بقلم :د. عبدالخالق حسين
نُشر على مواقع التواصل الإجتماعي، فيديو (1)، نشاهد فيه متظاهرين من حزب "الفضيلة"، يهجمون بمنتهى الوحشية وفي حالة هستيريا، على مقر الحزب الشيوعي العراقي في مدينة الناصرية، وهم مجموعة من الشباب وبعضهم معممون، يصرخون (يا حسين يا حسين... لبيك ياحسن)، وينزلون صورة النائبة هيفاء الأمين من واجهة مقر الحزب، ويدوسونها بالأقدام ثم يحرقونها، احتجاجاً على تصريحات أدلت بها النائبة في ندوة في بيروت، دافعت فيها عن مناطق جنوب العراق التي تعاني من التخلف والحرمان من الخدمات، ولكن استغلت قيادة حزب "الفضيلة" هذه التصريحات وفسرتها عن قصد سيئ، أن النائبة أهانت أهل الجنوب ووصفتهم بالمتخلفين.
ولا ندري ما علاقة الحسين بهذه التصريحات، فقد أرادت قيادة حزب الفضيلة تضليل الشباب وتحريضهم على الحزب الشيوعي لغاية سنأتي على ذكرها بعد قليل.
كما وأفادت التقارير أنهم اعتدوا على المسؤولين في داخل مقر الحزب الشيوعي، وعدوان آخر على مقر نفس الحزب في سوق الشيوخ.. ولنا أن نتصور ماذا كانوا سيعملون بالسيدة النائبة هيفاء الأمين لو كانت موجودة في المقر آنذاك ووقعت بأيديهم، خاصة وهم يطالبون بإعدامها، تالله لسحلوها ومزقوها إرباُ إربا. والسؤال هنا، إن لم تكن هذه غوغائية، فما هي الغوغائية؟ وربما سيتهمنا البعض بأننا نصف الجماهير بالغوغاء والرعاع، وقد كتبنا مقالاً قبل سنوات عن هذا الموضوع بعنوان: (الشعب والغوغاء من منظور الوردي)(2)
وكما جاء في بيان الحزب الشيوعي: (... كان اعتداء سافرا على مقري حزب مجاز بموجب الدستور والقانون، وانتهاكا فظا للدستور والقانون كليهما، وثلما لهيبة الدولة ومؤسساتها. وقد كشف في الوقت ذاته مدى ازدراء البعض لحرية التعبير ولتقاليد العمل السياسي، وضيقهم بالرأي الآخر، وخروجهم على الآليات الديمقراطية والسلمية المتوافقة مع روح الدستور، في معالجة القضايا السياسية المختلف حولها.)(3)
لقد وقع الهجوم الإجرامي على مقر حزب وطني معروف بتضحياته، ومساهم في العملية السياسية ومؤسسات الدولة، في وضح النهار، ودون أن تتحرك الأجهزة الأمنية لحماية المواطنين من هذه الهجمة الشرسة التي لا يماثلها في الوحشية إلا أعمال داعش.
إن السبب المعلن عن هذه الهجمة الهمجية على السيدة هيفاء الأمين، وعلى مقرات الحزب الشيوعي، هو ما أدلت به من تصريحات عن معاناة سكان الجنوب من التخلف، وهي بالتأكيد كانت تقصد التخلف في الخدمات، وغيرها، وغايتها دفع المسؤولين لمعالجة هذه الأوضاع البائسة، و رفع مستوى سكان هذه المناطق المهملة في كل العهود، وهي ابنة الناصرية التي أثير بها كل هذا الضجيج.
ولكن في حقيقة الأمر، أن السبب الرئيسي لهذه الهجمة الوحشية على النائبة، ليس لأنها أدانت التخلف فحسب، بل ولأنها كانت قد قدمت للبرلمان مشروع قانون حقوق المرأة لوقف التعسف، وإيقاف زواج الاطفال، وضمان حقوق الزوجة .. الخ. هذا المشروع هو ضد مصالح القوى الظلامية وعلى رأسها حزب " اللافضيلة" الذي أثبت أن حقيقته هي عكس إسمه، أي أنه حزب الرذيلة والتخلف... هيفاء بنت الناصرية الأبية ومن عائلة ضحت في سبيل مبادئ إنسانية، وتعرف جيدا معاناة النساء هناك حيث يعاملن كجواري وعبيد ويشرعها الرذلاء ولا يريدون التغيير. والأحزاب الإسلامية وفي مقدمتها حزب الرذيلة ضد هذا المشروع الإنساني الحضاري التقدمي.
وكنت قد نشرت مقالاً عن نفس الموضوع على مواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي بعنوان: (هيفاء الأمين...لا تعتذرِي عن قول الحقيقة)(4)، فكان أغلب تعليقات الأخوة القراء تتفق مع تصريحات النائبة هيفاء الأمين عن وصف المناطق الجنوبية بالتخلف، وحتى الناس متخلفين، نتيجة الإهمال المتعمد من قبل السلطات المتعاقبة في مختلف العهود، بل أكد بعضهم أن التخلف ليس في الجنوب فقط، بل ويشمل كل العراق، ولكنهم اعترضوا على نقطة واحدة وهي أن النائبة أدلت بهذه التصريحات "امام مجموعة من إعلاميين عرب و في بلد عربي [لبنان]، و ان الإعلام العربي و حتى العراقي التابع للأجندة الخليجية اسهم في احباط الناس، و نشر الحالة السوداء التي صوروها بعد سقوط صدام."
وجوابي على هذا الاعتراض أنه في عصر العولمة والفضائيات والإنترنت (حيث صار العالم قرية كونية صغيرة)، ليس هناك سر أو فضيحة يمكن سترهما. فما الفرق في إفشاء هذه المعلومات في بغداد أو بيروت، أو القاهرة، أو أي مكان آخر في العالم في عصر الإنترنت والفضائيات واليوتيوب؟ لا شك أن هذه التصريحات ستكون بعد دقائق بمتناول كل سكان المعمورة. لذلك أنا لا أعتقد أن مكان التصريحات كان خطأً وسبباً لكل هذه الضجة، وإنما السبب الحقيقي هو ما أشرت إليه أعلاه، وهو منع أي تغيير لصالح المرأة والطفولة، ومحاولة من الأحزاب الإسلامية وخاصة حزب "الفضيلة" لتصفية الحزب الشيوعي، نفس اللعبة القذرة التي لعبوها إبان ثورة 14 تموز 1958، عندما أصدروا فتواهم (الشيوعية كفر وإلحاد)، وكانت الثورة وإصلاحاتها الثورية الاجتماعية وقيادتها الوطنية، هي المستهدفة، حيث تكالبت عليها قوى الشر في الداخل والخارج وتكللت بإنقلابهم الأسود يوم 8 شباط 1963، الإنقلاب الذي دمر حتى أولئك الذين مهدوا له بفتاواهم سيئة الصيت. وهؤلاء يعيدون اليوم نفس اللعبة القذرة ولنفس الأغراض، ولكن إذا نجحوا (لا سامح الله)، فلابد وأنهم سيكونون من ضحايا لعبتهم إذ لا بد وأن ينقلب السحر على الساحر كما حصل في الماضي. والجدير بالذكر أن حزب الفضيلة متهم بأنه من أشد الأحزاب السياسية العراقية فساداً، (يرجى فتح رابط التقرير في الهامش- رقم5)
كذلك اعترض عدد من الأخوة بأن تصريحات السيدة الأمين شملت (ازدراءً للأديان، وهذا مخالف للدستور والقانون، وجارح لمشاعر الناس الدينية!!). في الحقيقة هذا الاعتراض هو الآخر لم يصمد أمام أية مناقشة منصفة، فالسيدة النائبة لم تزدرِ الأديان أبداً، وربما تعرضت إلى بعض الطقوس مثل التطبير والضرب الظهور بالزنجيل في المواكب الحسينية...الخ. وهذا ليس ازدراءً للأديان أبداً، بل مطالبة بنبذ هذه الطقوس الدخيلة الغريبة التي لا علاقة لها بالدين الإسلامي والمذهب الشيعي، بل إساءة لهما، لأن أغلب رجال الدين الشيعة الكبار (آيات الله المجتهدون) ومن بينهم السيد علي خامنئي مرشد الثورة الإسلامية في إيران، و ولي الفقيه، أصدروا فتاوى في مختلف المراحل التاريخية تقضي بمنعها، لأنها دخيلة ومسيئة إلى سمعة وصورة الشيعة.
خلاصة القول، وكما أكد أغلب الذين كتبوا مقالات وتعليقات عن تصريحات النائبة هيفاء الأمين، أن التخلف موجود ليس في الجنوب فحسب، بل وضارباً أطنابه في جميع أنحاء العراق مع الاختلاف بالدرجة. لذلك من واجب المثقفين والمدافعين عن حقوق الإنسان، فضحه لمعالجته. إذ هكذا يعمل المثقفون والسياسيون في الدول المتقدمة وخاصة الغربية، ويتجنبون سياسة النعامة في دفن رأسها في الرمال. ونؤكد ثانية، إن سبب هذه الهجمة المتوحشة على النائبة هيفاء الأمين، و مقرات حزبها الشيوعي، هو ليس لأنها أدانت التخلف وبعض الطقوس الدخيلة التي ليست من الدين والمذهب بشيء، بل لأنها قدمت للبرلمان مشروع قانون حقوق المرأة لوقف التعسف بحقها، وإيقاف معاملتها كدية في النزاعات العاشائرية، ومنع زواج الاطفال، وضمان حقوق الزوجة .. الخ. و القوى الظلامية وعلى رأسها حزب اللافضيلة ضد هكذا مشروع تقدمي. وحقاً ما رددته الجماهير: (بسم الدين باكونا الحرامية). وعليه نطالب جميع القوى الخيرة إدانة هذا العمل البربري، والمطلوب من الدولة أن تستعيد هيبتها، وذلك بمحاسبة الجناة، وحماية مقرات الأحزاب السياسية العاملة وفق الدستور والقانون، وحماية أمن جميع المواطنين من البلطجية، والقضاء على التخلف، وحماية من يشخص التخلف ويدينه.