الحرب الضروس التى يشنها البعض دفاعاً عن وحماية للميكروفون الخارجى وقت الأذان والتراويح والدروس الدينية، تدل على خلل نفسى واجتماعى أصاب العقل الجمعى المصرى نتيجة فيروس التعصب الدينى والتشنج المذهبى واستخدام الدين كهراوة فزاعة وليس كصوت ضمير. تفاصيل المعركة وهستيريا الصراخ حولها والموت من أجلها، جعلتنى أراجع أركان الإيمان وفرائض الإسلام، وأنا أفرك عينىّ وأراجع كتب الفقه والتراث وجدت أن الإسلام بُنى على خمس ليس من بينها مكبّر الصوت أو الميكروفون. الدولة الحديثة الحداثية المتحضرة عندها مبدأ مهم: لا تقتحم مساحتى الخاصة، ولا أقتحم مساحتك. الفضاء العام مشترك، لكن الخاص ملكى أنا فقط، وليس من حقك اقتحامه أو دس أنفك فيه أو حشر نفسك داخله. هذه الحشرية والفضولية والاستعراضية هى أعراض مجتمعات مريضة بفوبيا الحداثة، كلما كنت هشاً صرخت أكثر، وكلما كنت مرعوباً فى شارع مظلم أخذت فى الهتاف لتخفف من درجة رعبك وحدّة رعشتك، مثل الفنان محمد هنيدى فى «سور الصين العظيم» عندما كان يعانى من مرض الخوف، فألبسته العصابة مانيكان بطل كمال الأجسام لكى يتخيل نفسه هركليس!!
الميكروفون من أخطر أدوات اقتحام الخصوصية بلزوجة ورذالة وغتاتة، غير مسموح لحضرتك تحت أى اسم أو شعار، حتى ولو شعار دينى أو لافتة عقائدية فى دولة تحترم القانون والمواطنة، غير مسموح أن تقتحم مساحتى الإنسانية الخاصة بميكروفون صلاة أو فرح أو عزاء... إلخ، «صلى وافرح واحزن» فى مساحتك، ومن حقى مشاركتك أو رفض مشاركتك فى بهجتك أو شجنك أو طقسك الدينى. أنت لم تأخذ توكيلاً من الرب، وأنا لم أسمح لك باقتحامى واغتصاب مساحتى وخصوصيتى. هناك قوانين تمنع التعدى على الأراضى الزراعية، والأهم منها صدور قوانين تمنع التعدى على الأراضى الإنسانية للأفراد. ما يحدث من وجود ميكروفون مسجد على بلكونة جار، هو من قبيل التحرش الدينى!! مرض الاستعراض الدينى والاستعلاء الفاشى الذى يمارسه ذوو المزاج السلفى على المجتمع فى منتهى الخطورة، إنه مسخ للهوية وقتل للمواطنة وإهدار للقانون، والتخاذل فى مواجهته هو انسحاب من أرض المعركة وتضحية بمستقبل الوطن.
نقلا عن الوطن