الأقباط متحدون - علاء عبد الفتاح.. والسؤال الصعب
أخر تحديث ١١:٤٩ | الخميس ١٠ نوفمبر ٢٠١١ | ٢٩ بابه ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٧٤ السنة السابعة
إغلاق تصغير

علاء عبد الفتاح.. والسؤال الصعب

بقلم: محمود الزهيري

.. مبارك لم يرحل علي الإطلاق , فهاهو يبدو بجهامته , وملامحه الثابتة كملامح وجه تم إقتطاعها من تمثال شمع كالح , يرمق من ينظره بنظرات الإحتقار واللامبالاة , ويعلن في السر إرادة التحدي وتكسير العظام والقتل إذا لزم الأمر تفعيل القتل .

 

ليس المهم أن تترك الكرسي التي تجلس عليه أمام المائدة المستطيلة , لأن بإمكانك أن تجلس في الطرف المقبل , وستكون كذلك متسيد الطاولة , هكذا هي الأدوار التي يعيشها قادة المجلس الأعلي للقوات المسلحة , الذين حولوا المائدة من مستطيلة إلي مستديرة ليكون الجالس علي أي كرسي من الكراسي وفي أي إتجاه يكون هو القائد كذلك , بلا أدني إستشعار لمسؤليات إرادات التحدي للمصريين في حرياتهم , وكرامتهم الإنسانية بعد ثورة لم يشارك فيها المجلس العسكري ولوبخيار الصمت , ولكن خيار الحياد لم يكن مقبولاً من قادة المجلس الأعلي للقوات المسلحة , منذ اللحظات الأولي في عمر الثورة المصرية , وهذا مانراه حتي هذه اللحظة , والتي تعامل معها المجلس العسكري بإرادة الحياد حتي ضد من يعمل ضد الثورة المصرية وصمته تجاه عودة الداخلية إلي القيام بعملها المنوط بها تجاه حفظ الأمن , وهذا كان يستدعي مجرد قرار يتضمن عبارات بسيطة موجزة , وهذا ما لم يحدث , بجانب موقعة الجمل الشهيرة مصرياً ودولياً , والتي كان الدور الوحيد الشهيد للضابط القبطي ماجد بولس , مستحق لقب أسد التحرير بإستخدامه سلاحه الميري للحيلولة ضد التعدي علي ثوار التحرير .

 

لايمكن أن ننسي رواد روكسي , ورواد مصطفي محمود , والتعديات الجسيمة التي تم ارتكابها ضد الثوار حتي أثناء متابعة جلسات محاكمة مبارك , وكان الشاهد الرئيس , أن قوات الجيش والشرطة لم تدفع التعدي عن الثوار , او تعمل للحيلولة دون وقوعه .

هناك ثمة حالات متوالية من العداءات , ليست ضد المجلس العسكري أو الجيش المصري , بقدر ماهي عداءات متتالية تمثل حالة الرفض للقرارات التي يتخذها المجلس العسكري , والتي تسبب الضجر والإمتعاض من جانب المصريين , وكأن المجلس العسكري لايتعامل مع معطيات ثورة , ومطالب ثوار يري معظمهم أنهم وقعوا ضحية شعار: " الجيش والشعب إيد واحدة " , أو حالات القبض علي المدنيين بدعاوي مبتسرة ومخذولة , وليست متخاصمة مع العقل والمنطق الإجتماعي بل ومع الوضعية الدستورية والقانونية , ومن هنا كان تقديمهم لمحاكمات عسكرية , تجعل المجتمع المصري بإرادة هذه القرارات وكأنه مضطراً للترحم علي مرحلة ماقبل 25 يناير , وهذا لم ولن يحدث في أغلب حالات الإذدراء والتحقير للحريات والكرامة الإنسانية للمصريين ..

 

الناشط السياسي "علاء عبد الفتاح" , وغيره من النشطاء السياسيين الذين شاركوا مع الآلاف من المصريين في إزالة حاجز الخوف والرعب من سلطان الإستبداد والطغيان العسكري في مرحلة ماقبل 25 يناير , ومشاركتهم في ثورة 25 يناير مشاركة كان من نتاجها تقديم التضحيات في الأرواح والدماء والجراح بل والإعتقال من جانب المجلس الأعلي للقوات المسلحة المصرية , وهذا ماحدث للعديد من الثوار أثناء الثورة ..

والغير مستغرب الآن أن يتم إستدعاء "علاء عبد الفتاح" , ويتم حبسه من جانب النيابة العسكرية , والتهمة في غاية الغرابة :" الاستيلاء على أسلحة تابعة للقوات المسلحة والقيام بالتحريض على أحداث ماسبيرو التي حدثت بها إشتباكات بين متظاهرين أقباط وقوات للجيش ".

