لم يصل إلى مسامع محمود صبحي أية أنباء عن "الدفع الإلكتروني"، النظام الجديد الذي أعلنت الحكومة تطبيقه بدءًا من بعد غد 1 مايو، لتحصيل مستحقاتها إلكترونياً. لم يشاهد الإعلانات التي تبثها وزارة المالية، منذ أيام، عبر شاشات التليفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي، لكنه أبدى تفاؤلاً حين علم بالخبر، خاصة أنه اعتاد قبل عامين على سداد قيمة أقساطه ومدفوعاته إلكترونياً "وده وفّر عليّا وقت ومجهود كبير".
بدءًا من الأربعاء المُقبل، سيتم إلزام المواطنين بسداد قيمة الخدمات والرسوم والمستحقات الحكومية التي تزيد قيمتها على 500 جنيه إلكترونياً، وفق ما جاء في بيان وزارة المالية. وما دون هذا المبلغ سيسدد نقداً أو إلكترونياً حسب رغبة المواطن، في حين سيتم سداد ما يزيد على 10 آلاف جنيه في البنوك المختلفة بالسوق المصرفي المصري، وهو التوجّه الذي يأتي ضمن سعي الحكومة إلى تحقيق الشمول المالي والتحوّل إلى مجتمع رقمي.
ميزات عدّة في التحصيل الإلكتروني ذكرتها وزارة المالية، أهمّها بالنسبة لمحمود أنه سيستطيع سداد قيمة الخدمات في أي وقت ومن خلال أي وسيلة من الوسائل التي حددتها الوزارة، دون الحاجة إلى الانتظار أمام شباك الخزينة "مرات كتير مكنتش بلحق أخلّص كل إجراءاتي وورقي بسبب إن الخزنة بتكون قفلت وده كان بيعطلني يوم واتنين"، فيما يأمل ألا يتسبب ذلك التوجّه في ازدحام عند البنوك وأماكن المخصصة للدفع.
لذا يتمنّى صاحب الـ29 عاماً، مدرس إعدادي، أن تكون هناك وفرة في أماكن التحصيل، حتى لا يضطر إلى الانتظار طويلاً، وهو هدف تسعى الخدمة الجديدة لإلغائه، فيما يُبدي قلقه من احتمال "سقوط السيستم" بسبب زيادة الضغط عليه "دي حاجة مشهورة في المصالح الحكومية والبنوك يقولك السيستم واقع، حصلت معايا في المرور من أسبوعين، فلازم يكون فيه بدائل لو حصلت مشكلة خاصة إن عدد العملاء هيزيد".
فيما يقلل الدكتور أسامة مصطفى، خبير تكنولوجيا المعلومات، من إمكانية حدوث مشكلات تتعلّق بالبنية التحتية، في تطبيق الدفع الإلكتروني، خاصة أن الحكومة استعدّت له منذ فترة، واستعانت بشركات أجنبية نفذّت المشروعات في دول أخرى، ويرى أنه من الوارد أن يحدث توقف أو أعطال مؤقتة في نظام الدفع "زي اللي بتحصل في البنوك مثلاً، لكن دي حاجات مؤقتة وطبيعية".
يذكر أنه من المفترض أن كل نقطة دفع متصلة بخطوط تقوية للإنترنت، ومتصلة بسيستم خاص للمدفوعات، ومؤمّنة بشكل كامل "لأن مينفعش يحصل أي خلل في المعاملات المالية، ده اقتصاد دولة، ومن الوارد حدوث بعض الأخطاء خاصة أن التجربة في بدايتها".
إلى جانب "السرعة والإنجاز" التي سيوفّرها تطبيق النظام الجديد، يرى جابر كامل، 46 عاماً، أن إلغاء "الكاش" في المعاملات الحكومية سيقلل من بيروقراطية اشتهرت بها مصالح وهيئات عدّة، كذا سيقلل من "المحسوبية وتخليص المصالح عن طريق الرشوة مثلاً، أو إن الموظف يجامل حد على حساب حد، أنا كده هدفع مقابل الخدمة بالضبط من غير زيادة أو نقص".
