جمال رشدي : يكتب
الكنيسة المصرية كما اذكر تكراراً ومراراً هي موروث الحضارة المصرية، وكما اذكر تباعاً أيضاً أن الحضارة المصرية هي بداية التاريخ وتكوينه، و مرقس الرسول احد تلاميذ يسوع المسيح هو الامتداد الروحي للكنيسة، الذي تلاحم مع عمقها التاريخ فجعل منها صخرة صلبة تتحطم عليها كل عوامل التعرية الخارجية والداخلية.
وبالتالي اصبح رجال الكنيسة هم حجارة أساس وطني وروحي من تلك الصخرة، من المفترض أن لا يعتريهم عيب أو شائبة ثقافية أو روحية، ومع كل ذلك هناك البابا الجالس علي كرسي تلك الصخرة والذي تمثل هامته المرتفعة إلي السماء الجانب الروحي وامتداده السفلي الجانب الوطني .
وكان البابا شنودة الراحل خير تجسيد علي ذلك في الروح والحكمة والمعرفة التي جعلته معلم الأجيال ، فكلماته كانت تمثل قيمته، فأي أن كان الجلوس أمامه يتقزم الجميع بكل مستوياتهم العلمية والروحية لأنهم أمام الجالس علي صخرة الكنيسة المصرية الفرعونية المرقسية.
وما أود أن أتناوله هنا بكل حزن وغبن ومعي الكثير من أقباط المنيا وكل جموع مصر الذين استمعوا إلى حديث قداسة البابا تواضروس في ألمانيا امس، وتعاطيه الغير موفق مع مشاكل محافظة المنيا، وطريقة حديثة التي لا تتناسب مع قامة وقيمة بطريرك الكنيسة المصرية، والذهاب بالحديث مع احد الحضور بأن كل محافظات مصر إل 27 تعيش فيها المسيحية والكنيسة بسلام وامن، ما عدا محافظة المنيا لان بها حاجة خطأ، وهو إيحاء فهمه أولاد محافظة المنيا وجموع الشعب القبطي الذين سمعوا الحديث بأن المقصود بالحاجة الخطأ هو الأنبا مكاريوس، عندها انتفضت مواقع التواصل الاجتماعي انتقاداً لطريقة حديث قداسة البابا التي لا تناسب اسم أو قامة الكنيسة والكرسي.
وفي هذا المقال وبما أنني احد ابناء المنيا القاطنين فيها، سأصحب قداسة البابا لنتجول سوياً في تلك المحافظة تاريخياً وجغرافيا لنري سوياً ما هو الشئ الخطأ الذي لم يذكره قداسته، وقوله للشاب الذي يدور معه الحديث بأنه سأذكره بيني وبينك.
وألان وفي سنة 81 وها نحن نقف أمام خالد الاسلامبولي قاتل السادات شاب في مقتبل عمره يستنفر ما بداخله من ارهاب وتطرف ومن ورائه أتباع كثيرين أيدلوجياً وثقافياً ينتشرون في كل ربوع المنيا، وعلي بعد خطوات مننا حي أبو هلال الذي يقطنه أتباع خالد الاسلامبولي والمتسلحين بالعصي والسيوف مما جعل الأمن يعجز عن اقتحامه.
وفي كل ذلك أصوات الأقباط داخل الكهوف والعشش والبيوت الطينية المترامية في دهاليز أطراف المنيا الذي يكتسيها الظلام الدامس،تصرخ وتقول كيرياليسون يأرب ارحم، وعندما يظهر مسيحي في الشارع يصرخ أتباع خالد الاسلامبولي ادخل جوا يا زنديق .. هل تعرف معني زنديق يا قداسة البابا، هل وصل إليك إحساس الرعب والخوف من صوت الجنازير والسيوف في ذلك الحين كان قداسة البابا شنودة العملاق الروحي والوطني والعالم والمعلم التاريخي للكنيسة المصرية تحت الإقامة الجبرية في الدير، لكن كانت صلواته تخترق جدران قلايته ليصل رنين صوته إلي شهيق وزفير أولاده في كل ربوع مصر والعالم، فكانت نسمات الرجاء والأمل تدفعهم إلي الصبر والاحتمال.
وعلي بعد خطوات من كل هذا أيضا كان الزعيم التاريخي والمتحدث باسم الجماعات التكفيرية وابن محافظة المنيا عاصم عبد الماجد هو يصرخ بصوته الجهوري ويعطي الأوامر بحرق بيوت الكفرة وها هم أتباعه يهيمون وينتشرون في ربوع ونجوع كل محافظة المنيا.