 

والأسئلة تتري وتتوالي عن هذه الجريمة التي يعاقب بها "علاء عبد الفتاح " , خاصة وأن هناك مدرعة للجيش المصري تمت سرقتها , ولم يتم العثور عليها حتي الأن , وأن أحداث ماسبيرو في حقيقتها أحداث مأساوية ضد الأقباط الذين خرجوا للتظاهر السلمي بلا أسلحة بيضاء أو نارية أو ذخائر أو أي أدوات أخري مثل العصي والسنج والمطاوي .. فهل من الممكن أن يتهم "علاء عبد الفتاح " بسرقة المدرعة ؟!! , بجانب غياب أي إذن بالقبض أو التفتيش لشخص ومسكن أو ملحقات مسكن "علاء عبد الفتاح" , لبيان عما إذا كانت هذه الأسلحة والذخائر في حيازته من عدمه , وهذا لم يتم علي المطلق .. فمن أين أتت الشرطة العسكرية , أو النيابة العسكرية بالأدلة المادية التي يحاكم بها علاء عبد الفتاح ؟!!

 

هذا السؤال يذهب بنا إلي التأكيد علي أن سلطة الطغيان تقوم بأعمال القبض , ثم توجه الإتهامات المعدة سلفاً لكل صاحب رأي يريد له أن يكون محل للتنفيذ , فالقبض ممهدة كل السبل له , وحتي قبل إعداد دليل الإتهام , فالأدلة لدي الطغيان لاتمثل أزمة , فهي موجودة علي الدوام , وإذ أذكر , أذكر آلاف من حالات القبض والإحتجاز من جانب سلطة أمن الدولة , أو المباحث الجنائية , حيث كان يتم صناعة الدليل بعد القبض , بل وفي أحيان كثيرة , يكون المقبوض عليه رهين محبسه بأمن الدولة أومكاتب المباحث الجنائية , ويتم إستصدار إذن من النيابة بالقبض والتفتيش , ويتم تلفيق الإتهام وصناعة الأدلة بمعرفة أعوان الطغيان والإجرام السلطوي , ويقدم للنيابة ويتم حبسه أربعة أيام ثم يتم تجديد مدد الحبس ليصل الأمر في أحيان كثيرة أن يقدم المتهم البريء للمحاكمة محبوساً , وتقضي المحكمة بحبسه وتغريمه آلاف الجنيهات , وهو البريء , والمحبوس بلا ذنب أو جريمة ارتكبها ..

 

وهذا هو الحال فيما بعد ثورة 25 يناير , وكأن اليوم لايختلف عن الأمس , وكأن الأسماء هي التي تغيرت في مواقع السلطة والمسؤلية , والوجوه ثابتة شاخصة تتحدي الثوار , وتتحدي مطالب ثورتهم التي لم يشارك فيها الجيش , لأنه علي أبسط تقدير مازال يمثل وزارة من ضمن وزارات النظام السابق والتي لم يحدث بها تغيير أو تبديل في المواقع والمراكز , والتي كان يترأس مجلسها الأعلي الرئيس السفاح القاتل الطاغية المخلوع بإرادة الثوار , الذين من ضمنهم "علاء عبد الفتاح" , أو " علاء سيف " الشاب المصري الناهض بالعزة والكرامة المصرية في مواجهة الخنوع والخضوع والذلة التي يراد للمصريين أن تلازمهم صباحاً مساءاً في حلهم وترحالهم , فهو الأبي الرافض لكل مايشين بكرامة المصريين , وأذكره منذ الأيام الأولي للحركة المصرية من أجل التغيير " كفاية " , تلك الحركة المبدعة التي رفعت سقف النقض ليطال شخص وإسم مبارك وعائلته التي قدسها افراد نظام حكمه الطغياني , سواء كان " علاء عبد الفتاح " مشاركاً ثائراً في المظاهرات , أومشاركاً ثائراً علي صفحات مدونته الإليكترونية , فلم يكن الأجدر بـ "علاء عبد الفتاح " أن يكون مصيره المحاكمات العسكرية , أو يكون تحت رحمة حكم قضائي عسكري قد يهبه سنين من الحبس بجريمة لم يرتكبها , وكان كانت جريمته هي من أجل كرامة وعزة وشرف المصريين , لتكون وساماً زائداً علي صدره في المستقبل من ضمن أوسمة نضالية شارك في صناعتها الشاب الناهض "علاء عبد الفتاح ", بل كان مكانه الطبيعي أن يكون في مواطن القيادة والريادة التي تصنع المستقبل , لا خلف الجدران والبراغيث والبق والقمل والصراصير والأمراض الجلدية , والروائح العفنة الكريهة التي لاتليق أن تكون حظيرة مواشي ..

