التدين الشكلي وخطورته على المصريين
بقلم: مايكل ماهر عزيز
ينتابني شعور بالضياع وعدم معرفة أي طريق نتجه إليه، وأي طريق نسير عليه، ولست وحدي من يعاني هذا الشعور، بل يوجد الكثيرون ممن لديهم نظرة سوداوية لما يحدث على الساحة المصرية، وهذا الشعور ليس وليد اللحظة، ولكنه نتيجة تراكمات كثيرة حدثت بالماضي، ومازالت تحدث الآن، والسؤال الذي لا أجد إجابة عنه إلى أين مصر تتجه؟؟
الي أين يتجه هذا البلد الذي كان مأوى شعوب العالم القديم، وملجأ الرسل والأنبياء إليه، فمصر التي كانت تفتح ذراعيها لسكان العالم لترحب بهم أصبحت اليوم بلدًا يهرب منه أبنائه إلى كل بقاع العالم .
وهذا الهروب نتيجة معاناة أبناء الوطن من فساد وانحلال أخلاقي وديني شمل جميع قطاعات المجتمع .
فالفساد استشرى مثل السرطان في جسد الوطن، وفي كل جزء من أجزاءه، بدءً من المؤسسات الدينية والتربوية مرورًا بالقطاعات الحكومية والاقتصادية والخدمية، وعدم احترام القانون وعدم تطبيقه، وغياب الأمن، والكيل بمكيالين، والبطالة، وعدم احترام الدولة للمواطن، ولا احترام المواطن للمواطن، وغياب الخدمات الأساسية، وانعدام النظافة والنظام، وتلقي الرشاوى، والتنطّع والكسل وفقدان الهمّة في العمل، ضبابية الساسة، رداءة التعليم وانخفاض وعي الناس، وغياب الثقة في كل شيء, كل هذه الأشياء تدفع أي شخص للبحث عن وطن بديل عن هذا الوطن الملئ بالفساد والصراعات .
التدين الشكلي
وكما قلنا أنه يوجد أنواع كثيرة من الفساد، ومن بينها الفساد الديني، وبالنسبة للفساد الديني الذي نمر فيه الآن يعتبر في أشد توهجه بمصر، ومن مظاهر الفساد الديني هو التدين الشكلي، الذي أصبح سمة من سمات هذا المجتمع فأغلب المصريين أصبحو الآن رجال دين، يفقهون في الفتاوى وعلوم الدين، سواء كانو مسلمين أو مسيحيين .
اضحك على تدين المصريين
المثير للسخرية أن المصريين الذين يفتخرون بتدينهم وبحبهم للدين وإخلاصهم في العبادة، لا يعلمون أن بلدهم من أكثر دول العالم تحرشًا بالنســاء، ولا يعلمون أن مصر محتلة المراكز الأولى في التصنيف العالمي، ومصنفة المركز الرابع بعد باكستان وفيتنام والهند في البحث بموقع جوجل على كلمة SEX .
الأفــــلام الرعـــب بالفيس بـــوك أم التويتــــــــر
خبر هام هام هام - خبــر عاجــل - خبـــر عاجـــل جدًا وللأهمية - خبــر كـارثــة - شوفو فلان بيقول إيه كلام كارثة - يارب استر شوفو بيحصل إيه في المنطقة الفلانية - فيديو رهيب جدًا .
عزيزي القارئ لا تستغرب كثيرًا من هذا الكلام عاليه، لأن هذه الكلمات هي العناوين التي نقرأها يوميًا على الجروبات والصفحات التي يقال عنها مسيحية، وذلك علي موقع الفيس بوك، فبعد أن يقف قلبك وترتجف يداك وانت بتدوس على الماوس عشان تخش تشوف الخبر اللي بيقولو عليه، تجــد أن الخبــر المنشور عــــادي جدا ولا يستدعي كل هذا الأمــر، ومثل هذه العناوين التي أصبحت مزعجة لكثيرين .
