مختار محمود
في اليوم الذي منحتْ ألمانيا فيه مهندس الأنفاق المصرى العالمى "هانى عازر" وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، كانت معظم دور العرض السينمائى ترفع فيلم "محمد سعد" الجديد، بسبب إحجام الجماهير عنه.. فما العلاقة بين المهندس العالمى والممثل الكوميدى، وهل هناك وجاهة للربط بينهما؟
الإجابة.. نجدها عند المهندس "هانى عازر" نفسه، الذي بدا مُتواضعًا جدًا يوم تكريمه وخلال مُداخلاته الإذاعية والتليفزيونية بعد تتويجه بالجائزة الأرفع في ألمانيا، حتى أنه عندما قال له مذيع راديو مصر النابهُ الأستاذ "حازم البهواشى": "حصولك على هذه الجائزة الرفيعة يضعُك في مصافِّ الكبار: أحمد زويل ومجدى يعقوب ونجيب محفوظ"، غيرَّ أنَّ المُحتفى به قاطعه بكل أدب جم وتواضع عفوى: "بس الأسماء دى كبيرة أوى وأكبر منى"!!
في صباح اليوم ذاته.. كانت صحيفة "الوطن" خصَّصت صفحة كاملة لمناقشة أسباب السقوط المُدوى والمتكرر لـ "محمد سعد"، مُستدلة بالفشل الذريع لفيلمه الأخير: "محمد حسين"، وما سبقه من أفلام، بعدما ظل فترة غير قصيرة مُتربعًا على عرش الإيرادات، وأجمعتْ المصادرُ التي تحدثتْ الصحيفة معها، وتنوعتْ بين منتجين وكُتاب ومخرجين، على أنَّ آفة "سعد" الغرورُ والكِبرُ، وإصرارُه على السيطرة على مقاليد الأمور، وأنه لا يسمعُ إلا نفسَه، ولا يسترشدُ برأى غير رأيه، فكانتْ النتيجة المحتومة والمتوقعة هي الخروج من فشلٍ إلى فشلٍ أكبرَ، تمهيدًا لانتهاء أسطورته الفنية التي بدأها مطلع الألفية الجديدة، وتركِ مكانِه لجيلٍ جديدٍ من نجوم الكوميديا الراقية بعيدًا عن كوميديا العاهات ولخبطة الكلام التي دشَّنَ لها منذ فيلم "اللمبى"، ومن قبلها دوره في فيلم "الناظر".
ما بين التواضع والغرور، تبرز أساطيرُ، وتختفى أسماءٌ. التواضُعُ سِمة الكبار وشيمة العظام. أما الغرورُ فهو آفة الصغار حتى لو دفعهم عبثُ الأقدار يومًا إلى الصدارة بالصدفة البحتة، وفى ظروفٍ غامضةٍ. إعجابُ الإنسان بنفسِه أولى درجات الضياع والانهيار والزوال، فعندما ظنَّ "قارونُ" أنه صاحبُ الفضل في كنوزه وثرواته، خسفَ اللهُ به وبداره الأرض، وأصبح كأن لم يكنْ، ليكون لمن بعده آيةً.
لم يتهربْ المهندس العالمى ليلة تكريمه من وسائل الإعلام المصرية، ولم يغلق هواتفه، رغم أنه كان في ألمانيا، وتحدث بكل أدب وتواضُع مع كلِّ مَن تواصلوا معه، وكان يقول لمذيعين في عمر أولاده: "حضرتك- يا أفندم"، في الوقت الذي يصعبُ فيه على أي مُعدِّ أو مذيع إجراء مداخلة مع الفصيل الذي ينتمى إليه "سعد"، ويشترط الحصول على مقابل مادى خرافى، ثم يخلف وعده مرة واثنتين وثلاثًا.
لو استلهمَ الجيلُ الجديدُ قيمة التواضع من: "هانى عازر" و"مجدى يعقوب" و"فاروق الباز"، وغيرهم من كبار العلماء الذين يزدادون تواضعًا، كلما ازدادوا رسوخًا في العلم، لتضاعف نجاحُه وتميزه. أمَّا الذين تتضخمُ ذواتُهم وتتيهُ فخرًا وكِبرًا فإنهم يتساقطون سريعًا ويصبحون نَسيًا مَنسيًا.
شخصيًا.. كنتُ ولا أزالُ أرى "محمد سعد" فنانًا كوميديًا من طراز فريد، يمتلكُ أدواتٍ لا يملكها سواه من مُعاصريه أو سابقيه، ولكنه هو من فرَّط في حق نفسه وحق موهبته وحق جمهوره، واستسلم للتكرار واستنساخ شخصياتٍ كاريكاتوريةٍ غير واقعية، ولم يستمعْ إلى نصائح الناصحين والمُحبين والمُخلصين، كما لم يستغل دوره في فيلم "الكنز" لتصويب مساره، ليدخل نفقاَ مُظلمًا بفيلمه الجديد الذي لم تكسرْ إيراداته حاجزَ الـ 3 ملايين جنيه، ولتخلو خريطة الكوميديا من اسمه رسميًا.
كم نحن مُحتاجون لتواضُع "هانى عازر" وبساطته وسماحته، في كل مكان، وكم نحنُ في غِنىً عن كلِّ من يسكنُهم الكبرُ، ويجتاحهم الغرورُ، فما أغربَ أنْ يتواضعَ العلماءُ، ويتكبرَ الأراجوزات!
نقلا عن فيتو