فاروق عطية
الملك الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون: هو حادي عشر سلاطين الدولة المملوكبة البحرية، كنيته أبو المعالي وأبو الفتح. جلس علي تخت السلطنة للمرة الثانية سنة 1299م وكان يبلغ من العمر 14 عاما تحت سيطرة الأميران سلار وبيبرس الجاشنكير. في تلك الفترة انتشر الفساد ونظام الحماية، وتضخمت سطوة وثروات المماليك البرجية التي كان بيبرس الجاشنكير يتزعمها ومنافسيها المماليك الصالحية والمنصورية التي كان على رأسها الأمير سلار. في عام 1308 أدرك السلطان الصغير قلة حيلته وخطورة موقفة في مواجهة سلار وبيبرس الجاشنكير فزعم أنه ذاهب للحج ولكنه ذهب للكرك ورفض العودة إلي مصر.
الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير المنصوري وكنيته أبو الفتح: هو السلطان الـ 12 لدولة المماليك البحرية. من أصل شركسي كان مملوكا للسلطان المنصور قلاوون، تدرج في المكانة حتي صار أميرا ثم جاشنكيرا (متذوق لطعام السلطان للتأكد من أنه غير مسموم). تقلد في فترة حكم الناصر محمد بن قلاوون الثانية منصب الاستادار. في عام 1302م أخمد تمردا وقع في صعيد مصر، وفي عام 1303م كان أحد قادة مصر الذين هزموا المغول في معركة مرج الصفر. وعندما رفض السلطان ناصر الدين محمد بن قلوون العودة من الكرك عام 1308م بويع بيبرس سلطانا علي البلاد ومعه الأمير سلار نائبا للسلطان. في عهده ساءت الأحوال الاقتصادية والسياسية وارتفعت الأسعار وانخفض منسوب النيل وفشت الأوبئة ولاحت في الأفق تهديدات مغولية وصليبية. أمر بيبرس بمنع الخمر في مصر واستخدم عنف مفرط ضد العامة والتجار والأمراء. تدهورت الأحوال وخرجت العامة تطوف الشوارع مطالبين بعودة الناصر محمد بن قلاوون. انشق الكثير من الأمراء عليه وانضموا بمماليكهم إلي الناصر محمد في الكرك. دخل الناصر محمد إلى دمشق فحُطب له. أحس بيبرس باليأس فنصحه الأمراء بخلع نفسه واستعطاف الملك الناصر لنيل عفوه والعودة لسطنته. أمام صيحات العوام ضده مطالبين بعزله فرّ إلى أخميم، وفي اليوم التالي لفراره كتب سلار إلى الناصر محمد بتنحي بيبرس، وفي يوم الجمعة التالي خُطب للناصر محمد بن قلاوون في الجوامع وأسقط اسم الملك المظفر بيبرس بعد أن حكم البلاد فترة تقل عن سنة.
الملك الناصر محمد بن قلاوون: وصل إلى قلعة الجبل وجلس على تخت السلطنة لثالث مرة واحتفل الناس بعودته وزينت القاهرة، وقبض على بيبرس الجاشنكير وحمل إلى الناصر مقيدا بالحديد فعدّد لة ذنوبه وأقر بها بيبرس وطلب العفو ولكن الناصر أمر بخنقه فخُنق ودُفن خلف القلعة. تولى فترة السلطنة الثالثة من عام 1309م حتى وفاته عام 1341م. يعتبر من أبرز سلاطين الأسرة القلاوونية والدولة المملوكية البحرية. خاض حروبا ضد المغول والصليبيين وحروبا إصلاحية في الداخل ضد الفساد. شهدت مصر في فترة حكمه الثالثة نهضة حضارية وعمرانية لم تشهدها في عهد أي سلطان آخر من سلاطين الدولة المملوكية البحرية.
