.بقلم :د.ماجد عزت إسرائيل
هنا نريد أن نسجل حقيقية تاريخية عن الزيارة التاريخية لقداسة البابا تواضروس الثانى البطريرك رقم(118) – منذ 4 نوفمبر 2012م وحتى يومنا هذا– لألمانيا وهذه الزيارة بدأت في يوم 11 مايو 2019م وحتى يوم 20 مايو2019م وخلال ذات المدة زار قداسته سويسرا، نريد هنا أن نرد على المعارضين من أجل إزالة اللبس الذي اكتنف هذه الزيارة.
ربما اعتقد كان من الأفضل قبل المعارضة معرفة مهام البطريرك وبعدها ننتقد ونلوم البابا على الأنفاق على رحلاته خارج الدار البطريركية والتى مقرها مدينة القاهرة، أو نسأل أهل العلم والمعرفة بالكنيسة لماذا سافر قداسته إلى ألمانيا أو سويسرا أو ألمانيا أو انجلترا أو فنسيا أو أى مكان،ولابد أن نفرق ما بين سفر قداسته للعلاج وما بين الزيارة الرعوية والزيارة السياسية.
ومن الجدير بالذكر ان المتنيح قداسة البابا كيرلس السادس رقم(116) (1959-1971م)، تعرض للمعارضة عندما سافر إلى أثيوبيا من أجل رعاية شعب كنيسته وحققت الكنيسة والدولة المصرية أهدافها من هذه الزيارة ولايزال الأثيوبيون يتذكرون هذه الزيارة التاريخية، وأيضًا في ذات اللحظة عارض كثيرين من الكنيسة هذه الزيارة،ولكن في الوقت الحالي يتحدث الكتاب والمؤرخين والباحثين عن قيمة هذه الزيارة التاريخية،وأكبر دليل رجوع الدولة المصرية للكنيسة في كثير من الأمور عند علاقتها بملف المياه مع أثيوبيا.
وهنا يجب علينا أن نسجل أن قداسة البابا المتنيح "شنودة الثالث" البطريرك رقم(117)(1971-2012م) تعرض للعديد من الانتقادات بسبب الزيارات الرعوية العديد لدول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
وقد سجلت مجلة الكرازة الصادرة عن الدار البطريركية هذه الزيارات بالتفصيل وربما لا نجد زيارة بدون رعاية شعب الكنيسة أو تدشين العديد من الكنائس.حتى أن زيارة البابا شنودة الثالث الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية.
كان خلالها تنقل لنا الفضائيات القبطية عظته الأسبوعية،رغم أن الشعب كان يعرف الظروف الصحية لقداسته.
على أية حال،منذ أن بدأ قداسة البابا "تواضروس الثانى" زيارته لألمانيا وشن البعض حملات معارضة لهذه الزيارة وذكر ذلك عبر شبكة التواصل الاجتماعى وكان ملخص هذا الهجوم والمعارضة في السؤال التالي: لماذا يزور البابا تواضروس الثانى ألمانيا؟ سويسرا؟ فينسيا؟ وهل زيارة علاجية؟ أو رعوية؟ ومن يتحمل تكاليف السفر؟ هل الدار البطريركية؟ أو الكنائس الزائر لها قداسته؟
وهنا نريد الرد على هذا السؤال،ولكن يجب علينا معرفة مهام البطريرك في الكنيسة القبطية فالبطريرك هو خليفة السيد المسيح ورسله، وحاكم في عقد شرعه، واسم البطريرك مأخوذ من مفهوم الأبوة، فمعناه الأب الأول ولذلك هو المسئول عن كل شيء.
وبالرغم من ذلك لا يمتلك اتخاذ القرار منفرداً، لان الكنيسة القبطية تتميز–على مر العصور– بمسحة ديمقراطية لا تخلو منها عملية صنع القرار في هذه المؤسسة الدينية، فعلى الرغم من احتلال البابا قمة الهرم القيادي في المؤسسة الكنيسة، وما له من قداسة دينية إلا أنه لا يستطيع الانفراد باتخاذ القرار. ويرجع ذلك إلى أن البابا هو "رئيس الأساقفة "فهم الذين اختاروه –بعد مشيئة الله- وكرزوه، لذلك ينص في وثيقة تكريز البابا على لسان الأساقفة يقول: "لكي يرعانا بكل الرأفة والوادعة "ولذلك تعددت مهامه وهى كما يلي: البطريرك يبارك ولا يبارك عليه، ويرأس المطارنة والأساقفة (المجمع المقدس) وأن يعمل على حفظ الدين على أصوله، وقطع البدع، والحكم بالعدل، وإعطاء الرئاسات (الرسامات والدرجات الكهنتوية ) لمستحقيها والقائمين بها، ومشورة أهل العلم والتعليم لشعبه والوعظ والتهذيب، لأنه الرقيب عليهم بعد الله والمطالب بهم أمام الله .فقد قال الله لحزقيال النبي:"إني جعلتك رقيباً لهذا الشعب، تسمعه كلام فمي ليحفظه– وينادى به من جهتي، في قولي للخاطى :إنه يموت بخطيته ودمه اطلبه من يديك (مسئولا عن هلاكه )فإذا أنت بدأت وعرفت الخاطى أن يتحفظ من مكانة السوء(الشر)ويزول عنه ، فلم يزل عنه (تركه) فهو يموت بخطيته ،وأنت تربح نفسك ".
