كلمة الأب أثناسيوس حنين بقاعة احتفالات دير القديس نيكتاريوس العامر بضاحية جليفادا أثينا اليونان
خرستوس أنستى
حينما طلب منى أبى الروحى الارشمندريت نيفون الأثوسى أن القى كلمة حول المخلع فى عشر دقائق ’ تذكرت الوزير العربى الذى أرسل طويلة الى أمير المؤمنين وفى أخر الرسالة قال " نأسف للأسهاب لضيق الوقت للايجاز ". حقا أن الايجاز يتطلب جهدا واطلاعا وتركيزا وصلاة وانتباه شديد. يلاحظ المراقبون واللاهوتيون وعلماء الاجتماع وعلماء النفس بأنه يوجد خلافا ومسافة كبيرة ولا نقول ’ هوة عميقة ’ بين مسيحية المسيح ومسيحية المسيحيين !ويذهبون ’ ونحن معهم ’ الى أن هذه المسافة تكمن فى أن المسيحيين لا يعلمون من أمور دينهم الا قليلا ’ بل ولا يقبلون على المعرفة المستقيمة لشخص المسيح كما أعلن هو عن نفسه فى الكتاب المقدس’والذى هو كنز يحوى الدواء لكل داء’ وكما فسره وذاقه التراث الكنسى والذى أى التراث يشكل صيدلية الكنيسة . ينتج عن هذا حالة من الشلل العام اصابت الخطاب اللاهوتى وتم روتنة الممارسة الكنسية وتهود وتأسلم الأخلاق المسيحية .
لهذا تشكل قصة المخلع خارطة الطريق نحو الخروج من هذه الأزمة الوجودية التى تمسك بتلابيب الكون اليوم وتهدد بأن تأكل الأخضر واليابس . لأنه حينما يصيب الشلل الانسان ’ يعم الشلل المجتمع ’ ينخر الشلل فى عظام العائلة ’ يضرب الشلل الفكر السياسى ’ يقوض الشلل اقتصاد المجتمع ’لأنه وبكل بساطة وكما قال أجدادنا الفلاسفة اليونانيون "الانسان هو مقياس ومعيار كل شئ " .المسيح يسوع ’ كلمة الأب ’ يريد شفائنا من كل شلل ونفسى وجسدى ’ وقبل كل شئ شفائنا الروحى أى الفكرى والثقافى حسب المعنى الأصلى لكلمة روح (الابنيفما).أن صحة كل انسان هى موضع اهتمام يسوع ’ أليس هو "الذى علق شللنا على الخشبة"’هو يبحث عنا لكى يشفينا ’ ويلاحقنا حول البركة حيث نرقد أشلاء ثمانية وثلاين عاما مذلة وجهل وعبودية ’نترقب اضطراب الماء . يسألنا " أتريد أن تبرأ؟" . يتميز انجيل يوحنا اللاهوتى والذى أورد الحادثة بحس لاهوتى وانسانى رفيع ’ كيف لا وهو الذى لم يتعلم اللاهوت من الكتب ’ بل من الاتكاء على صدر السيد ! لذا يتميز بين الانجيليين فى استخدام افعال "رأى ووجد" والتى تعبر عن علاقة شخصية حميمة بالسيد المسيح. جأت اجابة المشلول سريعة وعفوية وصادقة وانسانية " نعم أريد الشفاء وأنتظره سنين هذا عددها ....ولكن ليس لى انسان " .الشئ اللافت هو أن كلمتيى " نعم ولكن " لم يردا فى نص الانجيل اليوحنائى والاصحاح الخامس ! الكلمتان اضافهم رجل القانون يوحنا الذهبى الفم فى شرحه لبشارة يوحنا اللاهوتى ! نحن أمام مشكلة كبيرة ! هل الأباء يغيرون نص الانجيل الموحى به ! ويضيفون من عندياتهم الفاظا لم ترد فى النص الأصلى ! سيقول لنا البعض من جيراننا أن كتابكم قد تم تحريفه ! ليست القضية بهذه السطحية ولكننا امام ابداع لاهوتى وتفسيرى كبير ’ لأن نفس الروح القدس الذى أوحى بالكتاب المقدس ’ هو هو الذى يلهم المفسرين ! ولهذا يشعر المفسر البنفماتوفوروس بأنه شريك للكاتب فى ذوق النص الالهى وخبير فى أخراج جدد وعتقاء الكلمة.ليس لى انسان ! قالها المشلول ! ولكن كتب الكنيسة الطقسية والتى هى خير مفسر للانجيل ’ تذهب الى رؤية أخرى لأزمة المريض ! ترتل الكنيسة فى عشية احد المخلع وفى كتاب "البندكستاريون" والذى ترتله الكنيسة البيزنطية من قيامة السيد الى عيد الروح القدس ’ والترتيل الحق هو تفسير لاهوتى والا تحول الى اهتزاز اجساد وارتباك نفوس وتجريف للاهوت وبدع كلامية ’ يقول المرتل معاتبا المريض على قوله ليس لى انسان ومحولا المقطع الانجيلى العام الى خبرة شخصية وكنسية صارت ملكا للمصلين بالروح والحق :
"كان انسانا طريحا فى الاسقام عند البركة الغنمية فلما شاهدك يارب هتف ليس لى انسان حتى اذا تحرك الماء يلقينى فيه والى أن أتقدم أنا فيسبقنى أخر غيرى ويستمد الشفاء أما أنا فمأتى فى سقمى . فللحين ترأفت عليه يا مخلص وقلت له لأجلك صرت انسانا ومن جرائك اشتملت بشرة وتقول ليس انسان ارفع سيرك ماشيا . لك يستطاع كل شئ لك يطيع الكل لك يخضع الكل فاذكرنا جميعنا وأرحكنا أيها القدوس بما أنك محب البشر ". .