نعم يا قداسة البابا تلك كانت الحاجة الغلط في محافظة المنيا فكر تكفيري إرهابي حارب الدولة في التسعينيات وأصبح ثقافة مترامية الإطراف يمثلها الكثيرين، وها هم أولادك ابناء محافظة المنيا القاطنين في النجوع والقري والذي لا يراهم احد يصرخون كيرياليسون يا رب ارحمنا ، قداسة البابا لا أود أن أتجول بك تاريخياً بالعمليات الإرهابية ومنشئاها ومن قاموا بها، لكن أريد أن استكمل معك ثقافياً وروحياً المشهد المؤلم الذي يمثل الخطأ في محافظة المنيا.
وقبل أن اقفز تاريخياً إلى عام 2004 وسيامة الأنبا مكاريوس أسقف عام، استأذنك لكي اجنح بك سياسياً وثقافياً فيما فعلته الدولة بمحافظة المنيا بسبب ابنها خالد الاسلامبولي، كان العقاب شديد لم يكن امنياً بل ثقافياً واقتصادياً وذلك العقاب هو الذي أنتج الحاجة الغلط التي تكلمت عنها قداستك فتعمدت الدولة تأديب المحافظة وأهلها، ووضعتهم تحت حصار اقتصادي وثقافي، فلا تنمية ولا مشروعات ولا مراكز ثقافية عصا التأديب فقط الذي يرفعها المحافظ الذي هو بالتأكيد ابن العسكرية والأمن، فجفت المزارع وهجرت المحاجر وانتشرت الكهوف وسيطر الفقر والجهل علي المحافظة واصبحت رمز للرجعية والظلام والإرهاب والجوع والبطالة والمرض.
كل هذا يا قداسة البابا انشأ حاجة غلط،، جميع ابناء المنيا تعرضوا للظلم بسبب هذا التصرف السياسي من الدولة عبر عقود ماضية، وعندها أصبحت ثقافة خالد الاسلامبولي وعاصم عبد الماجد أسلوب حياة في كثير من أطراف المنيا ونجوعها وإحيائها تلك الثقافة كانت ضد الأقباط ووجودهم وصلاوتهم.
وفي عام 2004 جاء الأنبا مكاريوس الأسقف العام وهنا حدثت المواجهة والمجابهة بين رجل يمثل ثقافة النور والقوة والشجاعة الذي هو بالحقيقة ابن للكنيسة والرهبنة المصرية الوطنية المرقسية، وبين ثقافة الظلام والإرهاب ، الأنبا مكاريوس لم يمثل فقط رجل الكنيسة، بل مثل امتداد موروث حضارة مصر العظيمة التي تمثلها الكنيسة وتلك الحضارة تمثل العلم والثقافة والنور والتسامح والمحبة والقوة والشجاعة.
الأنبا مكاريوس الأسقف العام يقود صلاة في احد نجوع أطراف المنيا في وسط عشه من البوص ( خوص ) هل تعلم معني عشه من البوص يقف فيها أسقف عام وسط ناس لا تغطي أجسادهم وبيوتهم إلا جلباب مهلهل يا قداسة البابا ومن حولهم صوت السنج والسيوف، يفعل الأنبا مكاريوس ذلك ليس لأجل شئ بل لتسليم الإيمان إلي الأطفال والرضع الذين ليس لهم مبني كنيسة يحتضنهم أو يحميهم.
الأنبا مكاريوس يقف ليقود الصلاة مع شعب علي أنقاض وحريق مبني كان يصلون فيه ليعلن التحدي والصموت ضد الموت والقتل ليعطي أولادنا إيمان الآباء يا قداسة البابا.
أنبا مكاريوس يجلس علي حصير من بوص في وسط الفقراء والمساكين، لكي يشبعهم روحياً ويرويهم نفسياً ويغذيهم ثقافياً، نعم يا صاحب القداسة الأنبا مكاريوس كمثل سيدة يجول يفعل خيرا مع كل المهمشين والمستبعدين والمحتاجين والأيتام والأرامل، هذا هو الأنبا مكاريوس الذي أصدرت تصريحك الغير مقبول والغير موفق ضده امس والتي بالتأكيد حزنت السماء بسببه قبل الشعب.
الأنبا مكاريوس اصبح ايقونة كنيسة ووطن لأنه صوت ماضي الآباء الجميل الممزوج بالحكمة والشجاعة والقوة لم يخنع أو يركع، هنا السبب الرئيسي الذي جعل الأنبا مكاريوس رمز لكل أقباط مصر في الداخل والخارج، بل اصبح رمز وطني لكل النخبة الثقافية المصرية هذا ما المسه يا قداسة البابا في تواصل الكتاب والمثقفين والمسئولين معي ،
وأخيرا أقول لقداستك أن حديثك امس كان غير موفق نهائي، فدورك أب يحتوي أخطاء الكل ، يرشد . يوجه . ينصح ... دورك يا قداسة البابا غاسل أرجل . وساتر عيوب . ومحتمل ضعف الآخرين .