بقلم : يوسف سيدهم
أستأنف اليوم تفنيد أسباب موافقتي علي التعديلات الدستورية -التي بدأتها الأسبوع الماضي- ولم يتبق فيها إلا مناقشة المادة (241 مكرر) المضافة والتي تنص علي انتهاء مدة رئيس الجمهورية الحالي بعد انقضاء ست سنوات علي بداية فترة رئاسته الحالية عام 2018- أي تنتهي عام 2024- ويجوز إعادة انتخابه لمدة تالية.. وقلت إن لي تحفظا مشروطا علي النص علي جواز إعادة انتخابه لمدة تالية, لأن في هذه الصياغة تجاوزين مقصودين حتي لا تتعارض المادة مع المادة (140) التي تنص علي أن ينتخب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات ميلادية ولا يجوز أن يتولي الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين… وبناء عليه جاء التجاوز الأول في ذكر فترة رئاسته الحالية.. بينما هي فترة رئاسته الثانية.. ثم جاء التجاوز الثاني في ذكر ويجوز إعادة انتخابه لمدة تالية.. بينما هي يجوز إعادة انتخابه لمدة ثالثة…. ولعله كان من المناسب طالما استقرت الإرادة الشعبية والتشريعية علي إتاحة الفرصة للرئيس السيسي للاستمرار في السلطة بعد فترته الحالية -وهي الثانية- أن يتم النص صراحة علي عدم الاعتداد بفترة رئاسته الأولي (2014-2018) من أجل إضفاء الشرعية الدستورية علي نص المادة (241 مكرر) المضافة.
وحتي لا يتطرق الظن لأحد أنني بهذا التحليل أعبر عن عدم ترحيبي أو عدم اقتناعي باستمرار الرئيس السيسي في السلطة, دعوني أسجل أني وأنا أوافق علي التعديلات الدستورية أشارك الغالبية العظمي من المصريين محبتهم العميقة لشخص الرئيس وثقتهم التامة في محبته الخالصة لمصر وجهده الدؤوب وتفانيه في العمل علي استقرارها وتطورها في شتي المجالات وإنجازاته الهائلة في إعلاء مصالحها الاستراتيجية عربيا وأفريقيا وعالميا… إذا لا جدال في أن الرئيس السيسي هو رجل الساعة المؤهل لاستكمال هذه المسيرة والعبور بمصر إلي آفاق الدولة المدنية الحديثة.
لكن رجل الساعة لا يستقيم أن يكون رجل كل ساعة, ويجب أن ندرك ونحن نولي الرئيس السيسي هذه الثقة التي ينالها عن جدارة واستحقاق أنه مهما امتدت السنين فحتما سوف يأتي يوم يتحتم عليه فيه مغادرة السلطة وتسليمها إلي رئيس تال منتخب من خلال الصندوق.. كما يجب أن ندرك أن عهد ديمومة السلطة قد ولي بغير رجعة ولم يعد معيار تغيير السلطة في الدولة الحديثة هو نزول الجماهير للشارع ومطالبتها الرئيس بالرحيل, إنما المعيار في الدولة الحديثة هو التداول السلمي للسلطة من خلال دستورية الحدود الزمنية القصوي للرئاسة لأي شخص وحتمية التغيير من خلال ظهور شخصيات جديدة تتنافس وتتقدم للرئاسة ترشحا وانتخابا.
كما يجب أن ندرك أن النص الدستوري بعدم جواز بقاء رئيس الدولة في السلطة لأكثر من مدتين متتاليتين القصد منه حماية الشعب من رئيس يأتي ويستمرئ البقاء في السلطة وعدم مغادرتها, لذلك ينبغي أن نستعد جيدا لتدبر أمورنا السياسية وأوضاعنا الحزبية وما تقتضيه من إصلاح وتطوير لتكون قوية وقادرة علي إفراز قيادات واعية تعرفها الجماهير وتستطيع أن تتقدم في الوقت المناسب للمنافسة علي منصب رئيس الجمهورية.
ليست هذه المرة الأولي التي أتعرض فيها لهذا الشأن الوطني المهم, فقد سبق أن تناولته مرارا كلما كتبت عن الإصلاح الحزبي في بلادنا.. بل عدت إلي ما كتبت في هذا المكان بتاريخ 2017/10/22 تحت عنوان لماذا أدعم ترشح السيسي لفترة رئاسة ثانية وكان ذلك إبان انطلاق حملات سياسية وشعبية لدعم ترشيح الرئيس السيسي لفترة رئاسة ثانية -2022/2018- عند اقتراب نهاية فترة رئاسته الأولي -2018/2014- وأستدعي هنا بعض المقاطع مما كتبت:
** أؤيد جميع الجهود الوطنية لدعم ترشيح السيسي لفترة رئاسة ثانية, وأتمني أن يستثمر هذه الفترة -انطلاقا من حبه الجارف لمصر- في إصلاح منظومتها السياسية والحزبية أسوة بإنجازاته الهائلة في تنميتها.. لقد صيغ الدستور الحالي برؤية وطنية واعية تستهدف القضاء علي ديمومة السلطة, تلك الآفة التي عانت منها مصر منذ قيام ثورة 1952, ومن الواضح أن إدراك ما ينص عليه الدستور من ضمان آليات التداول السلمي للسطة يعتمد علي خلق خريطة سياسية عفية ومنظومة حزبية قوية تستطيع الإسهام في ذلك وتملك معايير إفراز قيادات واعدة تتقدم للرئاسة وتتنافس علي منصب رئيس الدولة, ويكون الدستور هو صمام الأمان الذي يحمي البلاد من احتمال تغول السلطة أو استبداد الحكم إذا ضل رئيس الجمهورية السبيل.
** أعرف تماما أن تشرذم الأحزاب وتهرؤها وضعفها لا يطمئن المصريين علي قدرتها علي المنافسة علي منصب الرئاسة, وذلك وضع أثق أن الرئيس السيسي نفسه غير مستريح له, فقد سبق أن عبر عن ذلك بقوله: دعوت أكثر من مرة إلي اندماجات بين الأحزاب المتشابهة في برامجها وتوجهاتها السياسية من أجل خلق أكثر من حزب قوي لتسهم الخريطة الحزبية في تفريخ الكوادر المؤهلة لتداول السلطة.. وقتها كان الرئيس السيسي يعبر عما يتمني, والآن وأنا أدعم ترشحه لفترة رئاسة ثانية أتطلع بشدة إلي أن يتصدي لتفعيل ذلك.
*** هذا ما كتبته عام 2017 ولست أجد أهم وأخطر منه لأكتبه اليوم في أعقاب التعديلات الدستورية..