ودعت قوانين الكنيسة، وما تركه الرسل والآباء الرسوليين من قوانين"بألا يربط أحد إلا ما ربطه الشرع، ولا يحل إلا ما حله الشرع" ( استخدام سلطان الحل والربط لضرورة الرحمة والعدل، وقد ورد في قوانين الآباء الرسل تحذير لهم بعدم استخدام المنشار الحاد الأسنان و عدم الظلم أو القسوة في الحكم).
والبطريرك أو الأسقف أو القس والشماس، وكل من له طقس (رتبة) في الكهنوت، لا يدنس لسانه بلعنه (شتيمة) لئلا يرث أللعنه (غضب الله) بدلاً من البركة.
والبطريرك لا يتعـالى (يتكبر)على الأســـاقفة لأنه واحــد منهم، والأساقفة على القسوس والشمامسة على الشـــــعب لأن قيام الكــنيسة ببعضها البعض.
والبابا هو المسئول عن انعقاد "المجمع المقدس" ورئاسته؛ لأهميته في إصدار القرارات كأعلى مجلس كنسي، و يجب عليه الاهتمام بالعمل المسكوني والسعي وراء وحدة الكنائس. و كما أنه المــسئول عن إقامة الشعائر الدينة في كل رعــيته؛ ولذالك فهو مطالب بتوفير الكـــنائس – بسبب زيادة السكان – لممارسة طقوس الكنيسة.
وأيضا مسئول عن صناعة" الميرون " (الزيت المقدس). والبطريرك مسئول على المناطق التي تم رسامته عليها، فهو مطالب بعد اختياره، واعتماد القرار الجمهوري بنشر الكرازة بها وهى الكرازة المرقسية (مصر) وكل إفريقيا وبلاد المهجر.
وعلى البابا رعاية أقباط المهجر في كل المسكونة بتنــــــظيم الزيارات الرعوية لهــــم، وإقامة الكنائس والأساقفة؛ وإرسال كــــــهنة يصلحون لهذه الخدمة، وترجمة القداس إلى اللغات المحلية الخاصة بهم.
على أية حــال فهناك بعض الأمور التي يحق للبابا اتخاذ قــــراراته بشأنها مباشرة بحـــكم ما له من صلاحيات تخولها له القـــوانين والتقاليد الكنسية، منها إدارة الأوقاف القبطية، فالبابا باعــــتراف المـــــصادر الحكومية "الناظر على أوقاف الأقباط والكنائس والأديــرة " ينـظر في شئونها المالية حسب ما يمليه عليه ضميره.
ويذكر التاريخ أن هناك حسنات بعض الباباوات التي ذكرت بعد نياحتهم في حسن التصرف المالي في الأوقاف وعدم الاعتداء على ميزانيتها، نذكر على سبيل المثال ما ذكره البابا "يوساب"البطريرك رقم (115)(1946-م1956) في رثائه البابا "يؤانس الثامن عشر "البطريرك رقم (107)( 1769-1796م)عندما يقول عنه:" ما رأيناه يحل وقفا عن وقفيته ولا يحل وقفا إلى وقف غيره، ولا يستبدل وقفا بوقف غيره".
خلاصة القول للبطريرك الحق في الإشراف العام والنظر في أملاك الكنائس والأديرة وأوقافها ودخلها ومتعلقاتها ، ويعمل برأيه، وأن بتابع أمور الأيتام، ويفوض من يثق في أمانته وديانته (أخلاقه) لرعايتهم، أو يزيل رئاسته (يفصله من الخدمة)عند ثبوت عدم أمانته،وحماية طائفته من الأفكار الخارجة .
وبعد هذا العرض السابق عن مهام البطريرك في الكنيسة القبطية هل فعل البابا تواضروس الثانى شىء خارج مهامه؟
بالطبع البابا تواضروس الثانى لم يفعل شىء خارج عن مهامه التى كلف بها، لأن البابا مسؤل عن شعبه سواء داخل مصر أو خارجها، وحاليًا الكنيسة القبطية أصبحت كنيسة غير محددة جغرافياً لأنها أصبحت ممتدة في شتى دول العالم أو بالتحديد نحو أكثر من (60) دولة في العالم،وتحتاج هذه الكنائس لزيارات رعوية من قداسته من أجل أفتتاح الكنائس أو تدشينها أو رعاية شعبه وهذه مسؤلية أمام الله والشعب.
لقد زار قداسته ألمانيا في 11 مايو 2019م وحتى 13 مايو 2019م حيث قام بتدشين كنيسة السيدة العذراء بدوسلدورف،وتلقى العديد من المسؤولين بالحكومة الألمانية لتوجيه الشكر على فتح كنائسهم ومنح بعضها للأقباط للصلاة بها،وهذا يعد من مهام قداسته.
وقد ذكر الخولاجى المقدس هذا في أوشية السلام حيث يقول الكاهن قائلاً: "هذه الكائنة من أقاصى المسكونة إلى أقاصيها. كل الشعوب وكل القطعان.
باركهم. السلامة التى من السموات إنزلها على قلوبنا جميعا. بل وسلامة هذا العمر أنعم بها علينا إنعاما. الملك (الرئيس) والجند والأراخنة والمشيرين والجموع وجيراننا ومداخلنا ومخارجنا، زينهم بكل سلام..." هنا نؤكد على أن مهام البطريرك توجيه الشكر لمن ساهم في توفير بيعة مقدسة لتمجيد اسم يسوع عليها.
وفي يوم 13 مايو 2019م وحتى 16 مايو 2019م زار قداسة البابا تواضروس الثانى دولة سويسرا من أجل تدسين أحد كنائسها والتقى قداسته شعب الكنيسة وبحث معهم بعض المتعلقة بالكرازة في سويسرا.
وفى يوم 16 مايو 2019م وحتى 18 مايو 2019م زار قداسته بيتبورج ودشن كنيسة البابا أثناسيوس الرسولي، وزار ترير مقر منف البابا أثناسيوس الرسول البطريرك ما بين (336-368م)، والتقى العديد من المسؤولين بالكنيسة الكاثوليكية وعرضوا له رداء السيد المسيح بكاتدرائية القديس بيتر بترير،وقدموا له جزء من رفات القديسة هلانة أم قسطنطين الكبير، وفي ذات الزيارة التقى قداسته بشعب الكنيسة وناقش معهم مشاكلهم وتربية أولادهم في بلاد المهجر. وفي صباح 18 مايو دشن كنيسة الملاك ميخائيل بمدينة آلتنا الألمانية والتقى شعب الكنيسة وبعض المسؤولين وبعدها سافر إلى مدينة أونا بالقرب من مدينة دورتموند.
وفى 18 مايو 2019- 19 مايو 2019م زار مدينة أونا ودشن كنيسة القديسة العذراء والقديس مرقوريوس،والتقى قداسته المسؤولين بالحكومة الألمانية وآباء وشمامسة وشعب الكنيسة،ربما اعتقد أن كل هذا هو صميم مهامه. وفي صباح يوم 20 مايو 2019م سافر قداسته إلى انجلترا في زيارة رعوية. رجاء محبة من المعارضين لزيارة قداسة البابا تواضروس الثانى إلى ألمانيا؛ حساب ساعات مدة إقامة قداسته بألمانيا وفي المقابل حساب عدد ساعات مهامه،وأيضًا حساب ساعات النقل الفضائى المباشر والمقابلات التلفزيونية والشخصيات العامة والشعب. وكذلك حساب ساعات النوم والراحة التى يجب توافرها لأى إنسان ما.
ربما اعتقد أن قداسة البابا تواضروس الثانى لم يسند رأسه على وسادة شرايد نوم.
الخلاصة... البابا تواضروس الثانى كان في زيارة رعوية تاريخية فاصلة في تاريخ الكرازة بألمانيا دشن خلالها أربعة كنائس رئاسية للكرازة بألمانيا،والتقى المسؤولين بالحكومة الألمانية لتشجيعهم على منح المزيد من الكنائس للكنيسة القبطية.وفي كل زيارة لقداسته لم ينسى أن يذكر اسم مصرنا الحبيبة ويدعوا شعب الكنيسة والشعب الألمانى والمسؤولين الألمان لزيارة مصر،ألم يكن ذلك دعاية لتنشيط السياحة لمصر. وأيضًا نشر الكرازة في كل ربوع العالم.
علينا جميعا أن نصلى من أجل هذه الكائنة من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها،ومن أجل بلادنا ومن أجل المرضى والراقدين والمسجونين والمحتاجين،ومن أجل الآباء الكهنة والشمامسة،والخدام ومن أجل المعارضين ومن أجل قداسة البابا تواضروس الثانى !!