المنصور سيف الدين أبو بكر بن الناصر محمد بن قلاوون: ولد بالقاهرة سنة 1321م. أول من تربع على عرش السلطنة من أبناء السلطان الناصر محمد بن قلاوون وثالث عشر سلاطين الدولة المملوكية البحرية. حكم نحو شهرين من عام 1341م. أوصى أبوه الناصر محمد قبل وفاته بتوليته السلطنة فنصّبه الأمراء في عام 1341م ولقبوه بالملك المنصور علي لقب جده، بعد أن سمح له أكبر إخوته الأمير شهاب الدين أحمد الذي كان يقيم بالكرك بتولي السلطنة وكان في العشرين من عمره، ومعه زوج أمه طقزدمر الحموى نائبا للسلطنة والأمير قوصون الناصري مدبرا للدولة وأتابكا للعسكر ورأس المشورة ويشارك قوصون في الرأى الأمير بشتاك الناصرى. قام بجمع الأمراء والقضاة إلى القلعة واعاد الخليفة العباسي الحاكم بأمر الله أحمد سليمان إلى منصب الخلافة، كما اعاد التعامل بالفضة إلى جانب التعامل بالذهب بالسعر الحر. كانت فترة حكمه القصيرة مشوبة بالمشكلات والصراعات الداخلية والتي أدت في نهاية المطاف إلى سقوطه. فقد طالب الأمير بشتاك تعينه نائبا للسلطان بالشام، قوبل طلبه برفض قاطع من الأمير قوصون مما جعل بشتاك يحاول نيل تأييد الأمراء والمماليك عن طريق الاغداق عليهم بالأموال والهبات، فقام قوصون باقناع السلطان أبو بكر بأن بشتاك يحاول جذب المماليك والأمراء إلى جانبه كى يسطو على عرش السلطنة. قبض السلطان علي بشتاك ومماليكه وسجنهم بالإسكندرية واستولي علي ممتلكاتهم وإقطاعاتهم ومنحها لنفسه وقوصون وبعض الأمراء. بتخلص قوصون من بشتاك تضخم نفوذه وصار أهم أمير في مصر وراح يتدخل في شؤن السلطان ويظهر سخطه على سلوكه حيث كان السلطان قد اعتاد على شرب الخمر مع خاصكيته ودعوة المغانى إلى القلعة في ساعات الليل. علم السلطان بما كان يدبره قوصون وزادت الخلافات بينهما. استدعى قوصون الأمير طقزمرد وغيره من أمراء القلعة إلى قبة النصر واتفق معهم على خلع السلطان واخراجه هو اخوته الستة من القلعة. وتم نقلهم مقيدين - باستثناء كجك الذي بقي بالقلعة- إلى قوص بصعيد مصر حيث سجنوا. واتفق الأمراء على تنصيب أخيه علاء الدين كجك سلطانا على البلاد وكان عمره نحو سبع سنوات مع قوصون نائبا للسلطنة. بعد ذلك بقليل قتل سيف الدين أبو بكر في سجنه بقوص عام 1341م وأتهم قوصون بتدبير قتله.
الملك الأشرف علاء الدين كجك بن الناصر محمد بن قلاوون: ثاني من تربع على عرش السلطنة من أبناء السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ورابع عشر سلاطين الدولة المملوكية البحرية. ولد بالقاهرة سنة 1334م. نصّبه الأمراء في عام 1341م بزعامة الأمير قوصون الناصري، وكان عمره لا يتعدي السبع سنين إسمه كجك (لفط تركي معناه الصغير)، وبقي علي تخت السلطنة نحو خمسة شهور. أصبح الأمير قوصون الحاكم الفعلى للبلاد والسلطان الصغير مجرد دمية يمسك قوصون بيدها فيسيرها أثناء التوقيع على المراسيم. كان الأمير أحمد الأخ الأكبر للسلطان المخلوع أبو بكر والسلطان الحالي كجك والمقيم بالكرك هو مصدر التهديد الرئيسى لقوصون مما جعله يسعى لإحضاره إلى مصر ليتمكن من القبض عليه وإيداعه السجن مع إخوته الستة. نشب خلاف حاد بين قوصون وبين مماليك السلطان المتوفى الناصر محمد (المماليك الناصرية)، وبدأت علاقتهم بقوصون تتدهور إلى أن أعلنوا جهراً أنهم ليسوا مماليكه بل مماليك السلطان فحسب. وشعر قوصون أن مماليك السلطان يخططون لقتله، فهرع إلى كبار الأمراء يشكوا لهم حاله، في نفس الوقت كان مماليك السلطان قد ارتدوا زى القتال وتجمعوا بأسلحتهم داخل القلعة. أما خارج القلعة فقد احتشدت أعداد غفيرة من عامة الناس في ميدان القلعة وراحت تهتف تأييداً للمماليك الناصرية داخل القلعة. ولما رأى قوصون والأمراء أن