أهنئكم جميعًا بـ«عيد القيامة» الذى احتفل به مسيحيو الشرق الأحد الماضى؛ متمنيًا كل الخير لبلادنا «مِصر»، والسلام للعالم بأسره. لقد حاول كثيرون على مر التاريخ والعصور رفض حقيقة القيامة وعدم الإقرار بها!، إلا أن القيامة وما يتبعها من حياة بعد الموت موضوع أكدته جميع الأديان، بل أقر بها كثيرون ممن رفضوها عندما اقتربوا من لحظات عبور جسر الموت كما ذكرنا فى مقالات سابقة.
والقيامة قدمت للإنسان إعلانات مهمة، نتحدث اليوم عن بعضها:
أولًا: القيامة هى إعلان للعدل
قبل أيام قليلة سمعت أحدهم يردد عبارة: «إن الحياة ليست عادلة»؛ نعم، رُب عدل غير كامل على الأرض، لكن فى القيامة يوجد العدل الإلهىّ الذى سيحكم بين جميع البشر. ففى الإيمان بالقيامة نرى بشرًا قد عاشوا حياتهم محتملين الأحزان والآلام والتجارِب القاسية مثل المرض أو الإعاقة، ومع ذلك لم يرفضوا الحياة واحتملوها بل تفوقوا فى كثير من الأحيان على الأصحاء!. هم موقنون بأنهم سوف يجدون العدل الإلهىّ عند قيامتهم بأجساد صحيحة لا علة فيها. كذلك كل نفس ظُلمت فى الحياة من دون ذنب اقترفته سوف يُرفع عنها كل ظلم إذ الله- تبارك اسمه- يعوضها بعدله المطلق علانية عما وقع عليها من ظلم احتملته بصبر.
أيضًا القيامة هى إعلان للعدل الذى يجازَى به كل إنسان عما قدمه نحو غيره- خيرًا كان أم شرًّا- فى فرصة الحياة التى وُهبت له من الله. ففى الحياة، منح الله كل إنسان مواهب وإمكانات سواء جسمية أو ذهنية من أجل تحقيق التكامل ومن ثَم السعادة والسلام بين البشر؛ وفى تذكر القيامة ينطبع أمام الذهن سؤال: «كيف استخدمت إمكاناتك؟!».
ثانيًا: القيامة هى إعلان للمسؤولية
تقدم لنا القيامة مفهومًا عميقًا عن مسؤولية كل إنسان فى حياته على الأرض؛ فحياتنا هى مسؤوليتنا، وسوف يتحمل كل منا نتيجة قراراتها التى تُرجمت أفعالًا وسلوكيات نحو الله ونفسه والآخرين. لذلك فحكمة الإنسان تسمو عند إدراكه أن الحياة الأبدية هى نتاج أصيل من حياته على الأرض واستكمال ما بدأه فيها؛ لذلك عليه أن يتخذ قرارات ومواقف تؤهله لنَيل ما يريده فى حياته الخالدة بعد الموت والقيامة. وأتوقف أمام قصة حاكم حكيم أدرك أنه سيترك حكمه بعد عام، ويُنفى إلى إحدى الجزر مُقضِّيًا بها ما تبقى له من عمر؛ فاهتم أن يبنى فيها مسكنًا مريحًا له، ويوفر بها ما يحتاجه لحياته الجديدة. لذلك إن كان الإنسان يبحث عن الراحة والسعادة فى الأبدية، فعليه أن يسلك بحكمة فى حياته على الأرض، مدركًا أن أعماله هى رفيقه الوحيد فى رحلته نحو تلك الأبدية: فإن كانت خيرًا رسمت له طريق السعادة الأبدية، وإن كانت شرًّا جلبت إليه الأحزان والآلام الأبدية!.
القيامة هى إعلان للفرح والسلام، يسعى الإنسان فى حياته لإدراك السعادة فى الحياة، ولكنه يصطدم بكثير من الضيقات. والقيامة تعلن للإنسان أن مصير الضيقات هو إلى زوال؛ ففى السماء لا موضع لحزن أو ضيق أو أتعاب. فإن كانت الحياة هنا تحمل فى طِياتها المشكلات والمتاعب والآلام، فانتظار القيامة وترجِّيها يمنح البشر الأمل والرجاء والصبر، وبذلك يتمكنون من الاستمرار فى الحياة بقوة القيامة. والقيامة تعلن لنا أيضًا أننا سوف نعيش فى الأبدية حياةً تخلو من الشر والظلم والحروب؛ حياةً لا تعرِف إلا السلام الحقيقىّ الذى لا يُنزع.
وهكذا تصبح القيامة سر فرح حقيقىّ فى حياة كل إنسان تمسك بالخير والثقة والإيمان، وفى الوقت نفسه تضحى تحذيرًا لكل نفس تسلك فى الشر ولا تُدرك أنه حتمًا سيأتى يوم المجازاة.
كل عام وجميعكم بخير و... والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.
* الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى
القبطى الأُرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم