فى مثل هذا اليوم 23 مايو 1941م..
سامح جميل
تلقى الكاتب الصحفى محمد التابعى اتصالا من المطربة أسمهان تسأله عن إمكانية مقابلته فى المساء لأمر مهم، وفى الساعة الثامنة من يوم الجمعة 23 مايو «مثل هذا اليوم» 1941 جلست أمامه لتحدثه فى مهمتها الجديدة، وهى العمل «جاسوسة لحساب المخابرات البريطانية»، حسبما يؤكد التابعى نفسه وينقل عنه «سعيد أبوالعينين» فى كتابه «أسمهان: لعبة الحب والمخابرات» (كتاب اليوم – أخبار اليوم – القاهرة).
يذكر»التابعى»، أن أسمهان جلست أمامه وفتحت حقيبة يدها، وأخرجت مصحفا صغيرا كانت تحمله معها دائما، ومدت إليه الكتاب الكريم وهى تقول: اقسم على القرآن الشريف ألا تبوح لأحد بكلمة واحدة مما سأقصه عليك الآن إلى أن تنتهى مهمتى»، رد وهو يبتسم: هذه ميلودراما، إيه الحكاية؟، قالت أسمهان: أقسم أولا، فقال: وإذا رفضت، ردت: فى هذه الحالة لن تعرف سبب سفرى، فسألها: سفرك فين؟.أجابت: إلى الشام، يوم الاثنين.
تناول «التابعى» من يدها المصحف الشريف وأقسم، وبدأت تتكلم، وتبوح بالسر، ويعلق قائلا: «عجبت ودهشت فى ذلك المساء، كيف أن بريطانيا التى كانت تجتاز وقتئذ أحلك فترة من فترات الحرب لجأت إلى المطربة أسمهان، لتستعين بها على دخول سوريا ولبنان، لكن بريطانيا لم تلجأ أو تستعن بالمطربة أسمهان، وإنما لجأت أو استعانت بأسمهان «الأميرة الدرزية» مطلقة أمير جبل الدروز «ابن عمها حسن الأطرش». يضيف التابعى: «بدأت أسمهان تروى القصة وأنا فى شبه حلم، فقد عرفت بسر خطير من أسرار الحرب، سر يوشك أن يغير الأوضاع العربية فى الشرق الأوسط، ويبدل الموقف فى الركن الشرقى فى حوض البحر الأبيض المتوسط».
قالت أسمهان، إنها كانت تتناول العشاء على سطح «الكونتننتال» مع بعض الأصدقاء، وكان يجلس إلى مائدة قريبة «مستر نابيير» مدير قسم الدعاية والنشر فى السفارة البريطانية، ونهض من مكانه وتقدم نحوها وحياها مؤكدا أنه يعرفها جيدا، لأنه شغل منصب قنصل بريطانيا فى دمشق سنوات عديدة وعرف هناك أسرة الأطرش «أسرة أسمهان»، وقال لها، إن المصادفة الطيبة هى التى ساقته ذلك المساء لأنه يود مقابلتها منذ يومين لأمر مهم فيه نفع لها ولبلادها.
اتفقا الاثنان على اللقاء، وزارها «نابيير» مساء الخميس ثم اصطحبها إلى بيت مستشار شؤون الشرق الأوسط فى السفارة البريطانية «مستر سمارت»، وكان «روبرت بلوم كلايتون» قائد المخابرات البريطانية فى الشرق الأوسط موجودا، وقالت أسمهان: «اتفق الاثنان معى على أن أسافر بالطائرة إلى القدس يوم الاثنين وسوف أقيم ثلاثة أيام فى القدس فى فندق الملك داود، وهناك سيقابلنى رجل إنجليزى لم يذكر لى اسمه ولكنه سيعطينى التعليمات، وبعد ذلك سأذهب إلى عمان، ومن حدود شرق الأردن أدخل سوريا»، وأضافت: «سيدفعون لى جميع نفقاتى كما أنهم سيضعون تحت تصرفى فى فلسطين وعمان أربعين ألف جنيه لأوزعها على رؤساء قبائل البادية، وأنا على موعد غدا الساعة الثانية مع الجنرال «كلايتون» فى مسكنه بشقة رقم 54 بشارع قصر النيل رقم 8».
يوضح «التابعى» رد فعله لأسمهان، إذ قال ساخرا: «يعنى عايزة تعملى ماتا هارى بتاعة الحرب دى» فردت: «ماتا هارى، كانت جاسوسة تعمل للمال ولو تخون بلادها من أجله، أما أنا فأريد أن أخدم بلدى»، ثم هزت كتفيها بضجر وهى تتحدث عن أحوالها فى مصر قائلة: «قل لى أقعد فى مصر أعمل إيه؟ وأعيش منين؟ لقد سمعت أنت نفسك كلام الناس عنى بالحق وبالباطل، والحبة عملوها قبة، وأجرى فى محطة الإذاعة لا يكفينى وأنا أمقت الغناء فى الأفراح والحفلات العامة، وكنت أرجو بعد نجاح فيلم «انتصار الشباب» أن يقتصر عملى على السينما للتسجيلات فتساعد على أن أمتنع عن العمل فى أى فيلم آخر لمدة عامين، ومضى منهما عام واحد الآن، يعنى على أن أدبر عيشى لمدة عام عن غير طريق السينما، فماذا أفعل؟».
كررت أسمهان سؤالها للتابعى: «قل لى، هل تريد أن أبقى فى مصر وأرفض عرض الإنجليز؟» فأجاب: «سافرى إذن ولكن» فقاطعته قائلة: «هل لا تزال تنصحنى بالعودة إلى زوجى الأمير حسن؟»، فقال لها: «نعم»، ربطت أسمهان بين هذه النصيحة وصوتها، متسائلة، ما إذا كان التابعى يعتبر صوتها قبيحا، لكنه رد: «صوتك جميل جدا وأنت تعرفين ذلك، ولكن هذا شىء واحتراف الغناء شىء آخر، وأنت تكرهين الاحتراف»، وذكرت أسمهان أن مهمتها التى ستسافر من أجلها هى كما قالت: «الحلفاء على وشك الزحف على سوريا ولبنان ويهمهم بطبيعة الحال أن يطمئنوا إلى الموقف الذى سيقفه منهم جبل الدروز».. وامتد الحدث إلى اليوم التالى...!!