كان أجدادنا الأقدمون على دراية بما يقولون ’ أحبوا لغة الأرض فأنشكفت لهم لغة السماء ’ غازلوا الكلمات وراقصوها فكشفت لهم اسرارها .قالوا لنا بأننا اذا ما أردنا تربية مسيحية صحيحة ’ فلابد لنا من فهم وفحص معانى الكلمات والاسماء . من هذه الكلمات ’ نجد كلمة " المخلع ’ الباراليتيكوس " وهى تحوى على فعل "ليو " أى يحل ويفك ويطلق ويحرر ’ والضمير "بارا" أى بزيادة يعنى يفك واحد بزيادة! الشلول هى المفكك عضويا ! الشئ الرائع بأن نفس الفعل له اصول ليتورجية ’ فهو هو الذى يستعمل حينما يقوم الكاهن باعطاء الحل (بكسر الحاء) فى الكنيسة أى بركة الانصراف من الكنيسة وليس من أمام وجه الرب . الحل يتم فى سر التوبة والاعتراف وتحت بدرشيل الاب الروحى المختبر والذواقة . لقد استخدم الشيخ سمعان نفس الفعل حينما حمل الطفل يسوع على يديه وبارك الله قائلا " الأن تحالل عبدك بسلام حسب وعدك لأنى عينى ابصرتا خلاصك الكونى " .بداية العلاج من الشلل الروحى والفكرى والعقلى هو الجلوس فى حضرة الرب مع اب روحى مختبر تحت البدرشيل !ليس للدردشة ولا للصحبة ولا للفشخرة بخطايا وسير ذكرها قبيح ! بل للاعتراف والشهادة أن انسان اسمه يسوع هو الذى أبرأنى وقال لى أحمل سريرك فى شركة اب روحى مختبر فى معية الروح الواحد ! التحليل الليتورجى هو اطلاق لشعب الله ليحمل سريره ويذهب يشهد لا لابونا ولا لغيره من البشر مهما كانت درجة قداستهم بل للرب يسوع الذى شفاه من شلله . الابوليسيس الليتورجية هى اعادة ترميم العلاقة بين اعداء الجسد الواحد . نأتى الى كلمة "أمارتيا" أى الخطية وكم وقع على هذه الكلمة من ظلم كبير وتم تغريبها عن أصولها وتاهت فى اخلاقيات باهتة بلا رصيد لاهوتى . حينما تتيتم الكلمات ’ تصير كصنجا يرن ونحاسا يطن . "أمارتانوا " تعنى افقد الهدف .
J,AI MANQUE LE BUT
قال المسيح للمريض "ها أنت قد برئت لا تخطئ " لا يبحث السيد فى دفاتر الرجل القديمة ولا يعيره ! بل يلفته الى أن الخطيئة الكبرى هى فقدان رؤية النعمة التى تجاورنا وباقى الخطايا هى نتيجة لمأساة فقدان الهدف . تماما مثل سائق مشلول فكريا يعدى الاشارة الحمرا ’ هنا يأتى الحادث والبوليس والاوراق والتحقيق والعقاب وهذه ليست الخطية بل نتيجة لها ! علينا بدراسة قواعد المرور اللاهوتية فى بوليفار الحياة الكبير.
أخيرا المعجزة ليست هدفا فى ذاتها ’ هناك مرضى لم يكتب لهم الشفاء وهم أصحاب الاحتياجات الخاصة أى المعوقين ’ ممن يمتلكون ذكاء وخبرة وعلما وتفوق يفوق الكثيرين من الاصحاء والعاطلين عقلا .يسوع ليس سوبرمان ولا سبيدار مان ’ هذا لا يعنى الغاء التدخلات الالهية فى زجمة الحياة اليومية . وما علينا الا أن نسمع شهادة الاستاذ الدكتور بنايوتيس ديماكاكوس وهو من أشهر الجراحين العالميين والذى ترك الدنيا وما عليها وترهب فى جبل أثوس يقول "كثيرا ما نشعر أننا نحن الاطباء بأن يدا أخرى تجرى معنا العمليات الصعبة ’ المسيح نفسه يسهر معنا فى غرفة العمليات ونعيش حضوره الشافى".
وأخيرا صار المريض مبشراأمام اليهود الناكرين للنعمة والمتمسكين بالحرف الذى يقتل الابداع والمقاومين للروح الذى يلملم النفس المخلعة. صار رسولا يشهد لأن الذى أبرأه وقال له أحمل سريرك وأمشى هو يسوع المسيح طبيب البشرية .ما أروع الذهبى الفم حينما يعلق على أن يسوع بحث عنه بعد الشفاء ’ فلم يجده فى القهوة ولا فى النادى ولا فى الشارع ’ ولا فى حفلة صاخبة يحتفى بالشفاء ’ بل وجده فى الهيكل وفى الكنيسة ذلك المستشفى الكونى . خرستوس أنستى .