العامة الثائرة قد بدأت تهاجم إصطبله، قاموا بالالتحام بهم وانتهت المعركة بهزيمة المماليك الناصرية والعامة. وصلت الأنباء إلى القاهرة من دمشق بأن الأمير أحمد المقيم بالكرك قد تحالف مع أمير حلب طشتمر حمص أخضر وبعض نواب السلطان في حلب وأنه قد نوى السير إلى مصر لتنصيب نفسه سلطانا. فقام قوصون، على غير رغبة الأمراء في مصر، بإرسال الأمير قطلوبغا الفخرى على رأس قوة إلى الكرك للقبض على الأمير أحمد، إلا أن قطلوبغا والأمراء الذين صحبوه إلى الكرك، بدلا من القبض على الأمير أحمد قاموا بتأدية يمين الولاء له ولقبوه باللقب السلطاني"الملك الناصر". قام الأمير قطلوبغا بالهجوم على دمشق واستولى عليها وعلى ممتلكات قوصون بها وكتب إليه يعنفه على قتله السلطان أبو بكر وعلى قبضه على إخوته أبناء الناصر محمد وأعلمه أنه والأمراء قد إتفقوا على تنصيب الأمير أحمد شهاب الدين سلطاناً على البلاد. ولما وصلت تلك الأخبار للأمراء تشجعوا على مناوءة قوصون والخروج عليه، وإتفقوا على عدم الانتظار، فقاموا ومعهم أعداد غفيرة من عامة الناس بمحاصرة القلعة، في خلال بضعة ساعات كانت العامة قد نهبت خيول قوصون وذهبه الذي كان مُخزناً في الإصطبل، لم يتمكن قوصون وأمرائه من الصمود فاستسلموا وقبض عليهم ورُحلوا أثناء الليل إلى الإسكندرية وهم مقيدون بالأغلال. خُلع السلطان الصغير كجك بحجة صغر سنة بعد أن جلس على تخت السلطنة نحو خمسة أشهر، واُفرج عن أبناء الناصر محمد الذين سجنهم قوصون في قوص. بقى كجك بعد خلعه في القلعة تحت كنف والدته ثم قتل على فراشه وهو في سرياقوس في عام 1345م وهو في نحو الثانية عشرة من عمره.
الناصر شهاب الدين أحمد بن الناصر محمد: خامس عشر سلاطين الدولة المملوكية البحرية، وثالث من تربع على عرش السلطنة من أبناء السلطان الناصر محمد بن قلاوون. ولد بالقاهرة عام 1316م. بعد أن قُبض علي قوصون وخُلع كجك وأصبحت البلاد بلا سلطان وخرج الناس إلى الشوارع يحرقون وينهبون ممتلكات قوصون ومماليكه وأمرائه، اتفق الأمراء على تولية شهاب الدين أحمد السلطنة وهو في الكرك عام 1342م ومنحه ممتلكات وأموال قوصون فدعى له على المنابر بلقب السلطان الملك الناصر أحمد على لقب أبيه، وبعثوا ببعض الأمراء إلى الكرك ومعهم بعض العامة لإحضاره إلى مصر. وصل شهاب الدين أحمد إلى القاهرة في الليل في أواخر شهر رمضان، ودخل القلعة وهو ملثما وفي صحبته عشرة من أعراب الكرك مما جعل الأمراء يتعجبون من أمره. استمر السلطان في تصرفاته الغريبة التي لم تعجب الأمراء. اخبر السلطان الامراء أنه ذاهب إلى الكرك للاقامة بها لمدة شهر ثم يعود إلى مصر وطلب من الخليفة العباسي الحاكم بأمر الله الذهاب معه. وودع الأمراء عند قبة النصر خارج القاهرة وبدل ثيابة وأرتدى ثياب الأعراب وتلثم. وبعدما وصل إلى الكرك منع الذين اصطحبوه من دخول الكرك باستثناء كاتب سره وناظر الجيش وأمر الخليفة العباسي بالمضى إلى القدس. وراح السلطان يحصن الكرك ويشحنها بالغلال والأقوات. لم يعد إلى القاهرة كما وعد فقلقت العامة وتساءلت وأصاب الأمراء غم شديد وخافوا من نشؤ أضطرابات في البلاد، فاتفقوا على إرسال مكتوب إلى السلطان ليعلموه بفساد الأحوال في مصر ويستعجلوا عودته، فرد عليهم برسالة تقول: " أنى قاعد في موضع أشتهى، وأى وقت أردت أحضر اليكم ". فغضب الأمراء وقرروا خلعه بعد سلطنة سيئة الذكر دامت نحو ثلاثة شهور قضى منها نحو خمسين يوما في الكرك، وتنصيب اخيه عماد الدين اسماعيل. أُرسلت التجريدات إلى الكرك وحُوصرت ونُصب عليها المنجنيق، وطلب منه اعادة ما نهبه من مصر والا هُدمت الكرك حجرا حجرا، وقُبض عليه وقُتل في عام 1344م وأرسلت رأسه إلى القاهرة.
وإلى العدد القادم