بقلم : عبد المعنم بدوى
كان الجيش الذى خاضت به مصر حرب رمضان 1973 " جيش أستثنائى " ، قامت مصر ببنائه مقاتلا مقاتلا ، طوبه طوبه ، سلاحا بعد سلاح .
كان كل مقاتل فى ذلك الجيش من أكبر ضابط الى أصغر جندى يعرف بغير فذلكه ولا بغبغه ولاتطبيل أن مصير الوطن كله متوقف على مدى إيمانه وأصراره ، وأن هناك جوله خسرناها بطريقه مفجعه سماها العدو ( حرب الأيام السته ) ، ولابد من أستعادة شرف الوطن وأرضه وكرامته .
أن الجيل الذى أنتمى اليه كان العمود الفقرى لتلك الحرب ، جيل من المتعلمين ، خريجى الجامعات ، الذين أصبح الجيش بكل فروعه يطلبهم بشكل فورى ، ولحسن حظ مصر أن هذا الجيل كان أول أنتاج تراكمى لنهضة بدأت قبلها بسنوات عنوانها " مجانية التعليم " .
كانت دفعتى على سبيل المثال من خريجى عام 1966 ، 80% من هذه الدفعه أستمروا على الأقل جنود وضباط فى خدمة القوات المسلحه من عام 1967 وحتى عام 1974 ، كنا ندبر حياتنا بمرتبات متواضعة للغايه ( عشرين جنيه ـ صافى 17,5 جنيه شهريا ) مع عدم وجود أى أمتيازات لأى مقاتل .
كنت ضابطا فى سلاح الدفاع الجوى ، وكان جمال عبد الناصر قد قرر أن يصبح الدفاع الجوى قياده مستقله فى القوات المسلحه ، وأختار اللواء محمد على فهمى قائدا لهذا السلاح ، حيث بدأ عبد الناصر يدرك مدى خطورة هذا السلاح وأن تطويره وتدعيمه سيغير مسار الصدام فى الحرب القادمه ... حتى جاءت الأخبار الفعليه بحلول الأسبوع الأخير من شهر يوليو 1970 ، ففى هذا الأسبوع أسقطت الصواريخ المصريه 17 طائره أسرائيليه من طراز فانتوم ، ووضعت مصر يدها على تسعة طيارين أحياء .
عرف المصريون لأول مره معنى وطعم أن يكون لديهم دفاع جوى ، وفى أول أجازه خاطفه لى ( 24 ساعه ) ، وما أن وصلت الى منزلنا فى حى الدقى حتى التف حولى أهالى شارعنا يهنأوننى ويدعون لى بالنصر والسلامه .
لقد ألجمتنى هذه المشاعر أمتنانا ومسئوليه وعزاء عن عمر أعطيته وتضحيات بذلتها لقضيه كبرى ، لقد تأكدت فى هذه اللحظه أن هزيمة يونيو 1967 هزيمة جوله وليست هزيمة حرب وأننا ورائنا بنفس الأهميه والصلابه والتضحيه ونكران الذات زوجات وأمهات وأباء وأولاد وبنات ، يتشكل منهم الشعب المصرى ، هؤلاء يقدمون التضحيات فى حياتهم وقلقهم وحرمانهم من أبنائهم وفى أحتياجاتهم الأساسيه ، ويتحملون حرب نفسيه ضاريه .
لقد قطعنا يد سلاح الطيران الأسرائيلى التى كانت تجول وتصول فى سماء مصر ، وكانت تلك مقدمه للمهمه الأكبر وهى العبور وتحرير سيناء ... وكان العاشر من رمضان 1973 .