 

وحينما يؤكد مصدر مسئول بهيئة القضاء العسكري أن محاكمة الناشط "علاء عبدالفتاح" ليس بصفته صاحب رأي ولكن لتهم جنائية أبرزها الإستيلاء على أسلحة تابعة للقوات المسلحة والقيام بالتحريض على أحداث ماسبيرو , فهذا مالايليق أبداً ببديهيات العقل والحكمة , لأن الدليل غير موجود علي الإطلاق , وإنما أسباب أخري هي مادعت المجلس العسكري للقبض علي "علاء عبد الفتاح" وهي ذاتها مانفاها المصدر العكسري حين قال " ان النيابة العسكرية التي أمرت بحبس الناشط 15 يوما على ذمة التحقيقات قد تغاضت على تجاوزاته التي أعلنها على مدونته بالإنترنت، وقيامه بسب قيادات القوات المسلحة واقتصرت التحقيقات معه على ما وقع منه في أحداث ماسبيرو."

 

"علاء عبد الفتاح" وغيره العديد من الناشطين من حقهم نقد المجلس العسكري , ومطالبته بتعديل قراراته والإعتراض علي بياناته التي يصدرها , لأنها ليست مقدسة , وفقط تتعرض لأمور سياسية يمارسها المجلس العسكري , ومن حق كل المصريين أن يكون لهم هذا الحق سواء كانوا أحزاباً أو أفراداً , مؤسسات وهيئات وجمعيات المجتمع المدني المصري , أو الهيئات والمؤسسات الدولية ..

إن الأستاذ " أحمد سيف الإسلام " المحامي قائد كتيبة الدفاع عن الحريات في مصر, ماكان ليكون إبنه مجرماً , إلا إذا أراد الطغيان أن يكون كذلك , وماهو بمجرم علي المستوي المدني أو العسكري , فكيف بمن عرض نفسه للقتل والجرح والإختطاف والإختفاء القسري كما في حالة " رضا هلال " صحافي الأهرام , أن يكون متهماً مجرماً بالإستيلاء علي أسلحة القوات المسلحة في أحداث ماسبيرو التي وقع العديد من الأقباط ضحايا بلا جريمة ارتكبوها , وجرحي ومصابين بلا فعل إجرامي صدر عنهم .. كيف يكون هذا مصير "علاء عبد الفتاح ", ووالدته السيدة الدكتورة" ليلي سويف " , المناضلة التي كانت تشاركنا في المظاهرات والفعاليات , ضد نظام الطاغية السفاح القاتل اللص العجوز المخلوع مبارك ..

 

أعتقد أن جريمة "علاء عبد الفتاح" الأصلية هي أنه كان ومازال هو ووالدته ووالده وأسرته ضد نظام الطاغية السفاح مبارك المخلوع , وأن تقديمه للمحاكمة بمثابة دفاع عن لص قاتل إسمه محمد حسني مبارك , ودفاع عن نظامه الهالك الذي مازال يترنح محاولاً القيام والعودة لممارسة جرائمه ضد المصريين من جديد .. وهذا لم ولن يحدث من جديد , فأبواب الحرية مفتوحة علي مصراعيها , وأبواب الكرامة والعزة والشرف لم ولن توصد مرة أخري , لأن من ساعد علي فتح هذه الأبواب شباب آمن بمصر , وبكرامة المصريين , وهاهو" علاء عبد الفتاح " يستكمل مسيرة "عبد الكريم نبيل سليمان ", و"مايكل نبيل سند " , إلا أن الأول قضي فترة 4 سنوات حبس بسبب نقد الطاغية مبارك , , والثاني نقد المجلس العسكري , وعلاء عبد الفتاح يكمل المسيرة , إلا أن الفارق بين عبد الكريم نبيل سليمان " كريم عامر " كان ماقبل 25 يناير في عز سطوة الطاغية , ومايكل نبيل سند , وعلاء عبد الفتاح كانا بعد 25 يناير , في عهد المجلس العسكري ..

 

فهل مبارك مازال يحكم من محبسه بإسم مستعار , وأقنعة متعددة !!؟

الحرية لـ "علاء عبد الفتاح" , و"مايكل نبيل سند" , وكل معتقلي الرأي ضرورة حياتية وواجب وطني وإنساني !!

واعتقد أن "علاء عبد الفتاح" ومن علي دربه سيظل السؤال الصعب في مسيرة التحرر المصري ..
 

mahmoudelzohery@yahoo.com


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع