يقترب العالم بالتدريج من مرحلة التخلي عن الحقن في الطب. وبعد التخلي عن الحقن في زرق الانسولين، استخدم العلماء الألمان كريات نانوية توصل اللقاحات المختلفة إلى الجسم عبر الجلد.

 
 يعتبر الخوف من الحقنة من أكثر المخاوف الشائعة بين الأطفال، والتي تمتد لتشمل الخوف من الطبيب ومن عيادته ككل. وفضلاً عن ألم زرق الأبرة، ينطوي التلقيح بالحقن على مضاعفات، وان كانت نادرة، يتمنى الأطباء الخلاص منها.
 
والتلقيح النانوي، الذي يقدمه العلماء الألمان، يقلل مخاوف الطفل وآلامه، كما أنه أكثر فاعلية وأقل أعراضاً جانبية من التلقيح بالحقنة. والمهم أيضاً انه انجاز يعد بتقديم طريقة علاجية جديدة في الطب.
 
يأمل العلماء الألمان من بوتسدام (شرق) ليس في التخلص من الحقن عند تلقيح الأطفال ضد الأمراض المعدية، وإنما في التوصل إلى "منبر علاجي" جديد يستخدم الكريات النانوية المحملة باللقاحات والعقاقير لإيصال الأخيرة إلى نظام المناعة الجسدي أيضاً. 
 
وهو انجاز، على أية حال، يلبي تطلعات مؤتمر نقابة أطباء الأطفال الألمان الذي انعقد يوم 26 مارس الماضي.
 
وأيد المؤتمر دعوات وزير الصحة الألماني ينز شبان الذي قال بضرورة فرض التلقيح الإلزامي للأطفال ضد الأمراض المعدية على العائلات الألمانية.
 
وقال رئيس النقابة توماس فيشباخ ان مقترحات الوزير تفتقد إلى قوانين تنظم عملية وقاية المراهقين، الذين لم يتلقوا اللقاحات في الطفولة.
 
وأشار إلى أن عزوف الناس عن التلقيح الثلاثي جاء بعد تقارير علمية غير دقيقة ربطت بين هذا اللقاح وبين إصابة الأطفال بمرض "التوحد".
 
وواقع الحال ان نسبة الوفيات بين الأطفال الرضع غير الملقحين ارتفعت في السنوات الأخيرة بسبب عزوف العائلات عن تلقيح أطفالها.
 
كريات نانوية تنقل اللقاح إلى خلايا لنغرهانز
نشرت مجلة "الطبيب الألماني" تقريراً يقول ان علماء معهد "ماكس بلانك لأبحاث الغرويات والسطوح" توصلوا إلى طريقة تستخدم الكريات النانوية المحملة باللقاح مباشرة إلى خلايا لانغرهانز المناعية في البشرة. ونجت الطريقة في تفعيل جهاز الطفل المناعي ضد الأمراض المعدية، التي يستهدفها اللقاح، بالكامل.
 
تؤدي الطريقة إلى حصول استجابة مناعية قوية، ولكن متحكم فيها، عند الطفل. ونجح فريق العمل في تقليل المضاعفات والأعراض الجانبية للتفاعل إلى أقصى حد، وإلى حد يقل عن أعرض والمضاعفات التي قد تنجم عن التلقيح بالحقن.
 
استخدم الباحث ايك-كريستين فامهوف أحد خواص خلايا لانغرهانز المناعية في تطوير طريقة التلقيح النانوي. فالمعروف علمياً ان خلايا لانغرهانز تتعرف على الأجسام الغريبة وتحمل قطعاً منها إلى خلايا-ت المناعية. وهذه وظيفة مهمة في عملية التعرف على الجراثيم تلعب فيها مستقبلات لانغرين، على سطوح خلايا لانغرهانز، الدور الأهم.
 
اصطياد خلايا لانغرهانز بـ"طعم"
وجب على فريق العمل أن يحفزوا خلايا لانغرهانز للتعرف على الكريات النانوية الحاملة للقاح كجسم جرثومي من أجل أن تواصل وظيفتها المناعية المذكورة أعلاه. ولذلك فقد عمدوا إلى "اصطياد" هذه الخلايا بـ"طعم".
 
انتج فامهوف وزملاؤه جزيئة سكر صناعية واستخدموها داخل الكريات النانوية كي تغري خلايا لانغرهانز بالتهام الطعم (الكريات النانوية). وهي جزيئة مثيلة لجزيئة السكر تلتصق بمستقبلات لانغرين على خلايا لانغرهانز.
 
بغية التوصل إلى ذلك راقب فريق العلماء، تحت جهاز الرنين النووي المغناطيسي الطيفي وراقبوا أية جزيئة من السكر تلتهما خلايا لانغرهانز، وأية جزيئة سكر تلتصق على مستقبلات لانغرين وتتفاعل معها.
 
بالتعاون مع المتخصصين في جهاز الرنين النووي المغناطيسي الطيفي في جامعة انسبروك راقب العلماء كيفية التهام الكريات النانوية المحملة باللقاح من قبل خلايا لانغرهانز. ويشير تقرير مجلة "الطبيب الالماني" إلى استخدام المجهر الخاص بالـ"التدفق الخلوي" والمجهر متحد البؤر" أيضاً.
 
ويأمل الباحثون الألمان بأن تتحول الطريقة إلى علاج لقاحي جديد ضد الأمراض المعدية، وإلى سلاح جديد في المعالجة اللقاحية للأمراض السرطانية.
 
اصطياد البكتيريا بالسكر
وهذه ليست المرة الأولى التي ينجح فيها علماء معهد ماكس بلانك في استخدام السكر  كطعم في العلاج أو التلقيح. إذ سبق لفريق العمل هذا ان أنتج جزيئة سكر تماثل جزيئة السكر على سطوح خلايا بكتيريا كلوستيريديوم ديفيسيل.
 
ونجحت جزيئة السكر هذه في تفعيل نظام المناعة الجسدي واثارة رد فعل مناعي قوي ضد هذه البكتيريا الخطيرة. واعتبر العلماء هذه الجزيئة السكرية الصناعية "تمريناً" لنظام المناعة الجسدي على مقاومة هذه البكتيريا.
 
تصيب بكتيريا كلوستيريديوم ديفيسيل 15 الف مريض في المستشفيات الاميركية سنوياً، وتعتبر من أخطر الالتهابات في المستشفيات. وتعد الطريقة الجديدة بكسر مقاومة هذه البكتيريا التي تغير نفسها وتقوي مقاومتها للمضادات الحيوية بسرعة.