بقلم: صفوت سمعان يسى


وصلتني مناشدات كثيرة من أقباط محافظة "الأقصر" بخصوص الاحتفال بمولد مارجرجس بديره العامر بـ"الرزيقات" بمركز "أرمنت" بمحافظة "الأقصر"، الذي يبدأ يوم عشرة من شهر نوفمبرالقادم ولمدة أسبوع، تطلب إعادة النظر في الاحتفال هذا العام لأسباب عديدة، حيث يتشكك الكثيرون في إمكانية عبور الاحتفال بدون مخاطر على زواره؛ نظرًا للانفلات الأمني بالمنطقة، وانتشار أعمال البلطجة والسرقات، وفي حالة الإصرار على أن يتم الاحتفال به، أن يقتصر فتح الدير على الزيارة فقط وفي مواعيد محددة سلفًا، مثلًا من الساعة الثامنة صباحًا حتى السادسة مساء كل يوم، وهذا لن يؤثر بالسلب على ايرادته وذبائحه ونذوره.

 

فزوار الدير أعدادهم تقترب من الملايين، حيث تقوم قرى بالكامل ومدن على زيارته وتبقى خالية من سكانها، ويشترك أيضًا في زيارته الإخوة المسلمين في التجارة بالبيع والشراء، حيث يتم تقديم الخدمات من الأطعمة والفواكة ومحلات الملابس واللعب والصور والبروايز والشرائط ومنتجات الأديرة من العسل والجبن والألبان والمخلالات، حيث يعتبر موسمه نشاطًا تجاريًا متكاملًا لتصريف كل البضائع الرائجة والراكدة بأقل الأسعار عن مثيلاتها في المحلات التجارية بالمدن والمحافظات القريبة، ويأتي المواطنون من كل بقاع المعمورة لزيارته، جزء منهم للتسوق والآخر للتبرك من الزيارة، وكثير من زواره الصعايدة يعتبرونه مصيف الصعايدة، حيث يتقابل الأقارب والأهل من كافة المدن القريبة والبعيدة للالتقاء بذويهم في الدير، وكثيرًا ما تتم المصاهرات والزيجات بناء على لم شمل الأقارب والأسر.

 

كل ذلك جميل، ولكن الأوضاع بعد ثورة 25 يناير تغيرت من الناحية الأمنية، فالسرقات ازدات بشكل غير مسبوق، واقترن معظمها بالبلطجة المقرونة بالعنف وشهر السلاح وفرض الإتاوات، وخصوصًا أن معظم زوار الدير 95 % منهم يقيم في خيام في مساحة 111 فدان أرض زراعية، وهي منطقة مكشوفة ولا يحميها أي سور، ويصعب فرض طوقًا أمنيًا عليها لحمايتها، ومن المثير للسخرية أن النقطة الأمنية والمرورية الوحيدة الموجودة في منطقة الدير، وهي نقطة "الرزيقات"، قد تم الاعتداء عليها، وتم الاستيلاء على الأسلحة من جنود حراسة الكمين!.

 

بالإضافة إلى أن ترك الأهالي منازلهم لمدة أسبوع بدون وجود أشخاص سيشجِّع على سرقتها بالكامل، فإذا كان ذلك يحدث في السابق في ظل التواجد الأمني، فما بالك في ظل حالة الانفلات الأمني التي تشهدها "مصر" بالكامل؟!!!

 

وقد تقدَّم بعض من أهالي "الأقصر" بطلب مكتوب لقداسة البابا في الاجتماع الذي ينعقد كل يوم أربعاء يطلبون منه وقف الاحتفال أو تحديد مواعيد محددة ومبكرة لزيارته، ولكنه أحال الطلب للأنبا "مرقس"، وهو الأسقف المسئول عن الدير وإيرادته، والتي تتعدى الملايين، وتؤثر بالإيجاب على ميزانية الكاتدرائية.

 

ولكن أيضًا كان من المفترض مراعاة دماء شهداء "ماسبيرو"، وشعور أهاليهم وقلوبهم الملتاعة حسرة على الحدث الجلل الذي حدث لهم، وذلك بعدم إقامة شعائر الاحتفال هذا الموسم، وقصرها على الشعائر الدينية فقط، وقصر الاحتفال على الزيارة فقط؛ حتى لا نحرم المترددين من التبرك ووفاء نذورهم.

 

وكان من الواجب على القائمين من أولياء الأمر دراسة الأمر بجدية، فلا يقتصر الأمر على الاهتمام بجمع إيرادات مولد الدير ونذوره دون الاهتمام بالمخاطر التي ستقع ويتعرَّض لها الأقباط الزائرين، من سرقة وبلطجة وخطف مقابل فدية، وتعرُّض منازلهم للسرقات، وخسارة نشاطهم الاقتصادي نتيجة السطو على محلاتهم أثناء غيابهم. فهناك عشرات السرقات التي تتم يوميًا، فعلى سبيل المثال تم خطف طفل شماس صغير من أمام كنيسة الملاك ميخائيل بالأقصر الجمعة السابقة، ولولا ستر ربنا وتواجد أهله لخُطف الطفل، حيث كان الخاطف له عشرات السوابق في الخطف، كذلك ما قاله لي أحد الزملاء من أن أحد رواد الدير من المتبرعين بنذوره بالربع من عجل مذبوح تم السطو عليه أثناء عودته على "الثلاث تربع من العجل" ملكه وسرقته منه، ورجع للدير حزينًا يطلب الدعاء على البلطجية الممتلئة منهم تلك المنطقة؛ لقربها من طريق الوادي الجديد وأسوان الصحراوي، حيث المنطقة مفتوحة ويصعب إحكام السيطرة عليها، كما تم أيضًا الهجوم على دير الشايب بـ"الأقصر"، والذي يقع وسط منطقة آهلة بالسكان، وبجوار منطقة عسكرية ومطار دولي، حيث سطا السارقون على حظيرة الدير، واستولوا على المواشي التي تُقدَّر بمئات الآلاف..!!!

 

كما لا ننسى أن القبلية والتطرف يجتاح تلك المنطقة بالكامل، ويزيد من اشتعالها إجراء الانتخابات القادمة بعد أيام قلائل من انتهاء مولد الدير، والتربيطات، وتخطيط المتطرفين لإحداث عمليات من الفتن الطائفية من تغيير الديانات وافتعال مشاجرات، وذلك لإحداث عملية استقطاب لأهالي المنطقة للتصويت لصالحهم بحجة حماية ورفعة شأن الدين.

 

وبالرغم من أن الدير فتح هذا الأسبوع أماكن للتخييم، وتقدَّم الكثيرون بالحجز، ولكن أيضًا هناك الكثيرون استشعروا بالخطر الذي يهدد حياتهم وممتلكاتهم؛ فقرَّروا عدم الذهاب والمبيت إلا للزيارة لساعات، وترك مبالغ حجزهم كتبرع للدير دون التخييم.

 

ولذلك، نطلب من القائمين على تنسيق مولد "مار جرجس" مراعاة الظروف المستجدة، وفي ظل الأوضاع الأمنية المتردية، أن يفكروا جيدًا في قصر الزيارة هذه السنة فقط في مواعيد محددة، وعدم التخييم والمبيت مثل ما تم سابقًا منذ سنوات قريبة بسبب انفلونزا الخنازير؛ حرصًا على أبنائهم، وأن يكون مصالح الأقباط مقدمة على منفعة جلب الإيرادات والنذور، وألا يقتصر تنسيق ذلك على تمني الأماني، وعلى اللي يخاف من العفريت يطلع له.

اللهم بلغت فاللهم اشهد عليهم.