فى مثل هذا اليوم 13 يونيو 1906م ..
يوم الاثنين 11 يونيو 1906 غادرت كتيبه من حوالى 150 جندى بريطانيا القاهره،متوجهه الى الاسكندريه برا،ووصلت منوف يوم الاربعاء13 يونيو 1906 ، وابلغ خمسه من ضباطها مأمور المركز أنهم يرغبون فى الصيد فى قرية دنشواى ،التابعه لنقطة بوليس الشهداء،مركز شبن الكوم والمشهوره بكثرة الحمام . وهؤلاء الضباط هم:
الميجور كيفن ، قومندان الكتيبه، والكابتن بول، والملازم بورتر، والطبيب البيطرى بوستاكك والملازم سميث.وطلب المأمور من عبد المجيد بك سلطان أحد اعيان المنطقه ،اعداد مركبات عند السكه الزراعيه ،الموصله لدنشواى، ووصلوا لكمشيش، وعسكروا مع بقية الجند، ثم ركب الضباط الخمسه عربتى حنطور ومروا على قرية سرسنا،ومنها الى دنشواى يرافقهم اومباشى من نقطة بوليس الشهداء وترجمان اسمه زقزوق، وذهب الاومباشى الى العمده لابلاغه بقدوم الضباط وضمان عدم احتكاكهم بالاهالى ولم يجده ...
ولم ينتظر الضباط عودة الاومباشى، وانقسموا لفريقين .. فريق وقف على السكه الزراعيه لصيد الحمام الرابض على الاشجار..والفريق الآخر انطلق الى اجران القمح وقت الدراس الذى يحط فيه الحمام لالتقاط الحبوب وصوب احد الجنود بندقيته على حمام فى جرن الشيخ محمد عبد النبى ،مؤذن القريه،فصاح به شيخ طاعن فى السن اسمه حسن محفوظ .ليكف عن اطلاق النيران خوفا من احتراق الجرن. كما صاح به شحاته عبد النبى شقيق المؤذن، ولم يعبأ الضابط واطلق العيار فأخطأ الرمى وأصاب (أم محمد) زوجة المؤذن فسقطت جريحه تتخبط فى دمائها ، واشتعلت النيران فى الجرن وأخذ شحاته يستغيث ، وهجم على الضابط لانتزاع بندقيته منه واقبل الاهالى فى حالة هياج ،صائحين الخواجه قتل المرأه وحرق الجرن،وأحاطوا بالضابط،واسرع بقية الضباط لانقاذ زميلهم وتكاثرت الجموع ووصل شيخ الخفراء، بصحبة بعض الخفراء لتفريق الجمع وانقاذ الضابط وتوهم الضباط انهم يريدون بهم شرا، فأطلقوا عليهم الاعيره الناريه، وأصابوا شيخ الخفراء، بطلق فى فخذه ،وسقط غلى الارض،فصاح الجميع: شيخ الخفرقتل. وهجموا على الضباط بالطوب والناببيت واصيب الميجور كيفن بكسر فى زراعه ، وجرح الملازمان بورتر وسميث ،جروحا خفيفه،وأحاط بهم الخفراء واخذوا منهم اسلحتهم و حجزوهم حتى جاء معاون بوليس المركز واعادهم الى معسكرهم. اما الكابتن بول فقد هرب اثناء تجمع الاهالى.
فى يوم 20 يونيو 1906 اى بعد مرور اسبوع على الحادثه اصدر بطرس غالى باشا وزير الحقانيه قرارا بتشكيل المحكمه المخصوصه برئاسته وعضوية المستر هيتر نائب المستشار القضائى والمستر بون وكيل محكمة الاستئناف الاهليه، القائمقام لادلو القائم باعمال المحاماه والقضاء بجيش الاحتلال واحمد فتحى بك زغلول رئيس محكمة مصر الابتدائيه، وعين عثمان بك مرتضى رئيس اقلام وزارة الحقانيه سكرتيرا للمحكمه .كماتولى الادعاء المحامى المشهور ابراهيم بك الهلباوى .
وانعقدت المحكمه بكامل هيئتها يوم الاحد 24 يونيو 1906بسراى المديريه بشبين الكوم فى جو من الرهبه والخوف والفزع واحاط الجنود المصريين والانجليز واستمعت المحكمه للشهود وثبت من اقوال الطبيب الشرعى دكتور نولن الانجليزى ان وفاة الكابتن بول تعود الى ضربةالشمس ولم تحدث الوفاه من اصابة الرأس التى تلقاها اثناء المعركه.
