كتب : مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
إلى الذين لا يدركون أهمية تصويب مسارات العمل التربوي والثقافي والاجتماعي والديني من أجل الاقترب من حلم تحقيق " المواطنة الكاملة " ، وإلى الذين لا يعون خطورة تراكم إهمال الأخطاء والخطايا دون معالجة وتصدي فاعل ومعاقبة من يثبت تورطه في وضع أسس للخراب و تراجع حالة الترابط الإنساني المجتمعي بين الناس ، وإلى من يتصورون بغباوة قلب أن رفعة الدين وتعظيم دعوته تأتي بالنبش السوداوي في دين وعقيدة الأخر بالتسفيه والسخرية والازدراء ..
نعم نمارس كأفراد ومؤسسات ثقافية وتعليمية وإعلامية مايستحق التوقف والتصويب ..
إبان العصر المباركي ، كتب المفكر الدكتور رفعت السعيد عام 1992 منبها لمثل تلك الأخطاء ، قال " فقط سأورد فقرات غير عاقلة وغير معقولة من كتاب عنوانه " محاضرات وبحوث في أصول التربية " الفرقة الثالثة ـ إعداد قسم أصول التربية ، لنقرأ هذه الفقرات ولنر أثرها على نفسية طالب مسيحي ، ولنر أثرها على مواطنين شركاء في ملكية هذا الوطن ترابه وتراثه وتاريخه ومستقبله ، لنقرأ لندرك أن أصحاب هذا الكتاب .. من قسم أصول التربية .. يستحقون هم أنفسهم درساً في التربية ، فأية تربية هذه التي تمزق الطلبة إلى مسلم ومسيحي ، والتي تمزق المسيحي وتضعه في موضع الممتهن ، وماذا سيحل بنا إذا تخرج في قسم التربية مدرسون يمتلكون " تربية " تشبه " تربية " أساتذتهم فيعيثون في الوطن تمزيقاً وتطرفاً .
يا دكتور عاطف صدقي أقرأ معي ، وانظر ماذا أوصلنا إليه ضعف حكومتك ..
.. " المسيحية تقوم على اليهودية ، واليهودية ليست ديناً " ص 15
.. " أن المسيح قد لا يكون له وجود على الإطلاق " ص 86
.. " المسيحية طُعمت بالوثنية " ص 18
.. " المسيحية تأثرت في الفكرة الإلهية بالثالوث المقدس عند قدماء المصريين وبالثالوث الهندي " ص 19
.. " بولس الرسول تظاهر بالنصرانية لتحريف المسيحية " ص 19
.. " المسيحية تم فيها عبث بشري جعلها توليفة يهودية وثنية " ص 78
وهكذا تمتد عشرات الفقرات لتتطاول على ديانات سماوية ، وكأن المسلم لا يكون مسلماً حقاً إلا إذا أهان وامتهن الديانات الأخرى ، بينما صحيح الإسلام يقوم على الاعتراف بالديانات السماوية وعلى احترامها .
عندما تفجرت أحداث العنف الطائفي ، والتطرف الديني في عام 1981 ، قرر مجلس الشورى تشكيل لجنة خاصة لمناقشة الموضوع والتوصيات اللازمة حوله ... "
وفي نفس العام 1992 أصدر مجلس الشورى تقرير ديني هام ، وقد تلمست التوصيات بعض جوانب الأمر ، وأمسكت بتلابيب المتآمرين فإن التقرير أُهمل ، والتوصيات أُحيلت إلى النسيان ، وكالعادة أيضاً فإن التقرير يستند إلى صحيح الدين الذي لا يعجب البوم الناعق بالخراب والتفريق سواء في التليفزيون ، أو على صفحات جريدة يومية " قومية كبرى " ، ويذكرنا التقرير بالآيات الكريمة " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك ، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " ، والآية " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " ، والآية " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " .
