عادل نعمان
صديق عراقى أسعدنى بخبر مفاجئ أرسله على الإيميل، أثلج صدرى، وطيب خاطرى لفترة وجيزة، يقول: إن وزارة الأوقاف المصرية أطلقت حملة لمصادرة كتب السلفية فى المساجد والزوايا التابعة لوزارة الأوقاف، والتى تدعو إلى العنف والجهاد والتعصب والتطرف، وصادرت فى الأيام الأولى سبعة آلاف كتاب لمشايخ التيار السلفى من كتب محمد بن عبدالوهاب، وابن تيمية، وابن عثيمين، وابن باز، وسيد قطب، ويوسف القرضاوى، ومحمد حسان، ويعقوب والحوينى ووجدى غنيم ومحمد عبدالمقصود وبرهامى وكثير من مشايخ الوهابية والتطرف.
توقفت فرحتى فجأة حين راجعت أوراقى وصحفى وأخبارى، ولم أجد لهذا الخبر بابا أو شباكا سوى مدينة الإسكندرية فقط «ويا فرحة لم تكتمل، وتعمم على أنحاء المعمورة أخدتها السلفية وطارت» لكن الأمر ظل بخاطرى حلما يراودنى ويدور معى، وأتساءل: ولمَ لا؟
وهل هذا ببعيد عن يد الدولة الطولى، التى حين تشير بيديها تنطلق جحافلها وخيولها وسنابكها، وتدخل أياديها «الطرشة» فى جحور ومغارات وكهوف ومخازن الناس تستخلص حقها وتعيده أدراجها؟
وهل كثير عليها أن تغلق المنبع الأول للإرهاب والتطرف، فى الكتب التى تنتشر فى المكتبات وعلى الأرصفة بدراهم معدودة؟
وهل عزيز عليها حذف المقررات والمناهج التى تحض وتحرض على العنف والإرهاب والتعصب والتفرقة فى كتب ومناهج المعاهد الأزهرية الواضحة للعيان، ونقرؤها، ونمليها، ونسمعها عليها ليل نهار؟
وهل عصى على الدولة أن تمنع دعاة التطرف والهمجية من اعتلاء المنابر وامتطاء الشاشات وبث سمومهم فى آذان العامة والبسطاء وهم أدواتها؟
وهل الإرهاب والتطرف خريج الإسكندرية فقط وترك باقى مدننا وقرانا وشوارعنا ومعاهدنا؟
أليس من خرج علينا يمنع صلاة المسيحيين فى كنائسهم، ويهجر أصحاب الأراضى والبيوت من أراضيهم وديارهم، ومن يعتبر أن إسلام مسيحية هو الفتح المبين، ومن قتل وفجر ونسف وسبى وأسر ونحر فى ربوعنا من سيناء حتى الدلتا والمنيا والصحراء الغربية درسوا على يد برهامى ومدرسة الإسكندرية السلفية العليا فقط؟
أليست مدارسهم ومنابرهم ومعاهدهم تدهس كل الأمكنة وتهيمن على كل العقول فى كل مؤسسات الدولة؟
أليس لهم ورثة وشيعة وتلاميذ وحبايب وأنصار ومؤيدون ومتعاطفون منتشرون فى أرجاء البلاد ينهلون جميعًا من معين واحد؟
ثم نتساءل: ماذا، وكيف، ومن، ومتى أصاب الشخصية المصرية الوديعة الأليفة فى مقتل، وبدلها من الأمن والاستقرار والمحبة والموداعة والصفح إلى الغل والحقد والكره وفقه الجهاد؟
الإجابة ببساطة، ودون لف ودوران هى كل هذا يا سادة، وهو إفراز طبيعى للجو العام الذى يعيشه المسلم فى المسجد والمعاهد الأزهرية والمدرسة والشارع والبيت، فإذا كنا جادين فى محاربة الإرهاب والتطرف، فليس لنا من بداية أو سبيل إلا هذه البداية وفورا وبلا تردد فى كل ربوع الوطن ومعاهده ومدارسه وشوارعه فى وقت واحد وضربة واحدة، وأبشركم بشرى أراهن عليها: إن هذا التيار الذى تحسبون له ألف حساب، وتضعونه فى الاعتبار، وتتواءمون، وتتسايسون، وتتناغمون، وتتراقصون، وتتوازنون معه؛ ظنا منكم أنه الداعم والمؤيد ورمانة الميزان، هو تيار هش ملوث فاسد مدفوع الأجر والثمن، لا يحتاج إلا للعين الحمراء «واللى متغطى به عريان ومفضوح».
وسؤال واحد: من أين لكم بكل هذه الثروات والسيارات والعمارات والقنوات يا مشايخ؟
بعدها لن تسمع لهم همسا أو فحيحا. وإياكم أن تأمنوه أو تصدقوه أو تثقوا به، فهو يسن السكين، ويعد العدة، ويثبت مرابط الخيل، ليوم يرونه قريبًا مهما طال أمد انتظاره.
نحن نضيع الوقت والمال والجهد والطريق، وكما نذهب نعود، وكما نصعد نهبط، وإذا فتكنا بإرهابى قاتل تخرج على أيديهم عشرة، وإذا فركنا عشرة متطرفين منهم فرخوا المئات!
الفرّاخة لا تكل، ولا تمل، ولا تهدأ، تفقس أكثر مما تكسر، وتلد أضعاف ما يموت.
المشكلة ليست عند المصب بل عند المنبع، وليست عند الصرف بل عند الإمساك، فلو أمسكنا، وضيقنا، وأغلقنا منافذ ومسالك الإرهاب لجفت قنواته، ونضبت، وأفلست، وحسرت أفكاره. ومصدره الرئيسى كتبه ومراجعه ومشايخه.
حين راسلت صديقى فى العراق، أسأله عن مصادره ووثائقه، قال: جد فى الأمر جديد، والحملة قد بدأت فى الإسكندرية، ثم طلت عليها رؤوس السياسة الوهابية أوقفتها.
قلت له: ما شاء الله! يسربونها من بلادهم إلى بلادنا، ويصدرونها، ونستوردها، وتموت فى بلادهم لتحيا فى بلادنا، نحن الحاضنة والحوامل ليوم الولادة المرتقب.
تذكرت حملة محمد على باشا على الدرعية وقضائه على الدولة الوهابية الأولى، كانت مصر بعدها مخزن الوهابية تحت أعمدة الأزهر، فروا جميعا إلى مصر، ودرسوا المذهب الحنبلى فى الجامع الأزهر، وترعرع حتى قامت دولتهم الثانية فرحلوا إلى هناك، وتركوا الأم حبلى والفراخة حاضنة بما نحن فيه الآن، وستظل الأم حاملا إلى أن نرفض هذا الابن غير الشرعى... ولها حكاية.
نقلا عن المصرى اليوم