميق وذوق فنى راقٍ.. يخلق شخصية واعية متسامحة لا يمكن فى يوم أن تحمل مسدسًا أو قنبلة تفجرها فى وجه أشخاص مسالمين.
وبقدر سعادتى بتجربة الكنيسة المصرية فى مدارس الأحد التى بدأت عام ١٩١٨ أى منذ مائة عام، بقدر ما تمنيت أن تقوم مساجدنا ومؤسساتنا الإسلامية بمثل هذا الدور فيرتبط الإنسان الطفل بحاضره وحضارته. هل حان أن نناقش: لماذا تبدو مساجدنا متحجرة وغير جاذبة لأطفالنا؟، لماذا لا يتخرج من تجمعات المساجد سوى الإرهابيين والمتشددين والمنغلقين فكريًا؟. الإجابة ببساطة: لأن المساجد ليس لها أى نشاط سوى الصلاة وتحفيظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وكأن المسجد لا يعرف سوى التاريخ والماضى، إن تشجيع الأطفال المسلمين على تنمية مواهبهم الرياضية وأنشطتهم الفنية من خلال الجمعيات التابعة للمساجد سيخلق جيلًا واعيًا بأهمية الثقافة والفن.
ما الذى يمنع أن تقام حفلة للموسيقى الكلاسيكية فى صحن الجامع الأزهر؟، أو أن يقام معرض لأعمال رواد الفن التشكيلى المصرى فى صحن مسجد مولانا الحسين؟، ماذا لو عرضت مسرحيات من التراث المصرى والعالمى فى مسجد السيدة زينب؟!.
سيرد قائل: إن لكل مكان مقامًا، وهناك أماكن مخصصة لهذه الأعمال، نعم هذا صحيح. ولكن هل هناك ما يمنع من ربط الإنسان المسلم بحياته المعاصرة من خلال مسجده، فيصبح المسجد بالنسبة له حياة للدين وللروح وللنفس، فيتعلم فيه ما يفيد آخرته، وما يثرى دنياه؟. إن كسر طوق التحريم للفنون الذى كبّل الإنسان المسلم فجعله يستهلك الفنون على مضض وفى ذهنه أفكار اللهو وتضييع الوقت، فلم يستفد مما تساهم به الفنون من رقى الإنسان، لأن عقدة التحريم تجعله لا يأخذها على محمل الجد- لن يكون إلا باعتراف المؤسسات الإسلامية بالثقافة والفنون الحديثة وعرضها، بل بإنتاجها.
إن تجديد الخطاب الدينى لا يكون فقط بترديد آيات قرآنية تدعو إلى السلم أو المحبة، فهذا «ترقيع» للخطاب الدينى. تجديد الخطاب الدينى سيتم عندما يصبح المسجد مكانًا حيويًا ديناميكيًا يمارس فيه المسلمون جزءًا من حياتهم، عندما لا يكون المسجد مجرد مكان لأداء الصلوات المكتوبة، دون أن يسهم فى بناء الإنسان المسلم المنفتح على العالم، كما كان المسجد فى عهد الرسول «ص» جزءًا من حياة الرعيل الأول فى الإسلام.
نقلا عن الدستور