ثم يستند التقرير إلى حقائق التاريخ فيقول " المصريون أبناء وطن واحد ، ارتووا بماء النيل ، وافتدوا وطنهم دائماً بأموالهم وأنفسهم من الغاضب ، وعملوا معاً يداً واحدة على طرد كل الدخلاء " .. " وعندما استخدم الاحتلال كل ما يملك من وسائل القوة والخديعة في التآمر لضرب الوحدة الوطنية في فبراير 1910 .. فإن العقلاء من المسلمين والمسيحيين سرعان ما قضوا على تلك الفتنة لتعود الوحدة الوطنية إلى أصالتها .. ولقد قيل لواحد من أبناء ضحايا عام 1910 ، وكان قد قام بدور بارز في ثورة 1919 ، كيف تضع يدك في يد من قتلوا والدك ؟ وردد الرجل كلمة رائعة " أضع يدي في يد من قتلوا أبي ، ولكني لا أضعها في يد من قتلوا وطني " .. " وما من عمل وطني ناجح ، وما من ثورة وطنية في مصر حققت أهدافها ، وما من حرب خاضتها مصر ، إلا كان سر النجاح والانتصار هو اشتراك أبناء الوطن الواحد جميعاً على قدم المساواة لا فضل لأحد على الآخر إلا بقدر ما أعطى وضحى " .
ثم يؤكد التقرير في حسم حاسم وكأنه يرد على " البوم " الذي نعق ولم يزل بالتفريق .. " إن أي كلمة تمس ديناً من الأديان السماوية ، أو تعمل على خلق الفرقة والانقسام بين أبناء الوطن الواحد مرفوضة من شعبنا " .
ثم يقرر في حسم أيضاً " إن الدين كما أنزله الله تعالى عقيدة وعبادة ومعاملات وأخلاق .. من شأنه تحقيق الخير الكامل للأفراد والجماعات ، وليس لفرد أو طائفة أن تستغل الدين لتحقيق مآرب خاصة ، سياسية أو غير سياسية ، لأن هذا الاستغلال يخرج بالدين عن نطاقه .. لهذا كان التسامي بالدين عن اتخاذه وسيلة للوصول إلى أغراض سياسية ، ومنافع خاصة عملاً واجباً لا تصح الحيدة عنه " .
ثم يمسك التقرير بتلابيب بعض أسباب ومسببي الفتنة ، ويكاد يذكر بالاسم هذا البوم الناعق بالخراب في التليفزيون وفي الصحف ، كما يمسك بتلابيب مناهج التعليم وأساليبه في المدارس ، وبرامج التليفزيون التليفزيون وأجهزة الإعلام عموماً كأحد مسببات الفتنة ويقدم توصيات محددة .
" إن أجهزة التربية والإعلام والدعوة مسئولة عن توجيه الأمهات والآباء نحو الأساليب السليمة للتربية المنزلية ، وخاصة بغرس بذور الحب والتسامح والإخاء ونبذ التعصب والكراهية والبغضاء منذ الطفولة الأولى ، وفي هذه السنوات ـ وفي البيت ـ تغرس الأسس الأولى للعقيدة الدينية إسلامية أو مسيحية ، العقيدة الصافية المبرأة من أسباب الخلاف " .
ويقول التقرير " صحيح أن مناهج التربية الدينية الإسلامية والمسيحية في مدارسنا تعني بموضوع التسامح الديني ، ولكن المسألة ليست مسألة منهج فحسب ، وإنما العبرة بالأسلوب الذي يُعالج به المنهج والمواقف التي يتأتى فيها التطبيق والممارسة " .
ويقول " إن المدخل الأساسي في سبيل تحصين أبنائنا وبناتنا ضد التيارات الوافدة للنيل من وحدتنا الوطنية ، وضد التعصب الديني الأعمى هو أن يربي كل من المسلم والمسيحي تربية دينية سليمة ، قائمة على التفهم الصحيح للدين .. والمدرسة يمكنها أن تؤدي دوراً فعالاً في هذا الصدد ولاسيما إذا عاونها المسجد والكنيسة وأجهزة الإعلام " .
ويبقى السؤال : لدينا تقرير د. جمال العطيفي الرائع والمتكامل بعد أحداث الفتنة الشهيرة ، و تقرير مجلس الشورى الذي استعرضنا هنا جوانب إيجابية منه ، وأيضاً وثائق الأزهر الشريف الذي توافق على موادها وشارك في وضعها الجميع ، أراها جميعاً كرؤى وأطروحات كانت كفيلة بتجاوز العديد من الفتن التي تشتعل من إلى آخر ، فلماذا نهدر جهود من شاركوا في وضعها على أرضية وطنية ، وتبقى مجرد مجموعة من الفرص الضائعة ؟!!