بقلم – أماني موسى
منذ عام 2011 ومصر ودول المنطقة عانت من عدم الاستقرار وحالة الفوضى اللا خلاقة تحت شعار "ثورات الربيع العربي" الذي أطاح بالأخضر واليابس، وحوّل دول المنطقة من حولنا إلى بقايا دول ببقايا مؤسسات تحاول النهوض مجددًا، ولولا توفيق الله والجهود المخلصة التي قام بها الجيش المصري الوطني والأجهزة الأمنية لكان مصير مصر لا يختلف كثيرًا عمّا نراه ونسمعه بشاشات التلفزيون، وكان مصير شعبها قوارب الموت في عرض البحر أو الاستباحة للمال والعرض لنسائها.
ورغم أن مصر تمكنت بفضل الله وبفضل جهود أبنائها المخلصين أن تغير ما رُسم لها وأن تنجو منه إلا أننا لازالنا في مواجهات شرسة وطويلة الأمد مع الإرهاب والإرهابيين أيضًا، ويقوم الجيش والشرطة بالمواجهة الأمنية التي لا مفر منها طالما أن هناك مجموعات إرهابية رفعت سلاحها في وجه الشعب والجيش، إلا أنني كمواطن عادي أتساءل هل الحلول الأمنية وحدها كافية لِما تواجهه الدولة من خطر حقيقي يمتد تأثيره إلى حد تقسيمها أجلاً أو عاجلاً؟
فمصر منذ زمن بعيد تواجه الإرهاب بالحلول الأمنية ولكننا إلى الآن لم نتخلص من الإرهاب أو الفكر الإرهابي، بل أخذ ينتشر وتتسع دائرة معتنقيه، علّ هذا يقودنا إلى أنه ربما هناك خطأ ما بخطة المواجهة؟ ربما هناك عناصر مفقودة لا بد من إدخالها في خطة مواجهة الإرهاب والتخلص منه؟
فالمواجهة الأمنية هي أحد العناصر للمواجهة لكن ليس كلها، ولا ينبغي أن نحصر كل المواجهة في مواجهة الإرهابيين أمنيًا، فهذا ربما يفلح في القضاء على بعض الإرهابيين هناك أو هناك، لكنه لن يفلح في القضاء على الإرهاب، على الفكر الذي بات ينتشر ويتوغل بشكل سرطاني ربما ينذر بأنه سيأكل الجسد كله ولن تفلح معه مسكنات التعايش والشعارات المجوفة الخالية من كل حقيقة.
فأنا كمواطن عادي لديّ تساؤل مُلح للدولة المصرية، حين يتم تخصيص أكثر من 13 مليار جنيه من ميزانية الدولة لمؤسسة دينية واحدة، بخلاف بقية المؤسسات الدينية الأخرى، يقابلها نحو 80 مليون جنيه فقط للثقافة، فأي نتيجة مُنتظرة من تخصيص هذا المبلغ الهائل للتعليم الديني؟ هل مزيد من الدين هو ما ينقص مصر وشعبها لذا وجب الاستزادة منه للتخلص من الإرهاب؟
كامل الاحترام لهذه المؤسسة على الرغم من علامات الاستفهام الكثيرة حولها من مناهج يتم تدريسها لا تحث على أي تعايش سلمي بل تؤجج الصراع، وبعيدًا عن كون رؤساء أعتى التنظيمات الإرهابية من خريجيها، إلا أنني أسال الدولة أي نتيجة ننتظرها من هذه الميزانية الضخمة لمؤسسة الأزهر يقابلها نحو 80 مليون جنيه فقط لوزارة الثقافة؟ فهل مصر تحتاج للمزيد من المدارس والجامعات الدينية أم المسارح والفنون والموسيقى؟
هذا بخلاف الحضانات الدينية المنتشرة في ربوع مصر، والتي وفقًا لتصريح وزيرة التضامن لا تخضع مناهجها أو ما يتم بداخلها لسلطة المؤسسات، ومنذ شهور قليلة وجدنا عدد من البرلمانيين يعلنون على شاشات التلفزيون ما يتم تدريسه في هذه الحضانات، على سبيل المثال لا الحصر لعبة للأطفال دون سن الثالثة بمكافآت تسألهم من هو المؤمن ومن هو الكافر، وتعلمه أن المسيحي كافر لا يعبد الله و و و، وفي الحقيقة يدير هذه الحضانات التيارات التي ترى أن الوطن حفنة تراب عفنة، وأنا كمواطن انتظرت بعد هذه الضجة أن أجد رد فعل حاسم وقوي من مؤسسات الدولة، إلا أنه لم يتحرك أحد وبقيت وستبقى هذه الحضانات التي تخلق نفسية وكيان وعقيدة الإرهابي، أسال القائمين على الدولة في مصر: ماذا تنتظر من آلاف الأطفال الذين يدرسون في هذه الحضانات ويتلقون تعليمهم الأول على أيدي متطرفين يعلمونهم أن المسيحي كافر واليهودي حفيد القردة والخنازير، ووجب مقاتلة الكفار، ولا يوجد ما يسمى وطن أو الانتماء له بل الانتماء للعقيدة، فهل مثل هذا التعليم سيُخرّج مواطنين صالحين منتمين لهذا البلد؟ أم إرهابي متكامل الأركان؟
ولا ننسى المدارس الدينية الآخذة في الانتشار والتي يطلق عليها المدارس العلمية، ولا أدري لماذا يطلق عليها المدارس العلمية؟! حتى أننا بتنا نطلق لفظة عالم على رجل الدين وليس من تخصص في مجال علمي معين، وكأنه تأكيد الانعزال عما اتفق عليه العالم من حولنا، وأن العلم لدينا ليس هو العلوم والتكنولوجيا أو حتى العلوم الإنسانية ولكن العلم لدينا هو الدين، والتعليم هو الدين والوطن هو الدين!!
هذا ليس كل شيء.. ففي الوقت الذي ينتشر فيه التعليم الديني بكافة مراحله، دون خضوع للقائمين عليه للدولة ومؤسساتها، وتنتشر القنوات الدينية، لا توجد مسارح كافية، لا توجد فنون، لا توجد حصة موسيقى أو مسرح مدرسي.
أخيرًا، يشهد الله على ما أقول فأننا كأشخاص تنقضي حياتنا بعد وقت طال أو قصر، ونزول، لكن الأوطان تبقى.. فإن أردنا له البقاء والقوة فلنبدأ لأجل الأجيال القادمة، لكي لا تستمر فاتورة الإرهاب مستمرة لأجل غير مسمى.
كفانا جرعات مكثفة من الدين حتى باتت تضر أكثر مما تفيد.. افسحوا الطريق للفنون، للرسم والموسيقى.. افسحوا الطريق للحياة للغد.