وفى صباح 27 يونية1906 تلا سكرتير المحكمه الاحكام على النحو التالى :
اولا الاعدام شنقا لكل من حسين على محفوظ ،و يوسف حسن سليم، والسيد عيسى سالم ،ومحمود درويش زهران.
ثانيا الاشغال الشلقه المؤبده محمد عبد النبى المؤذن واحمد عبد العال محفوظ.
ثالثا الاشغال الشاقه خمس عشره سنه :احمد محمد السيسى
رابعا الاشغال الشاقه سبع سنين محمد على ابو سمك وعبده البقلى ومحمد عبده محفوظ ورسلان السيد على والعسيوى محمد محفوظ.
خامسا الحبس سنه مع الشغل والجلد خمسين جلده حسن اسماعيل السيسى وابراهيم حسنين السيسى ومحمد غباشى وتنفيذ الجلد علنا فى نفس الموقع بين عمليات الشنق .
سادسا الجلد خمسين جلده السيد العوفى وعزب محفوظ والسيد خير الله وعبد الهادى شاهين.ومحمد احمد السيسى.
وتم تنفيذ الاعدام والجلد بطريقه وحشيه على مرآى ومسمع اهل دنشواى. وشهد الاهالى اجساد قتلاهم معلقه فى حبال المشانق.ونهض مصطفى كامل الموجود فى اوروبا واظهر الحادثه عالميا.وتقررسحب اللورد كرومر المعتمد البريطانى فى مصر.
هذه المذبحه التى لم ينساها المصريين اللذين اصروا على جلاء الاحتلال الذى تم فى 18 يونيو 1956....!!
وكتب صلاح عبد الصبور بعد ها باكثر من نصف قرن قصيدته :
شنق زهران..........
وثوى فى جبهة الأرض الضياء
ومشى الحزن إلى الأكواخ
تنين
له ألف زراع
كل دهليز زراع
من أذان الظهر حتى الليل
يا الله
فى نصف نهار
كل هذي المحن الصماء فى نصف نهار
مذ تدلى رأس زهران الوديع
******
كان زهران غلاما
أمه سمراء ، والأب مولّّّّّد
ُوبعينيه وسامه
وعلى الصدغ حمامه
وعلى الزند أبو زيد سلامه
ممسكا سيفا ، وتحت الوشم نبش كالكتابه
اسم قرية
( دنشواي )
شب زهران قويا
ونقيا
يطأ الأرض خفيفا
وأليفا
كان ضحاكا ولوعا بالغناء
وسماع الشعر في ليل الشتاء
ونمت في قلب زهران ، زهيره
ساقها خضراء من ماء الحياه
تاجها احمر كالنار التي تصنع قبله
حينما مر بظهر السوق يوما
ذات يوم...
مر زهران بظهر السوق يوما
واشترى شالا منمنم
ومشى يختال عجبا ، مثل تركى معمم
ويحيل الطرف ..... ما أحلى الشباب
عندما يصنع حبا
عندما يجهد أن يصطاد قلبا
******
كان ياما كان
أن زفت لزهران جميله
كان ياما كان
ان انجب زهران غلاما .. وغلاما
كان ياما كان
أن مرت لياليه الطويله
ونمت فى قلب زهران شجيره
ساقها سوداء من طين الحياه
فرعها أحمر كالنار التى تحرق حقلا
عندما مر بظهر السوق يوما
ذات يوم
مر زهران بظهر السوق يوما
ورأى النار التى تحرق حقلا
ورأى النار التى تصرع طفلا
كان زهران صديقا للحياه
ورأى النيران تجتاح الحياه
مد زهران إلى الأنجم كفا
ودعا يسأل لطفا
ربما ... سورة حقد فى الدماء
ربما استعدى على النار السماء
وضع النطع على السكة والغيلان جاءوا
وأتى السياف مسرور وأعداء الحياه
صنعوا الموت لأحباب الحياه
وتدلى رأس زهران الوديع
قريتي من يومها لم تأتدم إلا الدموع
قريتي من يومها تأوى إلى الركن الصديع
قريتي من يومها تخشى الحياه
كان زهران صديقا للحياه
مات زهران وعيناه حياه
فلماذا قريتي تخشى الحياه ...................!!