بقلم: صفوت سمعان يسى
قرار اللجنة العليا للانتخابات بعدم قيام منظمات ومراكز وجمعيات المجتمع المدني بعملية مراقبة الانتخابات البرلمانية القادمة، وقصرها فقط على منْ يكون نشاطها الأساسي حقوقي وسياسي، شريطة أن تتضمن لائحة نظامها الأساسي نشاط التدريب والمراقبة الانتخابية، ومن المثير للغرابة أنه لا يكتفي بإشهارها بل يجب أن تكون مسجلة لدى الشئون الاجتماعية التابعة لوزارة التضامن، وهذه الشروط تطيح بمعظم المؤسسات والجمعيات من المشاركة الفعالة في عملية المراقبة، بالرغم من نص الإتفاقيات الدولية الموقِّعة عليها "مصر" على أن من حق كافة منظمات وجميعات المجتمع المدني مراقبة الانتخابات، وهو حق أصيل لها.

 

ولكن الأكثر غرابة، رفض اللجنة العليا للانتخابات لفظ "مراقبة" واعتراضها عليه، وإطلاق اسم "متابعة"، وكل من يتضمن خطابه لفظ "مراقبة" يُرفض ويعاد، وكل تلك الإجراءات المفاجئة ونحن على أبواب الانتخابات البرلمانية القادمة التي تبدأ يوم 28/11/ 2011، تطيح بشفافية وحيادية الانتخابات القادمة، وتجعلها مثار شك وريبة!!! وهي أول انتخابات برلمانية تشهدها "مصر" بعد النظام المخلوع الذي كرَّس الجهل، وأرسى قواعد اللعبة الطائفية التي نعاني منها اليوم أشد معاناة، وخرجت من رحمها الأحزاب الدينية التي ترفض كل مختلف عنها سياسيًا ودينيًا، وأحيانًا تكفِّره وتكفِّر كل من لم يصوِّت لها!!!.

 

ولكن قرار وزارة العدل المفاجىء بالكشف على الحسابات الشخصية والمؤسسية لعدد 55 مركز ومؤسسة وجمعية مجتمع مدني، وهم من أكبر الجمعيات المصرية الحقوقية، ومن أكبر وأشهر الشخصيات الحقوقية المصرية المرموقة، التي راقبت الانتخابات السابقة وستراقب القادمة، في ذلك التوقيت الحساس والصعب والخطير، يعني إرهابهم وتعطليهم عن ممارسة دورهم الرقابي للانتخابات القادمة، والخوض بهم وإخضاعهم في تحقيقات مطوَّلة لا تنتهي، بالرغم من أن تلك المؤسسات تخضع طبقًا لشروط الجهة المانحة التمويل إجباريًا لحسابات منظمة ودقيقة، ولا يُصرف لها باقي حساب التمويل إلا إذا نفَّذت النشاط المتَّفق عليه كاملًا، وبالمستندات الرسمية الموثقة، ولذلك فهم لا يمانعون من الكشف عن حساباتهم ومستنداتهم، ولا يخشون شيئًا.

 

وقد يكون إخضاع بعضها للتحقيق هو تصفية حسابات مع جمعيات ومراكز حقوقية أدانت بصراحة تامة المجلس العسكري في أحداث "ماسبيرو"، وأخرى اعترضت على آلاف المحاكمات العسكرية، وإلا لماذا لم يشمل التحقيق جمعيات أخرى غير حقوقية تحصل على ملايين من الخليج؟؟!!.
والسؤال الذي يتبادر للذهن، لماذا كل ذلك في هذا التوقيت الحرج؟ ألا كان من الممكن تقديم التحقيق أو تأخيره؟ ألا يعني ذلك معاقبة تلك المؤسسات والجمعيات الحقوقية على كشف فساد نظام الحكم السابق وإسقاط نظامه وحكمه؟ وهي التهمة الخفية لهم التي لم يستطيعوا توجيهها لهم، ولم يكن لديهم الشجاعة لإعلان ذلك من نظام حالي خرج كله من رحم النظام السابق، وما تم إلا تبادل إدوار وشخصيات.

 

ولماذا لم يكشف عن المليارات المنهوبة بيد رؤوس النظام السابق؟ وتركهم شهورًا يستوفون وينظمون أوراقهم، لكي تستقر في بنوك الخارج بأمان، ألم يكن بالأولى كشف تلك المليارات وردها لأصحابها من الشعب المصري؟ ألم يكن بالحري الكشف عن الملايين والمليارات التي تأتى للأحزاب والجماعات الراديكالية التي تموَّل من دول الخليج لإفشال الثورة المصرية، والسطو عليها، وإضفاء الطابع الديني المتزمت عليها؟!!! أم أن العدل يُكال بمكيالين وأكثر في "مصر"؟!.
يا وزارة العدل في "مصر"، أين العدل؟؟.. ولماذا الصمت عن آلاف المحاكمات العسكرية لمصريين مدنيين؟ أليس ذلك اختصاصك الأصيل، وهو أولى وأهم من التنكيل بجمعيات المجتمع المدني؟!!!.