الأنبا موسى
لا شك أن الإيمان بالقيامة يشرح لنا معنى وجودنا فى هذه الحياة الأرضية الممتلئة بالآلالم، وكيف أننا سنذهب بعد الموت إلى الحياة الأبدية، ونحيا مع إلهنا إلى الأبد فى الملكوت.
لو كان الإنسان يولد، ثم يحيا فى عالم متعب وظروف صعبة، ثم يشيخ، ثم يموت. وينتهى كل شىء، فما معنى هذا الوجود؟
لكن إيماننا بالحياة الأبدية والقيامة من الموت يعطى حياتنا معنى وهدفًا.
- قال سارتر: «هذا الوجود زائد عن الحاجة، ولا داعى له».
- وقيل: «الإنسان يولد باكيًا، ويعيش شاكيا، ويموت يائسا».
هذه طبعًا نظرة سوداوية، بسبب عدم الإيمان بالله، الذى سيقيمنا فى اليوم الأخير، إلى حياة أبدية سعيدة فى ملكوته.
1- القيامة.. تعطى معنى للحياة:
فبالفعل، ما قيمة هذه الحياة والإنسان يشيخ ثم يموت؟! أو يسقط صريع الحرب، أو الفقر، أو المرض، أو الكوارث؟! القيامة فقط هى التى تعطى معنى لحياتنا.. فالله حينما خلقنا أراد أن نسعد معه فى ملكوته المقيم، ولكنه أراد أن يكون ذلك بحرية إرادتنا، وهذه الحرية تحتاج إلى «اختيارات» و«اختبارات».
- اختيارات: أى أن يختار الإنسان بمحض إرادته بين أمرين: أن يحيا مع الله، أو ضد الله.
- اختبارات: أى أن يختبر الإنسان فى حياته الأرضية، الحياة اليومية مع الله؛ تميهدًا للحياة الأبدية بعد الموت.
إذن فلماذا الموت؟
الموت يعطينا أن نخلع هذا الجسد الضعيف؛ إذ نقوم بجسد آخر نورانى يصعد إلى السماء، ويستقر فى الملكوت الأبدى.
القيامة- إذن- تعطى معنى لوجودنا وحياتنا الأرضية، مهما كانت متعبة، لأننا سنتركها إلى حياة أبدية سعيدة مع الله وملائكته وقدّيسيه.
الله يعرف مسبقًا بكل ما سوف يحدث لنا، لكنه لم يحتم على آدم أن يختاره، أو أن يختار الشيطان، تاركًا له فرصة حرية الإرادة والاختيار، واتخاذ القرار، حتى يبقى مع الله بكامل حريته وإرادته! والشيطان أغوى آدم، فسقط بعصيان الله، لكن الله وعده بالخلاص، إذا آمن به وعمل الصالحات.
وهكذا صار أمام الإنسان نفس الاختيارين إما الحياة مع الله أو ضده، وعاد الإنسان مرة أخرى صاحب القرار. لهذا يقول الكتاب المقدس للإنسان: «جَعَلتُ قُدَّامَكَ الحَيَاةَ وَالمَوْتَ.. فَاخْتَرِ الحَيَاةَ لكَىْ تَحْيَا» (تث 19:30).
إننا خلقنا لنعيش مع الله، ولن نستريح إلا حينما نحيا له، كما قال القديس أغسطينوس: «يا رب لقد خلقتنا لك، ولن نستريح إلا فيك».
وهذه حقيقة.. الإيمان بالله غير المحدود وبعمله فينا ينقلنا إلى الأبدية غير المحدودة.
- وهنا نرفض مقولة أن «هذا الوجود زائد عن الحاجة»، ونؤمن بالعكس تمامًا، وهو أن هذا الوجود مفرح وهو مقدمة للأبدية السعيدة، ونحن مدعوون لأن نحيا حياتنا الأرضية مع الله، متطلعين فى شوق إلى حياتنا الأبدية السعيدة معه.
2- القيامة.. تعطى رجاء للإنسان:
- أخطأ من قال «إن الإنسان يولد باكيًا، ويعيش شاكيًا، ويموت يائسًا»؛ إن الإنسان المؤمن الذى يحيا مع الله، ويؤمن بالخلود، يولد باكيًا.. ولكنه يرى فى بكاء الطفل انفتاحًا للشعب الهوائية، لا حياة بدونها.. وهو لا يعيش شاكيًا، بل حرىٌّ به يعيش شاكرًا، واثقًا بأنه «إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟» (رو 31:8). وأن إلهنا المحب يرعانا من «أَوَّلِ السَّنَةِ إِلى آخِرِهَا» (تث 12:11)، ومن الطفولة إلى الشيخوخة.
لذلك فالإنسان المؤمن لا يموت يائسًا، بل بالحرى يموت واثقًا من القيامة والخلود.. ولذلك لا يتسلل اليأس إلى حياته أبدًا، بل شعاره هو: «لأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ» (رو 8:14).
- وهو يرى أنه يحيا فى غربة، ويشتاق أن يستوطن عند الرب، لأننا: «بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعَيَانِ. فَنَثِقُ وَنُسَرُّ بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ الْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ الرَّبِّ» (2 كو 6:5-8). ولهذا فهو يجتهد فى أن يحيا حياة مقدسة ترضى الله، لينال حياة أبدية يرضاها!
وهكذا يملأ الرجاء قلب الإنسان المؤمن.. والرجاء باليونانية «هلبيس»، أى «المرساة» أى «الهلب» الذى يغرسه قائد السفينة فى صخور الشاطئ، ثم يجذب المركب إلى الشاطئ، لتستقر هناك.
3- القيامة.. تنير الذهن:
قال أحد الملحدين: «إن الإنسان يخرج من ظلمة الرحم إلى ظلمة الأرض، وينتهى إلى ظلمة القبر».
وهو فى ظلمة الإلحاد يفقد القدرة على الرؤيا والتمييز. بينما الإنسان المؤمن يستنير بعمل الله فيه، فهو الذى «فَتَحَ ذِهْنَهُمْ (تلاميذه) لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ» (لو 45:24). لهذا يقول الرسول بولس: «بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ» (عب 3:11). الإيمان يكمل عجز العقل فى المعرفة.
إنه بمثابة التلسكوب الذى يضعه الشخص على عينيه، ويحدق فى السماء، فيرى النجوم البعيدة. العين المجردة محدودة، والتلسكوب يساعده. كذلك العقل الإنسانى محدود، والإيمان هو الذى يساعده لرؤية السماويات والخلود الأبدى.
ليتنا نحيا على رجاء الحياة الأبدية الخالدة، بالقداسة، والبر، والحياة الصالحة، فنقضى أبدية سعيدة مع الله.
الأنبا موسى أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم