تبدأ الأحد أعمال المحكمة الدولية الخاصة في قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري في لاهاي وسط توقعات أن تقتصر الجلسة الأولى على الإعلان عن بدء المحاكمة.
وسيكون لافتتاح أعمال المحكمة الأحد طابع احتفالي، حيث ستشهد المناسبة إلقاء كلمات للمستشارة القانونية للأمين العام للأمم المتحدة، ولممثل الحكومة اللبنانية، والمدعي العام دانيال بلمار، على أن أن تكون قاعة المحكمة جاهزة للعمل قبل نهاية العام الجاري.
أما بالنسبة للقضاة، فهم من جنسيات متعددة، بينهم قضاة من لبنان، غير أن بيروت تتكتم على هويتهم حالياً لأسباب أمنية.
وفي الأثناء يستمر الانقسام السياسي حول القضية، حيث تصر القوى المؤيدة للخطوة على أن المحكمة ستنهي حقبة الاغتيالات التي يبقى فاعلها طي الكتمان في لبنان، بينما يرى المعارضون أنها قد تخضع لتأثير السياسات الدولية.
وإلى ذلك، وجه رئيس لجنة التحقيق والمدعي العام المعين في القضية، دانيال بلمار، رسالة للبنانيين عشية انطلاق المحكمة، أكد فيها أن الهدف هو "الحقيقية وليس الثأر"، غير أن البارز كان دخول حزب الله على خط المواقف، مطالباً بالإفراج عن كبار الضباط المحتجزين على ذمة القضية، التي يوجه البعض في لبنان أصابع الاتهام فيها إلى دمشق.
وقال بلمار، الكندي الجنسية، في رسالته إلى اللبنانيين، تحت عنوان "سيستمر البحث عن الحقيقة" لمناسبة مغادرته لبنان إلى لاهاي، إن "المحكمة لا تسعى إلى الانتقام، بل إلى الحقيقة، وجميع المعنيين شهوداً كانوا أو موقوفين أو متهمين، ستتم معاملتهم بشكل يحفظ كرامتهم"، كما أكد أن الإدعاء العام "لن يكون عرضة لتأثير الاعتبارات السياسية."
وأضاف بلمار: "أدرك الآمال التي يعلقها الشعب اللبناني علينا، كما أدرك المخاوف والشكوك التي يولدها أي عمل لم تعرف نهايته بعد.. ينبغي ألا تكون نتائج تحقيقات مكتب المدعي العام والخطوات التي سأقررها بصفتي مدعياً عاماً، وكذلك ما ستخلص إليه المحكمة الخاصة بلبنان، موضع أحكام مسبقة أو تكهنات."
وختم المدعي العام بالقضية رسالته بالقول: "أود أن أطمئن الجميع بأنني وفريقي سنبذل كل جهد ممكن، إنسانياً وقانونياً، لإجلاء الحقيقة، وجلب المسؤولين عن الجرائم التي تقع في نطاق اختصاصنا إلى العدالة."
غير أن الأبرز كان التعليق الواضح لأركان من حزب الله، أكبر التنظيمات الشيعية في لبنان والحليف الأساسي لدمشق وطهران، والذي يقود في الوقت عينه المعارضة الداخلية، على مسار تطورات القضية، من خلال إثارة مسألة الضباط الأربعة الموقوفين على ذمة القضية، الذين كانوا يقودون الأجهزة الأمنية إبان اغتيال الحريري.
والضباط المحتجزون هم: المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد، والمدير العام السابق لجهاز الاستخبارات في الجيش اللبناني ريمون عازار، والمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج، وقائد لواء الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان، الذي رد القضاء اللبناني الجمعة طلب إخلاء سبيلهم مرة جديدة، علماً بأنهم موقوفون منذ عام 2005.
وقد زار وفد من عائلات الضباط الجمعة، نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، الذي قال إن وجهة نظر الحزب حول هذه القضية تشير إلى "إطلاق سراح الضباط، ومن كانت لديه تهمة فليعلنها فوراً."
وقال قاسم: "إذا أراد القضاء اللبناني أن يبرز أن لديه نقاء وعدالة، من المفروض أن يفرج عن الضباط الأربعة قبل أن يوسم بأنه لا يحمل هذه العدالة، عندما يتبين أن الملف فارغ ولا شيء فيه."
وأضاف: "أتمنى أن تكون هناك جرأة، ونحن في حزب الله سنطالب المعنيين، وسنتحدث سياسياً وقضائياً مع المعنيين.. ولا نريد منّة من أحد، نحن نريد براءة قضائية أو إدانة قضائية، وغير ذلك لن يكون إلا الخزي والعار، لأي أداء لا يرحم ولا يأخذ في الاعتبار هذه الخصوصية."
أما لجهة عائلات الضباط، فقد قالت سمر الحاج، زوجة اللواء علي الحاج، إن نقل الضباط إلى لاهاي من دون اتهام "يعتبر خطفاً"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء اللبنانية.
ويأتي انطلاق المحكمة في فترة بدأت فيها الحياة السياسية اللبنانية تشهد توتراً متزايداً، مع اقتراب الانتخابات النيابية التي تتفق جميع الأطراف على وصفها بأنها "حاسمة"، إلى جانب عودة أجواء التوتر الأمني، مع مناوشات محدودة وأحداث مقلقة مثل عمليات الخطف أو الاعتداء على الممتلكات.
ويحمل هذا الانقسام السياسي في طياته أبعاداً مذهبية لا يمكن إخفاؤها، خاصة وأن الواقع السياسي اللبناني يشهد استقطاباً حاداً بين قوى "14 آذار"، التي تضم بشكل رئيسي أحزاب المستقبل والتقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية والكتائب، وتشكل بالتالي مزيجاً من المسيحيين والدروز، مع ثقل سني واضح، مقابل قوى "8 آذار"، التي تضم بشكل أساسي حزب الله وأمل والتيار الوطني الحر، ما يعطي للشيعة دوراً كبيراً فيه.
وكان مقرر المحكمة الدولية، روبرت فنسنت، قد عقد مؤتمراً صحفياً في لاهاي الثلاثاء، قال فيه إن المحكمة ليس لديها صلاحيات الفصل السابع الإلزامي من مجلس الأمن، كما أشار إلى أن أمام المحكمة فترة 60 يوماً لطلب نقل الضباط الأربعة أو شخص يطلبه المدعي العام من لبنان.
وبحسب فنسنت، فإن مهلة المحاكمة قد تمتد إلى ثلاث سنوات قابلة للتجديد، مضيفاً أنه من وجهة نظره "لن يحصل تغيير في أقل من 5 سنوات."
ولدى سؤاله عن إمكانية استدعاء رؤوساء دول إلى المحكمة "شهوداً كانوا أم متهمين"، رأى فنسنت أنه ليس هناك ما يمنع إمكانية حصول ذلك، معيداً التذكير بسابقة الرئيس الليبيري، تشارلز تايلور في محكمة جرائم حرب سيراليون.
يُشار إلى أن التحقيق الدولي باغتيال الحريري بدأ بعد أشهر من مقتله، وبطلب من الحكومة اللبنانية، وقد قصد لبنان أولاً المحقق بيتر فيتزغيرلد، على رأس لجنة لـ"تقصي الحقائق"، تبعه القاضي الألماني، ديتليف ميليس، الذي أثارت تقاريره الكثير من الجدل بسبب اعتبار البعض أن "مسيسة" وتهدف لإحراج دمشق.
وبعد ذلك تسلم التحقيق القاضي البلجيكي سيرج براميرتز، ثم نقله إلى خلفه الكندي بلمار، والذي حرص، على غرار سلفه براميرتز، على إعداد تقارير عامة حول تقدم التحقيق، دون الإشارة إلى هوية المتهمين.
وتنظر المحكمة في قضية اغتيال الحريري، في 14 فبراير/ شباط 2005 وسط بيروت، بعبوة ناسفة تقدر زنتها بأكثر من 1800 كليوغرام، يعتقد أنها كانت داخل سيارة مفخخة، إلى جانب القضايا التي تثبت صلتها بها، وخاصة الاغتيالات التي تبعت مقتله، وتركزت ضد عدد من الوزراء والنواب والإعلاميين المعارضين لدمشق. |