هذا نوع من أنواع التدين الشكلي، لأنهم يستغلون اشتراك المؤمنين بهذه الصفحات لكي ينشرو لهــم الأخبــار والفيديوهات التافهــة، التي لا ترتقي بهذه الجروبات والصفحات المسيحية، فمثـــلًا أول أمس قرأت أخبارًا ليست لها صلة بتلك الجروبات، فمثلا وجدت أخبارًا تقول :
1- صورة رشدي أباظة وهو طفل صغير .
2- أسعـــــار الدهــب اليــوم.. أسعــــار العمـــــلات النهاردة .
3- فيديو.. اضحك من قلبك مع أحلى 4 دقايق مع الحجة اطــاطــا .
4- صورة فوتشوب مضروبة بيقولو عليها صورة نادرة تجمع الأم إيريني والبابا كيرلس .
5- وأخيرًا الخبر الذي أذهلني كيم كردشيان تؤمن علي مؤخرتها !!!
هذه بعض الأخبار قد قرأتها علي تلك الصفحات، ويوجد الكثير والكثير من الأخبار التافهة غير المفيدة، التي تتحفنا بها تلك الجروبات والمواقع على الفيس بوك .
للأسف الشديد عدم المهنية وعدم رسم أهداف معينة نمشي عليها قد تسبب لنا الكثير من المشاكل والعثرات .
لـــذا فأرجو من أدمن الجروبات والصفحات المسيحية أن يراعوا الدقة فيما ينشرون من أخبار، وأن يراعوا مشاعر المؤمنين البسطاء، وألا يثيروا خوفهم من الأخبار ذات العناوين المخيفة، وعدم نشر أخبار ليست بلا قيمة .
الإعلام الديني.. أي كلام فاضــي معقول
ومن مظاهر التدين الشكلي أيضًا بعض القنوات الدينية، سواء كانت إسلامية أو مسيحية، والتي في ظاهرها تسمي دينية ولكنها بالأصل خاوية من الدين, فنجد تلك القنوات تهاجم الأديان، وتكفر طائفة معينة، وتهاجم عقيدة بعينها، ناهيك عن السخرية والكلام الساقط الذي يتحدث عنه رجال يدعون على أنفسهم أنهم حماة الدين ومبعوثين الله على الأرض!!! هذا بالنسبة لبعض القنوات المتطرفة بين الطرفين .
رســــالة عتــاب إلى قنــوات الكنيســة
اأسمحو لي أن أكتب أنه يجب علي كمؤمن غيور على كنيستي أن أعقب على الرسالة الإعلامية للقنوات التي تمتلكها الكنيسة القبطية، والتي للأسف قد تناسى القائمون عليها الرسالة الروحية الحقيقية التي يقومون بنقلها إلى الشعب المسيحي بمصر، وأصبحت هذه القنوات تدمج الدين بالسياسة، وفي أحد المرات دخلت بإحدى تلك القنوات ورأيت شريط إخباري أسفل القناة منشور فيه أخبار عن العالم والسياسة والرياضة.. الأمر الذي يشتت تفكير المؤمن الذي يستمع إلى عظة أو برنامج روحي !!!
ليس هذا فحسب بل اسمحو لي أن أقول أن هذه القنوات ابتدأت تستغل شعبية ومحبة البابا شنودة في قلوب الأقباط، ونشر تعاليمه وعظاته ليل نهار دون غيرهـ ولكن مع بالغ احترامي وتقديري لقداسة البابا شنودة كمعلم روحي عظيم وكأب لملايين الأقباط، إلا أنه لا يصــح أبـــدًا أن نختذل الكنيسة في شخص قداسة البــابــا شنـــودة فقط .
وهذا ما تفعله تلك القنوات فلا تنشـــر هذه القنوات سواء كانت (أغابي,, سي تي في ,, مارمرقص) أي عظــات غيـــر نشــر عظــات البابا فقط، وكأن الكنيسة لا يوجد بهـــا رجـــال روحانين وأتقيــاء أو واعظين مشهورين .
وهذا التركيز اسمحو لي أن أعتبـــره مظهر من مظاهـــر التدين الشكلي، فكنيستنا القبطية مليئة برجــالها الأتقياء وعلماءها الأجلاء المعروفين بجمال عظاتهم وتعاليمهم الرائعة .
