بقلم: أندرو أشعياء
نحتفل به لانه بحق نور فوق منارة وآنية حكمة، مقتدرًا في الأفعال والأقوال، كشف لنا سر الحياة الجديدة حاملًا الروح وصائرًا به شاهدًا حي للإيمان ، مقيم في النعمة المثمرة التي فاضت وتفيض على جيل وأجيال ... ألق بشباكه وذاق العمق في البذل والإمحاء ، فصار نوره مشعًا إلى أقصى الأرض .. حافظًا الوصية ومعبرًا عن ما لا يعبر عنه ... كل من رآه رأى مسيحًا حيًا محبًا وديعًا مصليًا متواضع القلب ..
حقاً فاح ويفوح عبير سلوكه وجهاده ومسيرة حياته، بالقداسة والتقوى وهو قدوة ومثال حي للإنجيل المعاش، ومنهجًا تعليميًا للحياة الروحية المستقيمة.. طُعِّم في المسيح وتمثل به، لذا نظرت الكنيسة إلى ان تقيمه راعيًا وابًا ...
ولد القس منسى يوحنا سنة 1899 م. بناحية هور مركز ملوي من أبوين مسيحيين تقيين، ومات أبوه وهو في سن الطفولة فعنيت أمه بتربيته وتشرَّب منها التقوى والحكمة والبر بالفقراء والمساكين. دفعته غيرته على تقدم الكنيسة ونموها على أن يكرس حياته لخدمتها، فالتحق بالمدرسة الإكليريكية وهو في السادسة عشرة من عمره ونبغ فيها بالرغم من صغر سنه.
كان كثير القراءة إلى حد بعيد، واستطاع أن يستوعب مئات الكتب وهو بعد في حداثة سنه، وعلى الرغم من عمره القصير ولكنه كان دسم عامر بالإنتاج الذي لم يستطعه الشيوخ، فكان كارزًا إكليريكيًا عظيمًا وأشهر وعاظ الصعيد في عصره بمركز ملوي ..
حقاً نرى فيه العصر الذﻱ عاش فيه أعاظم الكُتّاب الكنسيين شرقًا وغربًا : من أمثال إيريناؤس الليوني وأغناطيوس الأنطاكي وأثناسيوس السكندرﻱ وباسيليوس الكبير وغريغوريوس النزينزﻱ وأوريجانوس وديديموس الضرير وكيرلس عمود الدين ويوحنا ذهبي الفم وامبرسيوس الميلاني وهيلارﻱ أسقف بواتيه وأُغسطينوس وكبريانوس القرطاجي وكيرلس الأورشليمي وجيروم وميثوديوس الأوليمبي وإبيفانيوس السلاميسي وإيسيذورس الفرمي وأنطونيوس ومكاريوس الكبير وباخوميوس أب الشركة وشنودة رئيس المتوحدين... فكانوا جميعهم وَمَضاتٍ تاريخيةً وعباقرة في الفكر والأدب العالمي ، وكانوا أساسات عظيمة لنضوج الإلهام المسيحي بعلومه وتاريخه وقوانينه وعقائده ولاهوتياته ، مؤسسين نسيج العبقرية الثقافية للمسيحية الكونية وجدير بالذكر انه بلا شك واحد منهم ..
وقد أثرى الكنيسة بخمسة عشر كتابًا في موضوعات روحية ولاهوتية وعقائدية منها كتاب تاريخ الكنيسة القبطية، وقارورة طيب، وكمال البرهان لأثناسيوس الرسولي، وتاريخ يوحنا ذهبي الفم، ويسوع المصلوب، وشمس البر، وكتاب طريق السماء .. غير العديد من المقالات التي نشرت بالصحف ..
وأخيرًا عرف القس منسى يوحنا يوم نياحته فقال لمن حوله يوم 16 مايو سنة 1930 م. "سأموت الليلة فأرجو أن تُصّلّوا عليَّ في ملوي وتدفنونني في هور"، وتنيح في تلك الليلة. وقد أحبه الجميع حتى الطوائف غير الأرثوذكسية وبكوه بكاءً حارًا. وكان القس منسى يوحنا محبوبًا جدًا من المسلمين حتى أنهم كانوا يتهافتون على حمل نعشه يوم وفاته ..
حقًا كيف نحيي ذكرى شخص احيا التاريخ بقلمه؟! إنه الشخص الذي علم الكل أن النجاح ليس في طول مدة الوقت.. هذا هو كاتب التاريخ في أقل وقت من التاريخ.. لقد خلد كهنوته الذي كان قليل الايام، وأرخ التاريخ ليؤرخه على مدار الأزمان.
نعم لازال ثوب الكهنوت المتسربل به يفتخر ويشهد بأنه قد أرتوى بعرقه ودموعه وسجوده ومطانواته وصلواته وكلماته وعبق روحه المخلصه ، فـ بالرغم من سكينته البادية على صوته ومَحياه، إلا أنه كان ناريًا دؤوبًا غيورًا على مجد الله وكنيسته . صلاته تكون معنا آمين .