د/ عايدة نصيف
إن حجم المبادرة التي طرحتها الصين لا يسمح بتجاهل أهميتها السياسية بالنسبة للاقتصاد العالمي ككل.. حيث إن إستراتيجية "الحزام والطريق" هي محاولة لتحديد معالم مرغوبة للصين في المرحلة الجديدة من العولمة، وإيجاد سبل لتنفيذها العملي.
والمبادئ الرئيسة لــ "العولمة على النمط الصيني" هي السلام والتعاون والتنمية والمنفعة المتبادلة، والأهم من ذلك، التنوع والعدالة. وتعتزم الصين الانتقال إلى المرحلة الجديدة لا من خلال هدم النموذج القديم، بل من خلال التحسن التدريجي نحو تعزيز حرية حركة السلع ورأس المال في جميع أنحاء العالم.
ويحتاج الاقتصاد العالمي، ولا سيما في الدول النامية، إلى رفض النموذج الاقتصادي الليبرالي الجديد الذي أدى إلى زيادة عدم المساواة في العالم. وتشير الدروس المستفادة من أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية أن الدول الوحيدة القادرة على الاستفادة الكاملة من العولمة هي تلك التي ظل نظام الدولة بها قويا يقوم بالتنمية لصالح الشعب ولم يتبع الطرق الهادفة إلى تقليل التدخل الحكومي.
إن "دعوة" الصين بأن "تقود" العولمة أصبحت ملحوظة بشكل خاص على خلفية رفض قطاعات كبيرة من السكان والقطاعات الاقتصادية الغير راضية عن العولمة الحالية، إذن هناك تحول عن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية لحماية العولمة، بعدما كانت لعقود من الزمن أهم محرك للعولمة والتجارة الحرة، وبلا شك سوف تستفيد الصين بذلك وأعتقد أنها على استعداد لالتقاط العصا.
ومشاركة مصر في المبادرة بلا شك سيجلب لها فوائد اقتصادية واستثمارية وسياسية كبيرة من خلال تمويل البنك الآسيوي للاستثمار، ولعل العلاقات المصرية الصينية ما هي إلا حلقة من حلقات توازن السياسة المصرية الخارجية، واستثمارات الصين الحالية والمستقبلية في مصر كبيرة جدا لا سيما في العاصمة الإدارية الجديدة والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، تلك القناة التي تمثل عنق الزجاجة للطريق البحري الصيني المرتقب؛ ومن هنا يمكن تفسير الاهتمام الصيني الكبير بمصر وبتقوية العلاقات معها.
ومن المتوقع أن يكون هناك مزيد من الانعكاسات السياسية والاقتصادية لهذه المبادرة على مصر في المستقبل، وختاما يظل التساؤل قائما هل ستنجح الصين بما لها من قوة اقتصادية وبما لها من استثمارات ضخمة، ليس في الدول النامية فحسب بل في كبرى الدول الأوروبية، أن تحقق أهدافها وأن تنجح في تحقيق نمو اقتصادي عادل في الدول النامية والفقيرة.