بقلم: ماهر ميشيل
هذا المثل قالته لي إحدى الزوجات في جلسة من جلسات المشورة، قالته على لسان زوجها فهو دائماًَ يقوله لها هذا المثل "قرد يهنيني ولا غزال يشقيني" فترد عليه الزوجة قائلاًَ: أنا في الحالتين كسبانة، لو أنا قردة كفاية إني اكون بهنيك، ولو أنت تعيس هكون غزال!! (هذا النقل بإذن من الزوجة لئلا يظن البعض أني استغليت كلام خاص في مقال عام)
لو طبقنا هذا المثل على حكومتنا، وقادة مجتمعنا، ورؤسائنا في العمل، هل هم الأولى أم الثانية؟ هل قرد يهيني؟؟ ولا غزال بيشقيني؟؟!!
قرد يهنيني، يفعل لي مقومات الحياة الإنسانية، يوفر لي الأمان من مأكل، وملبس، ومسكن، وطرق، ومواصلات، وكهرباء، ومياه، وتعليم، وصحة، وأمن داخل الوطن وخارجه.
قرد يخليني اشعر بالإنتماء له، وبالفخر إنه مهنيني، ومخليني مش محتاج لمعونة خارجية أو شفقة من جهات أجنبية أو هيئات تعمل مني أنا "القرد ميمون أبو سيديري" اللي يفضل يلعب ويتنطط ويتصور عشان في الآخر صاحبه يقبض عليه وهو لا يذوق مما قبضه، زي لمؤاخذه "حمار العنب" يشيل العنب لكن لا يذوقه بلسانه.
غزال يشقيني، يصرح أنه لا مساس بالأسعار، وتطوير في التعليم والمناهج، وبناء شقق بأسعار زهيدة للشباب، وإنتهاء أزمة رغيف العيش، وحل أزمة أنبوبة البوتاجاز، وجهود لحل أزمة المواصلات، ....إلخ من هذه التصريحات الوردية للمسئولين الكبار والتي تبدو في ثوب الغزال الجميل الذي تتوقع منه أن يهنيك.. لكن ... وآه من بعد كلمة لكن.
لكن في أرض الواقع أجد عكس هذه التصريحات تقريباً، فالأسعار ليس خفياًَ أنها في إزدياد مستمر – إلا إنصافاًَ للحق حدث هبوط في بعض الأسعار البسيط في السلع الغذائية – لكن باقي الأسعار في إزدياد بسبب وبدون سبب، والتعليم الذي نسمع عنه: مؤتمرات لتطوير التعليم وغيره من الجهود على أرض الواقع تجد التدهور الحادث فلم نسمع عن أن المدرس قتل تلميذ من الضرب إلا في هذه الحقبة الزمنية، وكذلك تفشي مرض الدروس الخصوصية من الحضانة حتى الجامعة!!، ورغيف العيش بالفعل إنتهت الأزمة لفترة تشديد الرقابة على الأسواق لكن "الرشوة تعوج القضاء" وترجع ريما لعادتها القديمة.
أما عن شقق الشباب فقد علمت من أحد أصدقائي أنه ذهب "لجهاز" إحدى المدن الجديدة وسأل عن حجز شقق جديدة للشباب، قال له الموظف: لا يوجد حجز الآن والذين حجزوا في 2005 لم يتسلموا شققهم حتى الآن (2009) رغم أنه تم الإنتهاء من بنائها!!
أما عن المواصلات – مع هذا الغزال اللي بيشقيني – والإرتفاع المقنع لأسعارها بالتفاعل بين سائقي الميكروباص والمرور، فالطريق الذي تقطعه بحسب تسعيرة الحكومة بأجرة جنيهان، يقسمه سائقي الميكروباص إلى ثلاية أجزاء، فبدلاًَ من أن تدفع جنيهان تجد نفسك دفعت ستة جنيهات في نفس الطريق بعد تقسيمه لثلاثة أجزاء، وإذا سألت السائقين تجدهم يئنون من "الإتاوات" التي يفرضها عليهم رجل المرور – ليضع في جيبه – لذلك يضطر هو لتقسيم الطريق، (وكله على حساب الزبون) والمواطن حائر ومطحون ومظلوم بينهما.
وذلك غير تضارب القرارات بين محافظة وأخرى والإنتقال من واحدة للأخرى كأنك تنتقل من دولة لدولة والتصاريح التي تفرضها هذه القرارات مما أدى لإضراب أصحاب الميكروباصات لزيادة أزمة المواصلات وأيضاً كله على حساب المواطن العادي اللي هو آخر حاجة بتفكر فيها الحكومة تقريباًَ.
إنه فعلاًَ غزال، يبدوا في أحلى صورة ياقات بيضاء، سيارات فخمة، قصور، أموال خاصة في بنوك دول أخرى، وهذا الغزال جالس في برج عالي لا يعاني نفس معاناة الشعب البسيط، لذلك هو غزال نعم لكنه غزال يشقيني!!
نعود مرة أخرى عزيزي القارئ – للقرد – يمكن يهنيني، وأحكي لك عن شخص مصري يعيش في إحدى الدول الأوروبية، تحدثت معه عبر الإنترنت وقال لي أنه وصل إلى هذه الدولة عن طريق ما سماه ب "المعجزة" على حسب تعبيره، لكن المهم ليس كيف وصل إليها لكني سألته: ماذا تعمل حالياًَ؟؟ قال لا أعمل لكني أدرس معادلة، وسألته عن مصدر الدخل له ولأولاده، قال إن الدولة تصرف له ولكل ولد من الأولاد راتب شهري يكفيهم ويزيد، والأكثر من ذلك أنه في إحدى المرات ترك أولاده عند أحد أصدقائه وسافر وقت صغير، إستدعته السلطات وهددته أنها ستأخذ الأولاد لتقوم بتربيتهم إذا تكرر منه هذا السلوك المشين وهو ترك الأولاد وحدهم – فعلاًَ قرد يهنيني – أنا فرحت لهذا الصديق الذي عانى في بلده ووفقه ربنا لأجل أطفاله في هذا المكان والبلد الجديد ليهنيه.
لكن، لماذا لا تكون مصر مثل هذه الدول، وتختفي ظاهرة البطالة للأبد، وظاهرة أطفال الشوارع ، لماذا لا تُفتح الشقق المغلقة والمحجوزة لأطفال الأغنياء وتعطى لأسرة لا مأوى لها غير الشارع.
لماذا لا يوجد تعليم في مصر يبني طفلاًَ سوياًَ ينمي الذكاء ويحسن من قدرات الطفل وليس العكس، لماذا لا توجد مواصلات آدمية تحترم الإنسان بقوانين تنظم العلاقة بين السائق والراكب، ومواصلات كافية للجميع، وأيضاًَ مظلة تأمين صحي على كل مواطن سواء يعمل بالحكومة أو لا يعمل بها، وكذلك خدمات طرق وتليفونات ومياه وكهرباء لكل مناطق مصر بدون تمييز بين مكان وآخر.
هل كل هذه الصورة هي مجرد حلم وحبر على ورق؟؟ أعتقد أنه أننا نستطيع أن نحول هذه الأحلام إلى واقع بمزيد من التخطيط والجهد والعدل والأمانة. ولنبدأ بأنفسنا.
يا بلدنا مصر العزيزة، يا قادة مصر الأعزاء: قليل من العدل = كثير من الرحمة.
وعندها ستكون مصر "غزالاًَ" وفي نفس الوقت "يهنيني". "