فلم نجد مرة هذه القنوات تنشر برامج عن تعاليم وحياة أبونا متى المسكين، أو برامج عن الآبائيات أو عظات روحية لأبينا مكاري يونان أو أبونا أرميا بولس أو أبونا سمعان، وغيرهم من الآباء الأقبــاط المشهورين ذوي الشعبية الكبيرة بين عموم الأقبـــاط، إنمـــا اكتفت تلك القنوات بشخص قداسة البابا في كل شيء، فالبـــابـــا من وجهة نظرهم هو المعلم والواعظ فقط، وهو اللاهوتي دون غيره، وهو الوحيد الذي يعتمدون علي تعاليمه، وأصبحت تلك القنوات تسبح بحمد البابا وبشخصه !!!
وهذا ما يرفضه أبينا الحبيب قداسة البابا شنودة، والذي لو علم بمثل تلك الأمور لأصدر قرارًا بإيقاف تلك البرامج التي تذاع ليل نهار التي غايتها التمجيد والتهليل.
إن ما يعانيه المصريون الآن هو التدين الشكلي، وتسليم أمور حياتهم لرجال دين يستغلون طيبة وسذاجة المصريين، وذلك لتحقيق طموحاتهم وأفكارهم، فالمواد الإعلامية التي تذاع عبر القنوات الدينية، تجعل من المشاهد المؤمن إنسانًا مغيبًا، وتلغي تنويره وهذا ما لا نريده .
فبعد قيــام الثـــورة في مصر، ظهر على الملأ تيارات دينية ورجال دين "مسلمون ومسيحيون" كانــوا يعملون في الظلمة، وبفضل ثورة 25 ينايــر أصبحوا الآن يعملون في العلـــن وأمام الجميع، وابتدأ هؤلاء غير المسئولين في ترويج أفكارهم الشريرة المملؤة كرهًا وحقدًا للطــرف الآخـــر .
وكانت النتيجة قتـــل الأبريـــاء وحرق بيوت العبادة والإساءة لسمعــة مصر في الخارج، وتدمير الاقتصــاد الذي بات يتلقى المعونات من بلد الريالات !!!
رجال الدين هم سبب الكوارث التي نمر بها الآن، وهم السبب الرئيسي في تخوف الشعب على مصيره، فالتعئبة والتحريض من الطرفين على الطرف الآخر ساعد في انقسام الصف، ووجود عدد وافــر من الجهلة والمغيبين ساعد على تبني أفكار هؤلاء الدعاة.
المثير للدهشة أن هؤلاء قد تناسوا أنهم رجال دين، وتركوا موقعهم الروحي والديني، وتفرغوا للسياسة، ومنذ يومين دخلت على موقع إلكتروني لأحد الآباء الكهنة أبطال مذبحة ماسبيرو، ووجدت عدم وجود أي خطاب ديني أو أي كلمة روحية معزية، أو حتى ترانيم موجودة على موقعه الخاص، ولكني وجدت أخبارًا عن السياسة و أهل العالم، وأيضًا دخلت على مواقع خاصة لرجال دين مسلمين، ووجدت نفس الشيء أيضــًا !!!!
الخلاصـــــة
يجب علينا أن نحــارب ظاهرة التدين الشكلي، الذي أصاب المجتمع، وأن نسن القوانين والتشاريع اللازمة لمحاربة تلك الآفــة الخطيرة، التي تضــرنا جميعًا، فلو استمر المصريون على هذا النهج فلن تقم للبلد قائمة بعد اليوم .
يجب إصدار قانــونًا يمنع رجــال الدين من الدخول إلى الحياة السياسية، لأنه لا يصح أبدًا أن يترك شيخ المسجد مسجده ودعوته الدينية ويتفرغ للسياسة وما بها من ألاعيب قذرة، والكلام ينطبق أيضًا على القساوسة الذين قد تناسوا كهونتهم وتعاليم مسيحهم الذي قال: اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله .
أخيــرا أريد أنهي حديثي بعبارة رائعة قالها الشيخ محمد متولي الشعرواي عندما قال:
" أتمني أن يصل الدين إلى أهل السياسة ولا أتمنى أن يصل أهل الدين إلى السياسة".
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :