بقلم : ملاك جاد
الله نور و ليس فيه ظلمة البتة.
والنور يُضيء في الظلمة، والظلمة لم تُدركه.
سأنقل للقاريء مقتطفات من مقال لقداسة البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام -
وايضاً آيات من الكتاب المقدس مرتبطة
ببعض ما ورد بهذا المقال
لا للشكلية والحرفية
مقال يوم الأحد 28-9-2008
الإنسان الفاضل يهتم بعُمق الأمور وليس بشكلياتها
ومن جهة تعامله مع وصايا اللَّه، يهتم بروحانيتها وليس بحرفيتها.
ذلك لأنَّ الشكليات هي المظهر الخارجي.
والإنسان الروحي لا يهتم بالمظهر إنما بالجوهر.
وليس هذا فقط من جهة الأمور الدينية، وإنما حتى في الأمور الإدارية والمدنية والحياة عامة.
وسنحاول في هذا المقال أن نتناول العديد من الأمثلة لشرح هذا الموضوع:
كان اليهود وبخاصة أيام إشعياء النبي يهتمون بالعبادة الشكلية من صلوات وأصوام وتقديم ذبائح والاهتمام بالاحتفالات والأعياد الدينية، بينما هم بعيدون عن اللَّه تمامًا.
ولذلك رفض اللَّه صلواتهم وقال لهم: "حين تبسطون أيديكم، أستُرُ وجهي عنكم.
وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع.
أيديكم ملآنة دمًا".
وقال عنهم أيضًا: "هذا الشعب يُكرمُني بشفتيه، أمَّا قلبه فمُبتعدٌ عني بعيدًا"
حقًا إن اللَّه يُريد العبادة التي من القلب وليس مُجرَّد الشكليات الخارجية.
مثال آخر، قد يركع الإنسان ويسجد.
ويظن أن السجود هو انحناء الجسد أو مُجرَّد ملامسة الرأس للأرض.
ويهتم بهذه الشكلية ويكتفي بها.
بينما روحانية السجود هي انحناء الروح مع الجسد أيضًا، وهذا لا يأتي إلاَّ بخشوع النَّفس من الداخل.
وسجود الإنسان الخاشع أمام اللَّه يختلف تمامًا عن مُجرَّد السجود الخالي من خشوع القلب.
وجوهر السجود هو الشعور بعظمة اللَّه وهيبته، فأمامه تنحني الرأس حتى تلامس الأرض ويشعر الإنسان إنه لا عظمة له أمام عظمة اللَّه.
وهكذا قال داود النبي في مزاميره: "لَصِقَتْ بالتُّراب نَفْسِي". ولم يقل لصقت بالتراب رأسي.
الصلاة أيضًا ليست مُجرَّد ألفاظ نُردِّدها.
فهذا الترديد هو مُجرَّد شكلية الصلاة.
إنما الصلاة في جوهرها، هي صلة اللَّه ومن هذا أخذت اسمها.
والصلاة في عمقها هي انفتاح القلب للَّه، بكل خشوع، وكُل حُب، وكل إيمان.
لذلك عجيب جدًا أن يُصلِّي إنسان، أو يظن إنه يُصلِّي، بينما لا توجد صِلة بينه وبين اللَّه فيما يسميها صلاة!! فإن كانت لك مثل هذه الصلاة الشكلية التي رُبَّما تكون أيضًا بلا فهم وبلا مشاعر، فقل لنفسك في صراحة تامة: "أنا ما وقفت أمام اللَّه لكي أعدّ ألفاظًا!!"... إن علاقتك باللَّه في الصلاة ليست علاقة مع شفتيك إنما مع قلبك قبل كل شي.
نطبق هذا الأمر أيضًا من جهة العطاء أو الصدقة.
فجوهر العطاء هو أن تعطي من قلبك ومن حبك لا أن تعطي من مالك ومن جيبك.
لأنَّ البعض قد يعطي بغير مشاعر، لمُجرَّد التنفيذ الحرفي لوصية اللَّه، أو يعطي حياء منه حينما يطلب ذلك منه، أو يعطي وهو متذمِّر، أو يعطي الفقراء وهو يحاسبهم حسابًا عسيرًا ويقول أحيانًا: هذا مستحق وهذا غير مستحق. أو يعطي مجاملة لبعض المشروعات الاجتماعية التي تقوم بها بعض الهيئات... وفي كل ذلك يظهر أن القلب غير مشترك في العطاء، أو أن العطاء غير مرتبط بمحبته للمحتاجين وإشفاقه عليهم، أو يعطي بشيء من التعالي والافتخار!! كل ذلك هو لون من الحرفية في العطاء أو الشكلية التي تخرج عن روح المحبة والشفقة والمشاركة الوجدانية مع أولئك المحتاجين.
أمَّا الإنسان الروحي فيرى أن المُعطي الحقيقي هو اللَّه.
وأن ما يعطيه هو للناس قد أخذه من اللَّه ليوصله منه إليهم، في اتضاع وإنكار للذات.
بنفس المنطق نتكلَّم من جهة الصوم.
فروحانية الصوم هي في إخضاع الجسد وضبط النفس، تمهيدًا لأن يكون ذلك منهج حياة
غير أنه قد يوجد شخص يهتم بالشكل فقط، أي مُجرَّد فترة الانقطاع عن الطعام. ثم بعد ذلك يعطي جسده ما يشتهيه بغير انضباط! وبهذا فإن ما ينتفع به في صومه، يفقده بعد إفطاره. ويذكرني هذا الأمر بقول أمير الشعراء أحمد شوقي عن زجاجة الخمر
رمضان ولَّى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتا
بينما روحانية الصوم تقول إن الذي امتنع شهرًا من الزمان عن زجاجة الخمر، من المفروض أنه قد وصل إلى قوة الإرادة التي يرفض بها تلك الزجاجة. ولا يقول عنها إنه مشتاق يسعى إلى مشتاقة.
اما عن آيات الكتاب المقدس..
ومتى صلّيت فلا تكن كالمرائين.فانهم يحبون ان يصلّوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس.
الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم.
واما انت فمتى صلّيت فادخل الى مخدعك واغلق بابك وصلّ الى ابيك الذي في الخفاء.
فابوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية.
وحينما تصلّون لا تكرروا الكلام باطلا كالامم.فانهم يظنون انه بكثرة كلامهم يستجاب لهم.
فلا تتشبهوا بهم.لان اباكم يعلم ما تحتاجون اليه قبل ان تسألوه.
ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين.
فانهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين.
الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم.
واما انت فمتى صمت فادهن راسك واغسل وجهك.
لكي لا تظهر للناس صائما بل لابيك الذي في الخفاء.
فابوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية.
احترزوا من ان تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم.
والا فليس لكم اجر عند ابيكم الذي في السموات.
فمتى صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الازقة لكي يمجّدوا من الناس.
الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم.
واما انت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك.
لكي تكون صدقتك في الخفاء.فابوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية.