سحر الجعارة
يشهد المهندس «صلاح دياب»، مؤسس جريدة «المصرى اليوم»، على هذه الواقعة التى كان طرفا فيها، حين اتصلت به أطلب البحث عن طريق الوصول للكشف فى مركز السير «مجدى يعقوب»، لم تكن حالتى تحتاج إلى جراحة، لكنها تحتاج إلى علاج يستورده بنفسه وتشرف عليه مراكزه التى أصبحت منتشرة فى عدة مدن بمصر.. كان يقينى وإيمانى الراسخ أن السير «يعقوب» قد وصل إلى آخر اكتشافات العلم الحديث، وأننى أمام عبقرية طبية وإنسانية الوصول إليها هو الوصول إلى قمة الطب التى يعجز البعض عن الوصول إليها.
وبفضل المهندس «دياب» توصلنا إلى مركز تابع لمؤسسة «مجدى يعقوب للقلب»، موجود بالقاهرة، ويباشر الحالات التى تتردد عليه اثنان من شباب الأطباء.. إنهم الجيل الذى تربى فى مدرسة «الفارس»، يعملان بجدية ودأب ودقة.. تلقيت منهما عناية فائقة «مجانا».. سأذكر الأسماء الأولى لأنها كاشفة: (د. أحمد ود. نيفين).
دكتورة «نيفين» فى نهاية العشرينيات على يدها وشم «الصليب»، وفى عيونها رحمة تلحظها من أول نظرة.. ولأننى بطبيعتى متجاوزة لأمراض السلفيين وعقدهم تجاه الأديان والمذاهب لم ألحظ الصليب إلا عندما كانت تربت على أثناء إجراء «رسم القلب الكهربائى».. خرجت مطمئنة لكن الأهم أننى خرجت فخورة بأن السير «يعقوب» ربى أجيالا تحمل الراية من بعده يجمعهم حب العلم وخدمة المرضى ولا تفرقهم الصراعات الدينية.
قد تبدو القصة «شخصية جدا» لكنها كاشفة لعلاقة المريض بالطبيب، أنت فى غرفة العمليات تسلم روحك إلى الخالق، ويكون- أحيانا- الفرق بين الموت والحياة خيطا حريريا، لحظة يتخذ فيه «الطبيب» قرارا حاسما، لا ينقصه إلا توقيع ذويك على إجراء «جراحة ما».. قد يقرر الطبيب أنك تحتاج إلى نقل دم، وأنت مخدر تماما تتلقى دماء لا ترى لونها ولا تعرف ديانة المتبرع بها لكنها قد تنقذك من الموت!.
وبنفس المنطق كانت «مارجريت نبيل حنا»، دكتورة التخدير بمستشفى الساحل التعليمى، تؤدى واجبها بصبر وجلد، بوجه ملائكى بشوش قامت بتخدير 3 حالات، حتى أصيبت بهبوط ودوار بسبب بذل مجهود كبير، مما دفعها إلى دخول الحمام الذى سقطت فيه مغشياً عليها، ما تسبب فى إصابتها برأسها ووفاتها فى الحال.
رحلت «شهيدة الواجب» وهى تؤدى واجبها المهنى والإنسانى، وعمرها لا يتجاوز الـ 35 عاما، وتركت طفليها جورج 12 سنة ونتالى 7 سنوات!.. ويخطئ من يتصور أن دور طبيب التخدير هو أضعف الأدوار فى العمليات الجراحية، لأنه فى الواقع الدور الأساسى وبدونه لا تجرى أى جراحة فهو مسؤول عن المريض منذ بداية تخديره وحتى إفاقته.
وبدلا من أن يترحم عليها الجميع، يخرج طبيب سلفى ليقول إنه لا تجوز عليها الرحمة، بل ويرميها بالكفر(!!).. إنه من نفس المدرسة التى تحتكر «صكوك الغفران» وتكفر الجميع (من باب الاحتياط)، لم يفلح العلم فى تنقية عقله من الأفكار المتطرفة ولا من فهمه المغلوط لصحيح الدين.. كان لابد أن تتحرك «نقابة الأطباء» لمحاسبة هذا الطبيب، الذى تحول إلى داعية سلفى كمن تربوا على أيادى بعض العلماء الذين تصدروا قوائم الإرهاب التى ارتكبها الإخوان ضد الأبرياء العزل!.
كان لابد أن يجد من يعيده إلى رشده ويعرفه أن رسالته خدمة «الإنسان» دون النظر إلى لونه أو عرقه أو دينه، وليس دوره تحديد درجات الكفر والإيمان، وأن عليه أن يقدس الحياة ويقف احتراما لجلال الموت وهيبته ولا يرمى زميلة بين يدى الله بالكفر ليقهر أولادها مرة باليتم ومرة باتهام باطل لا تقبله الشرائع السماوية وأولاها الإسلام الذى ينتمى إليه، ولا تقرها أخلاق المهنة السامية التى يمارسها.
الحبيبة «مارجريت»: إلى روحك السلام والمغفرة.. الآن أنت أبعد ما يكون عن شرور البشر سيبقى عملك الصالح بيننا، وسيظل تأشيرة دخولك إلى رحمة الله.
نقلا عن المصرى اليوم