على عكس "محمود"، لم يتعامل "جابر" ببطاقة الدفع الإلكترونية الخاصة به، سوى في الحصول على راتبه، حيث يعمل مدرساً بإحدى المدارس الفنية "عمري ما استخدمتها في شراء أو دفع أي حاجة سواء حكومي أو خاص"، يضيف أنه سينوي استخدامها كذلك في معاملاته الخاصة ما دام أصبح استخدامها إلزامياً في المعاملات الحكومية "هيكون أفضل ليا لكن هحتاج شوية وقت أفهم إزاي أتعامل بالنظام الجديد".
فيما يتطرّق أحمد عبدالقادر، 29 عاماً، والذي يقطن بإحدى قرى محافظة المنيا، إلى إمكانية تطبيق النظام الجديد على جميع المصالح والهيئات الحكومية بما فيها الموجودة في القرى، يقول إنه يذهب إلى مكتب البريد الموجود بقريته للحصول على معاش والده "الموظف في أحيان كتير بيضظر إنه يطلع فوق المبنى عشان الشبكة تجمّع معاه"، ما يسبب زحاماً وانتظاراً لفترات، يأمل تفادي ذلك "عشان تسهّل عليا كمواطن لأن دي خدمة كويسة أحب أستفيد بيها".
أبوبكر عبدالحكيم، مدرس ثانوي، اعتاد استخدام وسائل الدفع الإلكتروني في استخراج شهادات الميلاد أو التسوّق، يقول إنه ينتظر منذ وقت طويل أن يتم تعميم الدفع الإلكتروني على المصالح الحكومية، لما يوفره من أموال، خاصة أن استخراج أوراق تخص إحلال وتجديد منزله "كلفني 6 آلاف جنيه بسبب اللفّ من موظف لموظف ومصاريف رايح جاي لمجلس المدينة، في حين إني لو هدفع إلكتروني هيكلفني 4 آلاف اللي هي التكلفة الفعلية، هدفعها مرة واحدة وخلاص".
تحصيل الرسوم على الخدمات الحكومية بإحدى وسائل الدفع الإلكتروني، سيتم عن طريق نشر حوالي 20 ألف ماكينة نقاط التحصيل بمختلف الجهات الحكومية، يوضّح إبراهيم سرحان، رئيس مجلس إدارة "إي فاينانس"، شركة تكنولوجيا تشغيل المنشآت المالية، مشيرا إلى أن وزارة المالية لديها 4500 وحدة حسابية على مستوى الجمهورية "وأرسلت لجميع الوزارات لمعرفة عدد الخزائن التي تستقبل رسوم أكثر من 500 جنيه، وبناءً على ذلك جهزت الوزارة العدد المطلوب من نقاط الدفع وفقاً لاحتياجات هيئات ومصالح كل وزارة بمختلف المحافظات".
تم اختبار جاهزية النظام الجديد للعمل بكفاءة، وفق ما يوضّح سرحان، لافتاً إلى أنه من الوارد حدوث بعض المشكلات البسيطة "لأن دي حاجة لسه في الأول"، غير أنه يعوّل على البنية التحتية المناسبة، مشيراً إلى أنه لا يوجد أي قلق من حدوث أعطال في ماكينات الدفع لأنها تعمل وفق نظام معدّ خصيصًا لذلك "تكافل وكرامة الناس بتصرفوا في الصعيد من مكاتب البريد في أماكن وقرى بعيدة من غير مشكلات، ومع الوقت لازم هيتم رفع جاهزية الماكينات ونظام التشغيل".
كانت وزارة المالية ذكرت في بيان الأحد الماضي، أنه تم نشر 15 ألف ماكينة دفع، وحددت وسائل عدة للدفع الإلكتروني منها استخدام بطاقات صرف المرتبات أو كروت الحسابات البنكية أو الكروت مسبقة الدفع أو كروت الائتمان أو عن طريق الإنترنت، مضيفةً أنها ستوفر الكروت مسبقة الدفع مجاناً ولمدة 6 شهور من خلال بنوك الأهلي ومصر والقاهرة والزراعي المصري والتجاري الدولي. كذلك أتاحت سداد الرسوم والخدمات عبر شركات الدفع الإلكتروني مثل فوري وأمان ومصاري، أو عبر المحافظ الإلكترونية عبر المحمول أو عبر البريد.